إذا كنت حاجّاً متوجهاً لأداء المناسك في مكة المكرمة عام 2030، فسوف تبدأ رحلتك منذ لحظة هبوطك في المطار، حيث تستقبلك طائرة كهربائية ذاتية القيادة، تحملك مباشرة إلى المشاعر المقدسة، وفي أثناء تحليقك، سوف تشاهد من خلال نظارات الواقع المعزَّز شرحاً تفاعلياً للمناسك بلغتك، بينما الذكاء الاصطناعي يجيب عن أسئلتك في اللحظة ذاتها، وعند وصولك، سيتم رصد بياناتك البيومترية تلقائياً خلال ثوانٍ، قبل التوجه إلى مسكنك المجهز مسبقاً حسب احتياجاتك الصحية، وأثناء أداء المناسك، سوف ترافقك روبوتات ذكية ترشدك في كل المراحل، بينما تقيس ساعة طبية ذكية في معصمك كلَّ مؤشراتك الحيوية، حتى حرارة الشمس لن تشعر بها مع المظلات الذكية ونقاط التبريد المتنقلة، لتحظى بتجربة روحية من المستقبل. المشهد السابق ليس تخيلياً على إطلاقه، بقدر ما هو توقُّع لما ستكون عليه تجربة الحج في مكة المكرمة خلال السنوات المقبلة، قياساً على التطور الكبير الذي تشهده الخدمات المقدمة للحجاج حالياً، والتي تلعب فيها التقنية والذكاء الاصطناعي دوراً رئيسياً، غير مسبوق في مثل هذه التجمعات البشرية الكبرى.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
لا يمكن لأي منصف إلا الاعتراف بما تشهده السعودية من تطور متسارع ومدهش على مختلف المستويات خلال السنوات الماضية، وباتت في وقت قصير، واحداً من أكثر البلدان استفادة من التقدم التقني في العالم، بعدما حرصت السعودية على أن تستثمر في مختلف التقنيات الحديثة بمليارات الريالات، وتمزج التقنية في مختلِف مجالات الحياة، والتي كان من أبرزها تنظيم موسم الحج السنوي الذي يشهد مشاركة ملايين المسلمين من مختلِف أنحاء العالم، وهو ما يدفعنا لتوقع تجربة استثنائية من المستقبل، سوف يشهدها موسم الحج خلال عام 2030.
تاكسي طائر فوق الحرم
في موسم حج العام الماضي 2024، أطلقت السعودية تجربة التاكسي الجوي ذاتي القيادة، كأول مبادرة من نوعها عالمياً، بهدف تسهيل تنقل الحجاج بين المشاعر المقدسة وتقليل الازدحام المروري، هذا التاكسي الكهربائي الذي يقلع عمودياً، يعد صديقاً للبيئة ويعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، ومن المتوقع أن يتم توسيع استخدام هذه التقنية في المواسم القادمة، لتشمل نقل الحجاج من المطارات إلى مواقع الإقامة، ما يقلل من الزمن المستغرق في التنقل ويزيد من راحة الحجاج.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
أما تجارب الواقع الافتراضي، فقد كانت حاضرة أيضاً -وبشكل لافت- خلال تنظيم الموسم في السنوات الأخيرة، حيث قدمت وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد تطبيقات تعتمد على تقنية الواقع الافتراضي ثلاثي الأبعاد، لتعليم مناسك الحج والعمرة للحجاج قبل قدومهم إلى المملكة، وتتيح هذه التقنية للحاج التفاعل مع بيئة تحاكي الواقع، ما يساعد في تقليل الأخطاء أثناء أداء المناسك، وبالتالي فمن المتوقع أن تصبح هذه التطبيقات أكثر تفاعلية بحلول عام 2030، وتقدم تجارب مخصصة لكل حاج بناءً على لغته وثقافته.
حج بالذكاء الاصطناعي
لكون السعودية واحدة من أكثر بلدان العالم خبرة في علم إدارة الحشود، فقد حرصت على أن تدمج -مبكراً- التقنيات الحديثة في الممارسات العملية لهذا العلم، لذا فقد توسعت السعودية في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في التعامل معها، حيث تم حالياً تحليل البيانات الضخمة لتوجيه حركة الحجاج ومنع التكدس في مناطق معينة، ما أسهم في تقليل المخاطر، كما لجأت -في السنوات الأخيرة- لاستخدام الروبوتات الذكية لتقديم الإرشادات، والرد على استفسارات الحجاج بلغات عدة، وتوفير الخدمات الطبية الأساسية، لذا لا نستبعد أن يشهد موسم حج عام 2030 تطوراً كبيراً -في هذه التقنيات- لتشمل مراقبة الحالة الصحية للحجاج بشكل لحظي، وتقديم تنبيهات فورية في حال وجود أي مؤشرات صحية مقلقة.
