سيغادر الرئيس الأميركي جو بايدن البيت الأبيض تاركاً اقتصاداً قوياً ومكاسب تاريخية في سوق العمل وأساساً صلباً لنمو التصنيع في المستقبل، وهذا بعد أن نجح في خفض أعلى معدل تضخم في أربعة عقود دون التسبب في ركود.
ولكن سيشمل إرثه أيضاً ارتفاع الدين الوطني وعجزاً تجارياً أعلى وتكاليف مرتفعة للإسكان والرعاية الصحية والتعليم العالي ورعاية الأطفال.
يقول أندرياس هاوسكريخت، أستاذ الاقتصاد التجاري والسياسة العامة في كلية كيلي للأعمال بجامعة إنديانا، «إن الدين الوطني البالغ 36 تريليون دولار يشكّل عبئاً كبيراً على النمو الاقتصادي في المستقبل، وعبئاً كبيراً على رفاهية أطفالنا وأحفادنا، لأنه سيف كبير معلق فوق رؤوسهم، وفي هذا الصدد، فإن تقييمي لإدارة بايدن أنها إدارة فشلت في إدارة مسؤوليتها المالية».
وفي حين يتفق معظم خبراء الاقتصاد على أن بايدن لم يكن مسؤولاً عن التضخم، فإن موجة الأسعار المرتفعة التي استمرت سنوات ضربت الأميركيين بشدة، وفي النهاية ألقت بسحابة كثيفة على فترة بايدن.
الوظائف
لا يمكن وصف سوق العمل خلال إدارة بايدن إلّا بالتاريخي.
بنهاية شهر ديسمبر يكون الاقتصاد الأميركي قد أضاف (صافي موجب) من الوظائف لمدة 48 شهراً متتالياً، وبهذا يكون أول رئيس أميركي يحقق نمواً في التوظيف طوال فترة رئاسته.
وتسبب ارتفاع معدلات الهجرة في السنوات الأخيرة إلى المساهمة في زيادة الإنتاجية وتخفيف الانحدار الهيكلي في معدلات مساهمة العمال المولودين في البلاد، وحدث هذا الانحدار بسبب انخفاض معدلات المواليد.
البطالة
وصل معدل البطالة إلى أدنى مستوى له منذ ما يقرب من 54 عاماً عند 3.4 في المئة في يناير 2023، ولكي نكون منصفين فقد وصل معدل البطالة في البلاد إلى أدنى مستوى له منذ نصف قرن عند 3.5 في المئة خلال إدارة ترامب الأولى؛ ولكن عندما تولى بايدن منصبه كان معدل البطالة 6.8 في المئة.
كما أظهرت بيانات مكتب إحصاءات العمل أن معدل البطالة بين المواطنين من أصول إفريقية بلغ أدنى مستوى له على الإطلاق عند 4.8 في المئة في أبريل 2023".
الناتج والإنفاق
وفقاً لأحدث البيانات المتاحة من وزارة التجارة، توسع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بمعدل سنوي بلغ 3.1 في المئة خلال الربع الثالث من العام الماضي.
وما أبعد الاقتصاد عن الركود هو الإنفاق الاستهلاكي القوي بمساعدة سوق العمل القوية، وتدفق ثابت من مكاسب الأجور الأقوى من المعتاد.
نمت الأجور بمعدل أسرع من التضخم لمدة 19 شهراً متتالية في عهد بايدن، وارتفعت ديون الأسر ولكن أيضاً الدخول ارتفعت، ومع ذلك كان عدد المستهلكين المتخلفين عن سداد بطاقات الائتمان وقروض السيارات في ارتفاع خلال العام الماضي، وهو مؤشر على أن الأميركيين يعانون ضغوطاً متزايدة.
