{{ article.article_title }}

{{ article.image_path && article.image_path.media_type !== '6' ? article.image_path.image_caption : '' }}
{{ article.image_path && article.image_path.media_type !== '6' ? article.image_path.image_caption : '' }}
author image clock

{{ article.author_name }}

{{ article.author_info.author_description }}

الجذور التاريخية

عندما انتقلت الأرض من العصر الجليدي إلى عصر الهولوسين (الدفيء) قبل نحو 12 ألف عام، تحوّلت الجزيرة العربية تدريجياً من جنة خضراء إلى صحراء (وتُشكل السعودية 80% من الجزيرة)؛ ما دفع جزءاً كبيراً من سكانها للهجرة شمالاً إلى الهلال الخصيب، حيث الأنهار والوفرة والحياة الرغيدة، إلا أن الجزيرة استمرت وطناً لأبنائها الذين تكيفوا مع شحّ الموارد، فيما عدا الواحات، علماً بأنها ظلّت حاضرة أيضاً في وجدان أبنائها المهاجرين كما يظهر في أدبياتهم التي خلدت تجارتهم فيها وارتباطهم بها وزياراتهم الدينية إليها.

شرايين تنبض بالتجارة

لعبت الجزيرة دوراً محورياً في التبادل التجاري بفضل موقعها الذي يتوسط العالم القديم ويربط آسيا وأفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط، كما أن إطلالة شبه الجزيرة العربية من جهاتها الثلاث على البحار والمضائق المهمة جعلت سكانها سادة التجارة البحرية وصناعة السفن واستخراج اللؤلؤ، ورغم وعورة الصحراء أصبحت الجزيرة نقطة وصل للتبادل التجاري، فلقد استثمر سكان الجزيرة موقعها الاستراتيجي وما يملكون من الجِمَال (سفينة الصحراء) فكانوا سادة النقل البري التجاري عبرها ؛ ما حوّلها إلى حاضنة لشبكة طرق فأصبحت شرايين تنبض بالقوافل التجارية.

إنسان الجزيرة

من جهتها تفاعلت الصحراء أيضاً مع سكانها، وصقلت شخصياتهم وأكسبتهم سمات فريدة أصبحت جزءاً من هويتهم، منها على سبيل المثال الكرم، الوفاء، الصبر، والأَنَفَة وغيرها الكثير.

وقد أبهرت سمات إنسان الجزيرة المؤرخ الإغريقي هيرودت (أبو التاريخ) الذي سجّل في تاريخه إعجابه بوفاء العرب بالعهود والمواثيق، كما سجل أيضاً إعجابه بقوتهم القبلية، رغم عدم وجود سلطة مركزية تحكمهم وتوحدهم، حيث كان الحكم في الجزيرة حينذاك يمكن أن يطلق عليه نظام دويلات المدن.

غرب الجزيرة

إن وجود الكعبة المشرفة كمركز ديني هو الأعظم والأقدم في تاريخ البشرية رغم وعورة أرضها وشح مواردها جعل الجزيرة وجهة للزوار من مختلف أنحاء العالم، لقد اشتهرت قبيلة قريش بتجارتها المستمرة طوال العام التي أغنتهم رغم شح الموارد فأَلِفوا النعمة، قال تعالى) لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)، وثراء قبيلة قريش دفعهم للعناية بضيوف بيت الله الحرام وقسموا المهام على فروع القبيلة لخدمة البيت وضيوفه، ويمكنني اعتبار ذلك جذور صناعة الضيافة السعودية.

شرق الجزيرة

في شرق الجزيرة واحات عديدة غنية بالمياه والزراعة أكبرها واحة الأحساء التي كانت وما زالت أكبر الواحات عالمياً، مما جعلها منطقة جذب واستقرار وحضارة منذ القِدَم، وقد شكل ميناؤها العقير وما جاوره مركزاً حيوياً للتبادل التجاري الدولي ربط آسيا بحوض البحر الأبيض المتوسط عبر الجزيرة، ومن جهة أخرى فقد كانت المنطقة موطناً لحضارة دلمون الشهيرة التي تغنت بها أدبيات سومر وبابل وكانوا يقدسونها باعتبارها جنة جدّهم الأول وأنها بيت الآلهة، كما كتب مؤرخو الإغريق أيضاً قبل الميلاد عن حقبة دلمون وحقبة الجرهاء ووصفوها بأنها بلد الازدهار والنماء ومصدر الثروة والتجارة، وكثيرة هي المصادر الكلاسيكية التي أسهبت في وصف الترابط الوثيق بين الجزيرة العربية والعالم القديم تجارياً وثقافيا منذ آلاف السنين، فالثراء والتجارة والاستقرار والتحضر هي جذور صناعة الضيافة في شرق السعودية.

