يلجأ البعض للبنوك التي يعتبرونها «أكبر من أن تفشل»؛ لحفظ أموالهم في مأمن، وهي البنوك نفسها التي تنتشر أجهزة الصراف الآلي الخاصة بها، وتتواجد فروعها في كل مكان، وتكون تطبيقاتها الذكية متطورة وسهلة الاستخدام.

يناسب هذا القرار العقلاني الأشخاص الذين يحتاجون فقط إلى مكان لإيداع رواتبهم، وسحب بعض النقود أحياناً لدفع ثمن مشترياتهم.

لكن تلك البنوك الضخمة تفتقر إلى التخصص الإقليمي الذي تتوق إليه الشركات الصغيرة، وهذا تسبب بشكل جزئي في قلق «كوربريت أميركا» وصناع السياسات على حد سواء بشأن اضطرابات البنوك الإقليمية المستمرة.

وفي غضون شهرين فقط، فشلت بالفعل ثلاث جهات إقراض، « فيرست ريبابلك» و«سيليكون فالي» و«سيغنتشر»، وهي تمثل ثاني وثالث ورابع أكبر إخفاقات مصرفية في تاريخ الولايات المتحدة.

وحولت وول ستريت تركيزها إلى بنك « باكويست»، وهو بنك متوسط الحجم، بعد أن كشفت أن العملاء سحبوا 9.5 في المئة من إجمالي ودائعهم بعد فشل «بنك فيرست ريبابلك» في الأول من مايو أيار.

تشترك جميع البنوك السابق ذكرها في كونها مُقرضاً «إقليمياً» أو «لقطاع محدد»، ومع ذلك، فالاختلافات بين البنوك الإقليمية وتلك «الأكبر من أن تفشل» أبعد بكثير من مجرد حجمها.

يقول أستاذ القانون وخبير المالية العامة بجامعة كورنيل، روبرت هوكيت، إن البنوك الكُبرى مثل «جيه بي مورغان تشيس» و«سيتي» و«وبنك أوف أميركا» و«وويلز فارجو» هي نوع من التكتلات المصرفية يشبه «الحجم الواحد الذي يناسب الجميع» لأنهم يميلون إلى تحويل كل شيء إلى تجارة الأوراق المالية.

وتُعرف هذه البنوك أحياناً بـ«البنوك ذات الأهمية النظامية» على المستوى العالمي.

هذه البنوك عادة ما تكون مهتمة بالاستثمار في الخارج وفي أسواق رأس المال العالمية أكثر من اهتمامها بالإنتاج المحلي، وفقاً لهوكيت.

التمويل «الصبور» والاستثمار «الممل»

تميل البنوك الإقليمية والصغيرة إلى تطوير الخبرات التي تعتمد عليها الشركات، مثل بنك «سيليكون فالي» المقرض الأساسي للقطاع التكنولوجي قبل انهياره.

وعلى الرغم مما وصفه هوكيت بالأخطاء الإدارية «الفادحة»، فإن البنك يعمل بشكل أساسي على توفير التمويل للشركات الجديدة التي لن تستفيد من البنوك المحلية الأخرى، هو بالضبط نوع النشاط الذي يرغب صانعو السياسة في تشجيعه.

وأشار هوكيت لبنك «سيليكون فالي» بأنه بنك قائم على التمويل «الصبور»، وهو الذي يتيح الأموال للشركات الناشئة على الرغم من عدم تقديمها أي وعود بسداد الأرباح إلا بعد مرور ثلاث أو أربع سنوات.

ومن المفارقات أن هذا التخصص حالياً جزء من المعضلة التي تواجه البنوك.

أما البنوك الإقليمية فهي أكثر تخصصاً وتركيزاً، بعبارة أخرى، هي أقل تنوعاً في ممتلكاتها، وهذا سبب في اعتماد الكثير منها على سندات الخزانة الأميركية، «أكثر الاستثمارات المملة»، كما يقول هوكيت.

وفقدت تلك الأصول المملة والآمنة للغاية قيمتها نتيجة الزيادات الحادة لأسعار الفائدة التي طبقها الاحتياطي الفيدرالي لمدة عام، ما ترك عشرات البنوك تقف على جبل من الخسائر غير المحققة.

لا تعد تلك الخسائر الورقية مشكلة ما لم يقدم جميع العملاء فجأة على سحب أموالهم، وعلى البنك أن يبيع الأصول للحصول على النقود، وهو ما أوقع بنك «سيليكون فالي» في ورطة بسبب أن معظم عملائه كان لديهم ودائع تزيد على 250 ألف دولار أميركي بما يفوق حد التأمين.

إلى متى يستمر فرار المودعين؟

يجادل خبراء بأن الوقت قد حان لإلغاء، أو على الأقل رفع الحد الأقصى البالغ 250 ألف دولار لتأمين الودائع، وبالتالي وقف الذعر الذي يتسبب في فرار المودعين.

وأصدرت شركة تأمين الودائع الفيدرالية تقريراً في شهر مايو أيار يدعو إلى زيادة حد تأمين الودائع لحسابات الدفع التجارية، وبحسب ما ورد، أجرى المشرّعون في العاصمة واشنطن محادثات لرفع الحد الأقصى، على الرغم من أنه ليس من الواضح ما إذا كان الكونغرس سيتخذ خطوة.

ويضيف هوكيت أنه «بدون زيادة الحد الأقصى، فإننا نجازف بترك بنوك وول ستريت تلتهم منافستها الأصغر عندما تفشل تلك البنوك الإقليمية، فقد كان «جيه بي مورغان»، الذي أصبح أكبر بنك في أميركا بعد الاستحواذ على «واشنطن ميوتشوال» و«بير ستيرنز» في الأزمة المالية لعام 2008، قادراً على النمو بشكل أكبر بعد الموافقة على شراء الحصة الكُبرى من أصول «فيرست ريبابليك» بثمن بخس».

ويلخص هوكيت المشهد المصرفي كأن ما يقوم به النظام حالياً هو تقديم خيارين للشركات الناشئة، «إما الاستمرار في التعامل المصرفي مع البنوك الخاصة بقطاع معين، والتي تتخصص نوعاً ما في مجال الشركة الخاص التي تجيد فهم احتياجات ومخاطر ونقاط ضعف الشركة وما شابه، ولكن هذا الاختيار يفرض احتمال أن تفقد الشركة معاملاتها لأنها غير مؤمنة بما يزيد على ربع مليون دولار».

أما الخيار الآخر فهو الاستثمار بشكل آمن «من خلال وضع كل أموال الشركة في مؤسسة وول ستريت ذات مقياس واحد يناسب الجميع مثل «جيه بي مورغان تشيس» والاستغناء عن التخصص والخبرة.

وقال هوكيت «لا توجد طريقة يمكننا من خلالها تمويل الإنتاج والشركات الناشئة والشركات الصغيرة المنتشرة في كل مناطق الولايات المتحدة في حال أصبحت البنوك الوحيدة الموجودة هي قليل من البنوك العملاقة إما في وول ستريت أو سان فرانسيسكو».

(أليسون مورو – CNN)