تكلفة المعيشة
كان التضخم المرتفع بمثابة الكارثة بالنسبة لبايدن، ونوبة التضخم المرتفع التي كانت حدثاً يحدث مرة واحدة في الجيل نتجت عن جائحة تحدث مرة واحدة في القرن، وليس من العدل أن يتحمل بايدن اللوم الكامل.
مع ذلك يرى بعض خبراء الاقتصاد البارزين أن الحزم المالية الضخمة التي أقرها ترامب وبايدن غذّت الطلب، وبالتالي غذّت التضخم.
مهما كان السبب فقد أصبحت أسعار السلع والخدمات التي يتم شراؤها بشكل شائع أعلى بنسبة 20.5 في المئة مما كانت عليه في بداية عهد بايدن، وفقاً لبيانات مؤشر أسعار المستهلك، وهذا أعلى معدل ارتفاع منذ 1983.
ولمواجهة الأسعار المرتفعة اتبع بنك الاحتياطي الفيدرالي واحدة من أكثر سياسات تشديد السياسة النقدية عدوانية في التاريخ الحديث، ما أدى إلى رفع أسعار الفائدة إلى أعلى مستوى لها منذ 23 عاماً.
الإسكان
أدّت أسعار الفائدة المرتفعة إلى تفاقم أزمة تكاليف الإسكان في الولايات المتحدة، وبلغ متوسط سعر بيع منزل الأسرة الواحدة 420 ألف دولار في الربع الثالث من عام 2024، وفقاً لبيانات التعداد السكاني، وهذا معدل أعلى بنسبة 18 في المئة مما كان عليه في الربع الأول من عام 2021.
وبلغ متوسط سعر الرهن العقاري القياسي الثابت لمدة 30 عاماً 7.04 في المئة الأسبوع الماضي، ومن المتوقع أن تظل أسعار الرهن العقاري عالقة فوق 6 في المئة خلال العامين المقبلين.
يُقدر العجز بين معروض المساكن والطلب بنحو 3.7 مليون وحدة، وقد أعلنت إدارة بايدن الأسبوع الماضي زيادة التمويل لبناء المزيد من المساكن بالإضافة إلى تعزيز حماية المستأجرين، ولكن الأزمة لم تنتهِ بعد.
البنية التحتية والطاقة والتصنيع
حجر الزاوية في إرث بايدن هو سلسلة من التشريعات المصممة لضخ التمويل في إعادة بناء البنية التحتية للبلاد، وزيادة قدرات إنتاج التكنولوجيا النظيفة، وتعزيز التصنيع المحلي في مجالات حيوية مثل إنتاج الرقائق.
وبلغت تكاليف تنفيذ خطة الإنقاذ الأميركية من آثار كوفيد 19، وقانون البنية التحتية، وقانون الرقائق والعلوم، وقانون الحد من التضخم، أكثر من 4 تريليونات دولار.
قال بيكر «لقد تجاوز بناء المصانع للتو سقف التوقعات، نحن نبني بمعدل ضعف ما كنا عليه قبل الوباء، وهو أمر لا يصدق، بعض هذه المصانع مفتوحة الآن، لكن البعض الآخر سيُفتتح على مدار هذا العام والعام المقبل، أنا متأكد من أن دونالد ترامب سيكون سعيداً جداً بنسب الفضل إلى نفسه، حتى إذا كانت إدارة بايدن هي التي بنت المصانع».
ارتفاع قياسي في وول ستريت
خلال عهد بايدن سجّلت الأسهم الأميركية مكاسب قوية، ما أدى إلى نمو حسابات التقاعد وتوفير عوائد كبيرة للمستثمرين، فمنذ تنصيب بايدن حقق مؤشر ستاندرد آند بورز 500 ارتفاعاً إجمالياً بلغ 63.77 في المئة.
ويُظهر التاريخ أن الأسواق غالباً ما تعمل بشكلٍ جيد في ظل الرؤساء الديمقراطيين، وقد ثبت أن هذا صحيح مرة أخرى خلال رئاسة بايدن.