"ساكسو بنك": تأثير سياسات ترامب الجديدة ترسم المشهد الاقتصادي في 2025

shutterstock_2114983049
"ساكسو بنك": تأثير سياسات ترامب الجديدة ترسم المشهد الاقتصادي في 2025
shutterstock_2114983049

تُثير بداية الولاية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترامب تساؤلات عديدة حول قدرته على تنفيذ أجندته الطموحة التي تحمل وعوداً جريئة بإصلاحات اقتصادية وسياسية.

وكان إيلون ماسك الرئيس المشارك في لإدارة الكفاءة الحكومية DOGE قد اعترف في مناقشة على منصة X، بأن تحقيق هدف تخفيض الإنفاق الفيدرالي إلى تريليوني دولار قد يكون طموحاً للغاية ولو أنه أفضل سيناريو ممكن. 

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

 ورغم سيطرة الجمهوريين على الكونغرس، فإن طريق تحقيق هذه الأهداف محفوف بالتحديات الهيكلية والسياسية على المستويين المحلي والدولي، برأي جون هاردي رئيس استراتيجيات الاقتصاد الكلي في ساكسو بنك، الذي قال إن الأسوق العالمية ستشهد حالة من الترقب وردود الفعل خلال الربع الأول من عام 2025 لحين اتضاح تأثيرات سياسة ترامب الجديدة ومبادرات ترامب وأبرزها الإصلاحات الضريبية وتخفيف القوانيين والسياسات المالية.  والتي برأيه لن تتبلور بالكامل إلّا في السنة المالية 2026.

التحديات الاقتصادية: وعود طموحة بموارد محدودة

وأضاف هاردي، "تسعى أجندة ترامب إلى إعادة التصنيع داخل الولايات المتحدة لاسترجاع الوظائف الصناعية وتعزيز الأمن القومي، خاصة في سلاسل التوريد الحيوية التي أبرزت الجائحة أهميتها. وفي الوقت نفسه، يهدف إلى معالجة العجز التجاري والمالي الضخم، وتقليل الدين الوطني المتزايد، مع الحفاظ على التضخم عند مستويات منخفضة دون إحداث أزمات في الأسواق. لكن هذه الأهداف تحمل تناقضات جوهرية، ما لم يحدث نمو استثنائي في الإنتاجية والناتج المحلي الإجمالي.

ويراهن ترامب على أن النمو الاقتصادي وزيادة الرسوم الجمركية سيسهمان في تحقيق هذه الأهداف.

وفي المقابل، بدأت الأسواق الأميركية بإظهار حذرها من أجندة ترامب الجديدة، التي تشمل تخفيض العجز المالي والنمو الاقتصادي بنسبة 3%، في وقت تعاني فيه الولايات المتحدة عجزاً تجارياً ومالياً متضخماً. وبينما وعد سكوت بيسنت، المرشح لمنصب وزير الخزانة، بخطة "3-3-3"، إلّا أن الخبراء يرون أن تحقيق هذه الأهداف دون تضييقات مالية شديدة يبدو شبه مستحيل وفق هاردي.

سوق الأسهم

وأفاد هاردي بأنه مقابل الأداء الجيد للأسهم واستجابة السوق التفاؤلية إثر إعلان فوز ترامب والمشابهة لتلك التي أعقبت انتخابات عام 2016، حيث ارتفع الدولار الأميركي بشكل ملحوظ، وقفزت العوائد الأميركية، وحققت الأسهم الأميركية مكاسب واسعة، إلّا أنه مع نهاية العام الماضي، ورغم استمرار قوة الدولار والعوائد الأميركية، شهدت الأسواق بعض التراجع، حيث سجّل مؤشر ستاندرد آند بورز 500 ذو الوزن المتساوي انخفاضاً بنحو 2% مقارنة بمستويات يوم الانتخابات.

يُعزى ذلك إلى التناقضات الكثيرة وعدم اليقين المرتبط بأجندة ترامب 2.0، ما جعل الأسواق مترددة في القفز إلى استنتاجات.

وشرح أنه رغم الأداء الاستثنائي للأسهم العالمية في 2024، التي كانت المحرك الرئيسي لها هي الأسهم الأميركية، حيث تمثل الأخيرة نحو 70% من مؤشر MSCI World، فقد أصبح هذا المؤشر شديد التركيز على الأسهم الأميركية الكبرى، حيث تشكّل أكبر 20 شركة أميركية نحو 40% من المؤشر، كما أن الدولار القوي حد من مكاسب الأسواق الناشئة فيما كانت أوروبا الأضعف أداءً، رغم الأداء المقبول لمؤشر MSCI Europe عند احتسابه باليورو.

