هيمنت شركات صناعة السيارات الأجنبية على سوق السيارات في الصين لعقود من الزمن، إذ باعت ملايين المركبات وحصدت أرباحاً هائلة، والآن يقترب هذا العصر الذهبي من نهايته مع الصعود السريع لصانعي السيارات الكهربائية المحليين في الصين، مثل بي واي دي.
ظهرت أحدث علامة على التحديات الشديدة التي تواجه شركات صناعة السيارات التقليدية الأسبوع الماضي، عندما حذرت فولكس فاغن من أنها قد تغلق مصانعها في ألمانيا لأول مرة في تاريخها، في محاولة لخفض التكاليف، وحذّر الرئيس المالي، أرنو أنتليتز، من أن فولكس فاغن لديها «عام، وربما عامين» لتغيير الأمور، وقال إن شركة صناعة السيارات تبيع 500 ألف سيارة أقل في أوروبا سنوياً مقارنةً بمستويات ما قبل جائحة كورونا، أي ما يعادل إنتاج مصنعين للسيارات.
في الصين، أكبر سوق لفولكس فاغن، شهدت شركة السيارات الألمانية العملاقة انخفاض تسليماتها بأكثر من الربع إلى 1.34 مليون في النصف الأول من هذا العام، وفي العام الماضي فقدت الشركة تاجها كأكبر العلامات التجارية للسيارات مبيعاً في الصين لصالح بي واي دي، متخلية عن اللقب الذي احتفظت به منذ عام 2000.
وفولكس فاغن، ثاني أكبر شركة لصناعة السيارات في العالم بعد تويوتا، ليست الشركة الوحيدة التي تعاني من مشكلات.
فورد وجنرال موتورز من بين الشركات التي تشهد «اختفاء» المبيعات والحصة السوقية في الصين، إذ يرفض المستهلكون المحليون العلامات التجارية الأجنبية ويفضلون شراء المنتج الصيني بدلاً من ذلك.
في شهر يوليو انخفضت حصة شركات صناعة السيارات الأجنبية من مبيعات السيارات في الصين إلى 33 في المئة من 53 في المئة في الشهر نفسه قبل عامين، وفقاً لبيانات من رابطة سيارات الركاب الصينية.
قالت الرئيسة التنفيذية لجنرال موتورز، ماري بارا، للمحللين في مكالمة أرباح حديثة «الشركات دخلت في حرب تسعير، هذا حقاً سباق نحو القاع».
وقد أودت حرب أسعار السيارات الكهربائية الوحشية والمطولة في الصين بالعديد من شركات صناعة السيارات المحلية بالفعل، كما اضطرت شركات صناعة السيارات الأجنبية إلى إعادة هيكلة أعمالها أو إغلاق عملياتها في البلاد.
في أكتوبر تشرين الأول، أعلنت شركة ميتسوبيشي موتورز اليابانية أنها ستنهي مشروعها المشترك لإنتاج السيارات في في الصين، بعد سنوات من انخفاض المبيعات، كما اتخذت هوندا وهيونداي وفورد خطوات جذرية، بما في ذلك تسريح العمال وإغلاق المصانع، لخفض التكاليف، وفقاً لإيداعات البورصة وتقارير وسائل الإعلام الحكومية.
وقال مايكل دون، وهو من قدامى الرؤساء التنفيذيين في صناعة السيارات والرئيس التنفيذي لشركة دون إنسايتس، وهي شركة استشارية تركز على السيارات الكهربائية «انتهت أيام المجد عندما كانت الشركات تستمتع بمعدلات نمو عالية وأرباح ضخمة، إذا كنت علامة تجارية في الصين اليوم، فاعلم أن أيامك معدودة».
المركز العالمي لتصنيع السيارات
بدأت الحكومة الصينية ضخ الأموال في صناعة السيارات الكهربائية والبطاريات المحلية في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تحت استراتيجية «صنع في الصين 2025» للرئيس شي جين بينغ، كما ساعدت التحولات الجيلية العلامات التجارية الصينية.
يقول المدير الإداري لشركة سينو أوتو إنسايتس الاستشارية، تو لي لشبكة CNN «في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان الآباء لا يثقون في أي من العلامات التجارية الصينية، ولكن جيل الأبناء الحالي نشأ وترعرع على الشراء من علي بابا، واستخدام وي تشات، لذا فإن فكرة شراء علامة تجارية صينية لم يعد يحمل دلالة سلبية بعد».
على الجانب الآخر، يقول لي إن المسؤولين التنفيذيين في صناعة السيارات العالمية لم يتمكنوا من زيارة الصين بشكل دوري لمعرفة ما يحدث لأنفسهم، وعندما أدركوا أخيراً مدى تخلف شركاتهم عن متطلبات السوق في برمجيات السيارات، وسرعة الإنتاج، وتكنولوجيا البطاريات، والسيطرة على سلاسل التوريد، كان الأوان قد فات لاستعادة الحصص المفقودة.
في العام الماضي، باعت شركة بي واي دي 3.02 مليون مركبة على مستوى العالم، بما في ذلك المركبات الهجينة القابلة للشحن بزيادة 62 في المئة مقارنة بعام 2022، وبالمقارنة سلمت فولكس فاغن 1.02 مليون مركبة كهربائية وهجينة قابلة للشحن، بزيادة 26 في المئة فقط على عام 2022، بينما باعت تسلا، التي تصنع سيارات كهربائية بالكامل، 1.8 مليون سيارة فقط.
ولا يكتفي صانعو المركبات الكهربائية في الصين بالنجاح في الداخل فقط، إذ تشهد صادرات السيارات الخاصة في البلاد ارتفاعاً كبيراً، فقد قفزت بأكثر من 60 في المئة العام الماضي مقارنةً بالعام السابق لتتجاوز 4 ملايين سيارة، ما يجعل الصين أكبر مُصدر للسيارات في العالم، متقدمة على اليابان وألمانيا.
وبحلول عام 2030 من المحتمل أن تشهد شركات صناعة السيارات الصينية مضاعفة حصتها من سوق السيارات الكهربائية العالمية إلى ما يقرب من الثلث، كما توقع بنك يو بي إس، مع معاناة الشركات الأوروبية من أكبر خسارة في حصتها السوقية نتيجة للتوسع الصيني.
ومن غير الواضح ما إذا كانت الرسوم الجمركية التي ستفرضها الولايات المتحدة كافية لوقف الهجوم الصيني.