ملفات الطاقة بين الوعود الانتخابية والحلول العملية

ملفات الطاقة بين الوعود الانتخابية والحلول العملية
عبدالعزيز المقبل clock

عبدالعزيز المقبل

مستشار شؤون الطاقة

أيام قليلة تفصلنا عن مغادرة الإدارة الأميركية الحالية بقيادة الرئيس جو بايدن ووصول الرئيس السابق دونالد ترامب مرة أخرى.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

أوساط قطاع الطاقة تترقب عودة الرئيس ترامب بناء على الوعود الانتخابية التي أطلقها خلال حملته الانتخابية خصوصاً في ما يتعلق بصناعة النفط والغاز وإطلاق العنان للحفر بلا قيود وخفض أسعار الوقود.

لم تقتصر الوعود على صناعة النفط والغاز، بل امتدت إلى قطاع الطاقة المتجددة وجدوى الاقتصاد الأميركي من مشاريع الطاقة البديلة.. لربما كانت هذه الوعود أداة انتخابية جيدة، إلّا أن تنفيذها لن يقتصر على رغبة البيت الأبيض من عدمه، بل يمتد إلى الجوانب التشريعية والتطبيقية في أروقة المال والأعمال والاستثمارات المرصودة والالتزامات التي قطعتها الحكومة الأميركية.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

سيكون على رأس قائمة أولويات الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحديد سياسات الولايات المتحدة الأميركية الاقتصادية الكبرى وكيف تتداخل مع ملفات الطاقة، ذلك أن ملفات الطاقة متداخلة مع السياسة الاقتصادية الكبرى للولايات المتحدة الأميركية خصوصاً ما يخص موضوع خفض التضخم ومواضيع التعرفة على منتجات الصين الواردة إلى الولايات المتحدة وأثر ذلك في تضخم أسعار السلع، وبالتالي التأثير على الوظائف، ثم بشكل غير مباشر الحد من الطلب على الطاقة إذا قررت الصين خفض ناتجها التصنيعي؛ فمحركات التضخم في الاقتصاد الأميركي حالياً تتمثل في تكلفة القوى العاملة وضرائب الخدمات وأسعار السلع وتكاليف التمويل في ظل ارتفاع نسب الفوائد البنكية.. كل هذه الملفات المتداخلة تضع التعامل مع ملفات الطاقة في موضع حساس جداً لما له من تبعات.

وبالرجوع إلى نتائج الانتخابات الأميركية نجد أن الفوز لم يقتصر على كرسي الرئاسة والإدارة التنفيذية فحسب، فقد ضَمِن الحزب الجمهوري مجلسي الشيوخ والكونغرس، حتى وإن كان الفوز في الكونغرس بأغلبية ضئيلة إلّا أن ذلك يعطي مؤشرات بأن الرئيس الأميركي ستكون مهمته في تغيير سياسات الطاقة معتمدة على الأدوار التشريعية خصوصاً في الملفات الكبرى التي تتطلب الموافقة التشريعية ولا يمكن تفعيلها بالإدارة الرئاسية وصلاحياتها المقتصرة على الإدارة التنفيذية.

قانون خفض التضخم.. إلى متى؟

على رأس الملفات التشريعية في أولويات الرئيس ترامب هو قانون خفض التضخم الذي لربما اكتسب تسمية مقترنة بالاقتصاد إلّا أنه قانون مكرس لتناول ملفات الطاقة المتجددة.. يمثل قانون خفض التضخم أكبر تشريع أميركي في العصر الحديث متعلق بالمناخ والطاقة تم تمريره وإقراره من الحزبين مجتمعين على الإطلاق في الولايات المتحدة، كما تم لذلك القانون تخصيص ميزانية هائلة تقدر بـ369 مليار دولار مخصصة لتناول أحكام المناخ والطاقة النظيفة التي تغطي قطاعات بما في ذلك الطاقة التقليدية والطاقة المتجددة والطاقة النووية ومشاريع الشبكة الكهربائية والنقل بجميع أنواعه (المركبات والطائرات) والهيدروجين ومشاريع احتجاز الكربون ومشاريع التقاط الانبعاثات.