السياحة السعودية المعاصرة

تشهد السعودية اليوم نهضة سياحية غير مسبوقة مدفوعة برؤية السعودية 2030 التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل، وقد اعتمدت الرؤية السياحة محركاً رئيساً للتنمية الاقتصادية؛ ما فتح المجال واسعاً لاستثمار موارد المملكة الطبيعية، والاقتصادية، والثقافية، والبشرية لتأسيس صناعة سياحة احترافية مدعومة ببنية تحتية وفوقية حديثة، إضافة إلى برامج تنموية، منها برنامج جودة الحياة وبرنامج السعودية الخضراء، إضافة إلى برامج كثيرة كتطوير منظومة الرياضة بمختلف مجالاتها واستضافة الفعاليات الرياضية العالمية مثل كأس العالم لكرة القدم والرياضات الشتوية والفورميلا وبطولات الرياضات الإلكترونية وغير ذلك من البطولات العالمية المختلفة، كما تبنى صندوق الاستثمارات العامة تحويل الأندية السعودية إلى شركات، فأصبحت المملكة وجهة للاحتراف الرياضي، وتعمل وزارة الرياضة ليكون الدوري السعودي للمحترفين لكرة القدم واحداً من أفضل 5 دوريات على مستوى العالم، وكذلك المواسم السياحية مثل موسم الرياض، وجدة، والشرقية، واستضافة معرض إكسبو العالمي وغير ذلك من الأحداث الكبرى.

صندوق الاستثمارات العامة

لتحقيق مستهدفات الرؤية حوّل الصندوق تركيزه من الاستثمار الخارجي إلى الاستثمار الداخلي بنسبة قريبة من 80% من استثماراته في الشركات السعودية كما أنشأ منظومة كبيرة من الشركات في مختلف القطاعات المستهدفة لتسريع نموها، وبناءً عليه أطلق صندوق الاستثمارات العامة في مجال السياحة منظومة شركات سياحية كبرى مثل نيوم، والقدية، وأمالا، والبحر الأحمر، وكروز السعودية، ودان، وداون تاون، وسفن، وأسفار... بالإضافة إلى استثمارات القطاع الخاص والمستثمرين الأجانب، الذين قُدّمت لهم حِزَم تحفيزية مشجعة للاستثمار خصوصاً في الوجهات السياحية الناشئة.

النقل

شهد قطاع النقل تطوراً مواكباً للتطور في صناعة السياحة، كما واكب ذلك إطلاق طيران الرياض، وتحديث الخطوط الجوية السعودية وطيران ناس وطيران أديل، فضلاً عن فَتح المجال للطيران الإقليمي والدولي للعمل بالسعودية، هذا إضافة إلى مشاريع تطوير الطرق السريعة وشبكات القطارات المترو ما نُفِذ منها وما هو تحت التنفيذ، ومشروع الربط الخليجي بالقطارات الذي يجري عليه العمل حالياً.

السياحة في ظل الرؤية

على الرغم من أن الرؤية في بدايتها استهدفت جذب 100 مليون سائح سنوياً بحلول 2030، فإنّ الإنجاز تجاوز هذا الرقم في 2023، حيث تم استقبال أكثر من 109 ملايين سائح، فتم رفع المستهدف إلى 150 مليون سائح سنوياً بحلول 2030، وقد أسهم في تحقيق هذا الإنجاز تسهيل التأشيرات الإلكترونية، ويجري العمل على إطلاق الشنغن الخليجي لتسهيل حركة السياح بين دول المجلس.