سوق السندات: أعباء الديون تتفاقم

ورأى هاردي أن ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأميركية يشير إلى ضغط متزايد على الاقتصاد الأميركي، حيث يُتوقع أن تبلغ تكلفة خدمة الدين العام تريليون دولار بحلول نهاية 2025 مقارنة بأقل من 900 مليار دولار في 2024 و650 مليار دولار في 2023.. هذا الوضع يُلقي بظلاله على قدرة الإدارة الأميركية في جذب المستثمرين دون تقديم تنازلات قد تؤثّر في النمو الاقتصادي.

وتساءل هاردي حول إمكانية سوق السندات الأميركية تحمل الأعباء دون تدخل في ظل الزيادة الكبيرة المتوقعة في إصدار السندات وارتفاع تكلفة خدمة الدين العام الأميركي، التي يُدفع جزء كبير منها لأجانب غير خاضعين للضرائب على دخلهم من هذه السندات.

ويتمثل السيناريو الوحيد وفق هاردي، للحد من عوائد سندات الخزانة طويلة الأجل عبر قوى السوق العضوية قد يكون ركوداً اقتصادياً حاداً ناتجاً عن تخفيضات كبيرة في الإنفاق المالي، مصحوباً بهروب من الأصول الخطرة. ومع ذلك، فإن مثل هذا الركود سيزيد من سوء العجز ومسار الديون، ما سيؤدي حتماً إلى مزيج جديد من التيسير الكمي من الفيدرالي وتحفيز مالي إلزامي سياسياً. في كل الأحوال، يتطلب الأمر على المدى المتوسط والطويل أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي بمعدل أسرع من متوسط سعر الفائدة الذي تصدر به الخزانة الأميركية سنداتها.

فرصة أمْ أعباء

تشكّل العلاقات الأميركية-الصينية تحدياً كبيراً في أجندة ترامب.. فرغم سعيه لإعادة تشكيل العلاقة الاقتصادية مع الصين من خلال فرض رسوم جمركية وإجراءات عقابية، فإن الحاجة إلى التعاون في مجالات التجارة والذكاء الاصطناعي تُبقي الباب مفتوحاً أمام المفاوضات، ما يضعه في موقف حساس بين إرضاء ناخبيه وتحقيق أهدافه الدولية على حد قول هاردي.

فيما تعاني أوروبا من مشكلات اقتصادية وسياسية مزمنة، تُعتبر استراتيجيات ترامب فرصة لتعزيز الضغط على الاتحاد الأوروبي، لا سيما في ظل التحديات التي تواجهها فرنسا وألمانيا. ومع ذلك، فإن التعقيدات الهيكلية والسياسية في أوروبا قد تجعل من الصعب تحقيق شراكات فعّالة تلبي تطلعات ترامب.

وأفاد هاردي بأن احتمالات التدهور بالنسبة للقوتين الرئيسيتين في منطقة اليورو، فرنسا وألمانيا، فإن التحديات قائمة حيث تظل فرنسا الحلقة الأضعف في منطقة اليورو، والتوقعات تشير إلى استمرار حالة "التعايش مع الأزمات" بسبب مشكلاتها السياسية المزمنة وديناميكيات الديون الصعبة.. المخاوف بشأن الاستقرار المالي الفرنسي تفاقمت مع بداية 2025، حيث تجاوزت عوائد السندات الفرنسية لعشر سنوات نظيرتها اليونانية لأول مرة في التاريخ.

وتبدو ألمانيا في وضع مختلف مع انتخابات 23 فبراير القادمة، حيث قد توفر القيادة الجديدة فرصة لتحسين الأداء الاقتصادي وبظل مواجهتها تحديات هيكلية، أبرزها نقص الاستثمار في البنية التحتية الرقمية والصناعية، واعتمادها الكبير على الصناعات الثقيلة التي تواجه منافسة شرسة من الصين وارتفاع تكاليف الطاقة بعد فقدان الغاز الروسي الرخيص.. لتحقيق الانتعاش، تحتاج ألمانيا إلى تعزيز الإنتاجية، تحرير اللوائح، وزيادة الاستثمار في الابتكار. ومع ذلك، قد تكون العودة الألمانية بطيئة في مراحلها الأولى.

وقال هاردي إن التحليلات تشير إلى أن ترامب يواجه معضلة حقيقية في تنفيذ وعوده الانتخابية، حيث تتطلب هذه الأجندة نمواً اقتصادياً استثنائياً لا يبدو قريب المنال، وسط أعباء ديون متزايدة وتحديات جيوسياسية معقدة.