التحدي الأكبر الذي سيواجه الرئيس ترامب هو في النواحي التشريعية بعد أن اكتسب المشروع الصبغة القانونية فأصبح قانوناً بدلاً من مشروع، كقانون لا يمكن إلغاء قانون خفض التضخم إلّا من خلال إعادة تمرير مشروع من خلال تلويح صادر عن الكونغرس، ولا يمكن إلغاؤه رسمياً بالكامل نظراً للأغلبية الضئيلة للحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ؛ لذلك فإن من المرجح لجوء الكونغرس إلى عملية إعادة التخصيص للميزانية كبديل للإعادة القانونية شبه المستحيلة، فعملية التخصيص للميزانية لا تتطلب أغلبية كاسحة بل تتطلب أغلبية بسيطة فقط، بالإضافة إلى ذلك، يمكن للكونغرس استخدام قانون المراجعة الخاصة بالكونغرس لإلغاء التوجيهات الصادرة مؤخراً من وزارة الخزانة وخدمة الإيرادات الداخلية بشأن الحوافز الضريبية لقانون خفض التضخم.. كل ذلك سيكون عملية بطيئة تتطلب الكثير من الجلسات والنقاشات والسجالات القانونية قبل إحداث أي تغيير.

ومن ضمن التحديات المتوقعة في الفترة القادمة هو ربط المؤسسات الحكومية بالتغيرات المتوقعة، فعلى سبيل المثال سيكون لوزارة الداخلية الأميركية ممثلة بمكتب مفوضية الأراضي الحكومية مسؤولية إعادة تشريعات منح الفسوحات لشركات الاستكشاف والإنتاج النفطي وهو مما يتطلب أيضاً إعادة معايير انبعاثات الغازات (ممثل الميثان) خلال عملية الإنتاج البترولي، علماً بأن ذلك من اختصاص مكتب وكالة الحماية البيئية لرفع الكميات المسموح بها ومراقبة عملية الحرق للغازات خلال عملية الإنتاج.

هذه التداخلات التنظيمية تفرض إعادة صياغة المنظومة ككل بين مؤسسات الدولة.. هذه التنظيمات ليست مقتصرة على المؤسسات الحكومية وشركات الإنتاج، بل إنها تتداخل حتى مع الأسواق والمستهلك مثل اعادة صياغة تنظيمات انبعاثات عوادم السيارات ومولدات الكهرباء العاملة بالغاز والنفط ومشتقاتهما.

ما الذي يعنيه انسحاب ترامب من اتفاقيات المناخ؟

أمّا ما يخص ملفات المناخ والاتفاقيات الدولية فمن المتوقع أن ينسحب الرئيس ترامب مرة أخرى من اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ، وقد ينسحب أيضاً من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)؛ ما يؤدي إلى تحول كبير في طبيعة مفاوضات المناخ، وهو ما قد يجعل التقدم في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين القادم (COP29) محدوداً جدا بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية.

في الواقع فإن إدارة الرئيس بايدن جعلت من ملفات المناخ وتحولات الطاقة مادة أساسية في علاقاتها الجيوسياسية والدولية، وهذا ما قد يجعل ملف المناخ خارج أدوات التأثير الدولي في حال قام الرئيس ترامب بالانسحاب منها.

التساؤل الأكبر هو: هل سيؤدي ذلك إلى تآكل الثقة بين الولايات المتحدة والدول النامية؟ وهل ستستغل دول أخرى مثل الصين وروسيا هذه الفجوة؟

العلاقة القادمة بين الرئيس الأميركي وصناعة الطاقة ليست بالبساطة التي رافقت الحملة الانتخابية ووعود تحفيز شركات النفط والغاز ووعود خفض أسعار موارد الطاقة، فالكثير من الملفات المقتصرة بالشأن الداخلي الأميركي بين رغبة الصناعة النفطية بالنهوض ووعود الانتخابات بخفض الأسعار وهو ما سيجعل مهام التنفيذ شديدة الحساسية تجاه المتغيرات في الداخل، ناهيك عن تداخل أسواق الطاقة بالمتغيرات الدولية جيوسياسياً كما في الملف الروسي الأوكراني.

تم إعداد هذه المقالة لصالح CNN الاقتصادية، والآراء الواردة فيها تمثل آراء الكاتب فقط ولا تعكس أو تمثل بأي شكل من الأشكال آراء أو وجهات نظر أو مواقف شبكة CNN الاقتصادية.