الحلول الذكية كانت حاضرة بقوة أيضاً في تقديم حلول ذكية لإدارة النفايات، في ظل تزايد أعداد الحجاج، حيث تم تطوير نظام إدارة نفايات ذكي يستخدم الإنترنت للأشياء والذكاء الاصطناعي لمراقبة مستويات النفايات في الحاويات، وإرسال تنبيهات عند امتلائها، ما يسهم في الحفاظ على نظافة المشاعر المقدسة وتقليل الأثر البيئي.
ونظراً لارتفاع درجات الحرارة خلال موسم الحج في السنوات الماضية، قامت السلطات السعودية بتوسيع المساحات المظللة، وتوفير وحدات تبريد، واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لمراقبة درجات الحرارة وتوجيه الحجاج إلى المناطق الأكثر برودة، وفي المستقبل، قد يتم تطوير تقنيات تبريد متنقلة، تستخدم في مواقع التجمعات الكبيرة، لضمان راحة الحجاج وسلامتهم.
درونز تؤمّن سماء الحرم
في المستقبل القريب أيضاً، يُتوقع أن تشهد مواسم الحج نقلة نوعية في الترتيبات الأمنية، مع توسع وزارة الداخلية السعودية في استخدام تقنيات المراقبة الذكية لتأمين الملايين من الحجاج بكفاءة غير مسبوقة، حيث ستلعب الطائرات دون طيار (الدرونز) دوراً محورياً في رصد حركة الحشود في الوقت الفعلي، مع قدرتها على تغطية مساحات واسعة بسرعة فائقة، وتزويد غرف القيادة والسيطرة بصور مباشرة تساعد على اتخاذ قرارات فورية لتفادي الازدحام أو معالجة أي طارئ أمني أو صحي، وكذلك متابعة المتسللين أو المخالفين، وستتصل هذه الدرونز بمنصات بيانات مركزية تحلل أنماط الحركة باستخدام الذكاء الاصطناعي، لرصد أي سلوك غير اعتيادي أو مناطق قد تشهد تكدُّساً.
إلى جانب ذلك، يتوقع أن تتوسع الوزارة في الاعتماد على تقنيات التعرف على الوجه، وكاميرات المراقبة فائقة الدقة، التي ستوزع بشكل استراتيجي في المشاعر المقدسة، لتأمين مداخل الحرم والمرافق الحيوية، والتحقق من التصاريح الرقمية للحجاج، وستساعد هذه التقنيات رجال الأمن على التدخل الاستباقي قبل وقوع أي مشكلة، مع توجيه الأوامر عبر شبكات اتصال عالية السرعة ومنصات موحدة للعمليات الميدانية.
ومع تطور نظام المدن الذكية في مكة والمشاعر، ستصبح كل شاحنة نقل، وكل نقطة تفتيش، وكل بوابة إلكترونية، جزءاً من منظومة رقمية متكاملة تديرها غرف عمليات تعمل على مدار الساعة، ما يضمن حجاً آمناً وسلساً، يجمع بين الحماية الكاملة والراحة التامة لضيوف الرحمن.
حج بلا مشاق
بناءً على كل هذه المؤشرات، فإن كثيراً من التحديات التي كانت تعَد جزءاً لا يتجزأ من تجربة الحج، ستصبح شيئاً من الماضي خلال السنوات القليلة المقبلة، فلن يكون فقدان الطريق هاجساً يؤرّق الحجاج، ولن يكون الزحام عائقاً أمام السكينة، ولا حرارة الشمس سبباً للإنهاك؛ سوف يتنقل الحجاج بسلاسة، ويؤدون المناسك بطمأنينة، وسط منظومة ذكية تتنبأ باحتياجاتهم قبل أن يفصحوا عنها، وتستجيب لحالاتهم الصحية لحظياً، وترشدهم بلغاتهم في كل مكان وفي كل وقت، سيكون حج 2030 شاهداً على كيف استطاعت التقنية -حين اجتمعت مع الإيمان والإرادة- أن ترتقي بتجربة الإنسان إلى مستويات لم نكن نتخيلها يوماً.