ميزة نسبية سعودية

أعلنت منظمة السياحة العالمية أن 40% من السياح في عام 2023 سافروا لدوافع ثقافية، و20% منهم سافروا لدوافع بيئية.

هذه الإحصائية بمثابة إعلان فرصة كبيرة للسعودية لاستثمار مواردها الثقافية والبيئية المتنوعة والغنية مجتمعات كثيرة متنوعة الثقافة في "القارّة السعودية" -إن جاز التعبير- إضافة إلى تنوع بيئي غني: شواطئ، صحاري، غابات، واحات، جبال وكهوف، 2,500 بركان خامل، جزر ووو، كما تضم المملكة أقوى وجهة سياحة دينية عالمياً، وهي مسرح التاريخ الإسلامي وسِير الأنبياء.

السعودية عام 2025

يُتوقع هذا العام أن يستمر نمو قطاع السفر والسياحة بوتيرة سريعة ويُتوقع أن تصل مساهمته بالناتج المحلي الإجمالي إلى 498 مليار ريال سعودي، وستزداد الوظائف بأكثر من 158000 وظيفة لتصل إلى ما يقرب من 2.7 مليون وظيفة.

ومن المتوقع أيضاً أن يصل إنفاق الزوار الدوليين إلى 256 مليار ريال سعودي، والزوار المحليين إلى 155.2 مليار ريال سعودي.

آفاق سياحية سعودية

تتمتع السعودية بمنظومة من المقومات التي تؤهلها لتكون وجهة سياحية مستدامة ذات طابع فريد، فهي تجمع بين الأصالة والحداثة، وإرث ثقافي وبيئي غزير ومتنوع، ولأن السياحة بطبيعتها صناعة خدمات فإن الإنسان هو ركنها الرئيس، وهنا تضاف ميزة نسبية أخرى للسياحة السعودية وهي أن شعبها مضياف وغالبيتهم من فئة الشباب المتعلمين في أرقى جامعات العالم ويتميزون بالتمسك بالهوية والقيم وفي الوقت نفسه هم منفتحون على الثقافة العالمية، ومن جهة أخرى يقبلون على العمل في كل القطاعات وقد أثبتوا جدارتهم في الخدمات السياحية أيضاً.

السياحة السعودية مزيج أصالة وتنوع

تتمتع المملكة العربية السعودية بمقومات استثنائية تجعلها في طليعة الوجهات السياحية العالمية الواعدة، حيث من النادر أن تجتمع في وجهة سياحية واحدة منظومة فريدة من الأنماط السياحية التي تشمل السياحة الدينية والثقافية والبيئية، إلى جانب سياحة المغامرات، والترفيه، والتسوق، والمؤتمرات والمعارض الدولية وغير ذلك.. هذا التنوع الثري والمتميز يشكل ركيزة قوية لجذب السياح من مختلف أنحاء العالم، ويجعل تجربتهم السياحية في المملكة رحلة استثنائية لا تُنسى.

ختاماً

يبقى الأمل معقوداً على جهودنا كعاملين في صناعة السياحة، للحفاظ على هذا التنوع الثري وتنميته وتسويقه بأسلوب مبتكر يليق بمكانة المملكة، هذا الثراء والتنوع ليس مجرد عنصر جذب بل هو سرّ التميز الذي يجعل من السعودية وجهة لا تضاهى، وفي تقديري المتواضع وبعد هذه الجولة السريعة التي نقلتنا من الجذور العريقة إلى الآفاق المستقبلية الواعدة، يمكنني القول بثقة أن المملكة العربية السعودية ليست وجهة سياحية تقليدية، بل هي تجربة متكاملة تمزج بين الأصالة العريقة والحداثة المتجددة، تجربة تستحق أن يعيشها كل من يبحث عن العمق الثقافي، والثراء الإنساني، والجمال الطبيعي الذي لا يُضاهى.

السعودية.. حيث الماضي العريق يلتقي بحاضر متجدد لصناعة مستقبل سياحي عالمي.

تم إعداد هذه المقالة لصالح CNN الاقتصادية، والآراء الواردة فيها تُمثّل آراء الكاتب فقط ولا تعكس أو تمثّل بأي شكلٍ من الأشكال آراء أو وجهات نظر أو مواقف شبكة CNN الاقتصادية.