اتخذ الغرب بقيادة الولايات المتحدة نهجاً اعتمد في المقام الأول على فرض العقوبات السياسية والاقتصادية في تعامله مع الأزمة الأوكرانية منذ اندلاع الحرب في فبراير شباط 2022، مستهدفاً الضغط على روسيا واستعادة الهدوء في شرق أوروبا.
لكن تقييم هذه السياسة لم يكن محل إجماع بين الخبراء في أي وقت مضى، والجدل بشأن تداعياتها ما زال دائراً إلى الآن، وسط تباين كبير في تقدير مدى فاعلية وتأثير هذه القيود على إمدادات النفط الروسي إلى الأسواق العالمية.
وبحسب رؤية بعض المحللين، فإن جملة القيود المفروضة على موسكو نتج عنها انخفاض في قيمة العملة الروسية الروبل، وركود في الاقتصاد الروسي بشكلٍ عام، والذي يعتمد بشكلٍ أساسي على صادرات النفط.
ومن المفترض أن تؤدي عرقلة قدرة روسيا على الحصول على الأموال لتمويل مشاريعها التنموية والنفطية إلى مواجهة صعوبات في الحفاظ على مستويات إنتاج النفط وتصديره بكميات ما قبل الحرب الأوكرانية.
ويذهب المحللون المؤيدون لهذه الفكرة إلى القول بأن تأثير النفط والغاز الروسي على أسواق الطاقة العالمية قد انخفض فعلاً بسبب العقوبات.
فقد نوّع الاتحاد الأوروبي من مصادر تزوده بالطاقة، بما في ذلك زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة.
ووفقاً لتقرير صادر عن المفوضية الأوروبية، كانت واردات الغاز المسال من الولايات المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي قد شهدت زيادة كبيرة بالفعل في 2021، إذ ارتفعت بنسبة 135 في المئة مقارنة بعام 2020، وهو ما يشير إلى زيادة الاعتماد على الولايات المتحدة كمصدر للطاقة.
وتشير المصادر في تقرير المفوضية إلى أن الحكومة الأميركية قد تعزز صادرات الغاز المسال إلى الاتحاد الأوروبي في المستقبل، وقد يساعد ذلك على تعزيز أمن الطاقة في الاتحاد الأوروبي.
في المقابل يرى محللون آخرون أنه ليس هناك تأثير واضح أو ملموس على أسواق النفط من جراء العقوبات المفروضة على روسيا، معتمدين في ذلك على ملاحظات منها:
أن إنتاج الطاقة الروسية لم يتأثر بشكلٍ كبير مقارنةً بحجم العقوبات المفروضة، إذ استمرت الدولة في إنتاج النفط والغاز وتصديرهما على الرغم من الانخفاض في كمية الإنتاج، بل إنه نتيجة لتلك العقوبات، ابتكرت روسيا في بعض الحالات تقنيات جديدة لاستخراج النفط والغاز.
وعلى الرغم من أن العقوبات قد أعاقت وصول روسيا إلى التمويل الغربي، فقد وجدت مصادر بديلة لتدبير النقد من دول أخرى.
بالإضافة إلى ذلك، دبرت شركات الطاقة الروسية السيولة من خلال بيع السندات والأسهم.
وقد تمسكت الإدارة الروسية بمواقفها السياسية على الرغم من العقوبات المفروضة عليها، حيث لا تزال الحرب مع أوكرانيا مستمرة وليست هناك بوادر لنهايتها.
وبصفة عامة، فقد أصبحت الهند والصين أكبر مشترين للنفط الروسي بسبب تقييد الدول الغربية للمشتريات وفرض العقوبات عليه، ليستقطب البلدان معاً ما بين 60 و70 في المئة من مجمل صادرات النفط الروسي.
وقد عرضت روسيا نفطها بخصم للمشترين الراغبين في آسيا، وارتفعت واردات الهند من النفط الروسي من قاعدة منخفضة إلى ذروتها في يونيو حزيران ويوليو تموز من العام الماضي.
فمع أي التحليلين نقف، وبأيهما نأخذ؟
لا شك أن الاقتصاد الروسي قد تأثر سلباً بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على موسكو، ومع ذلك فإن قدرة تلك العقوبات على وضع حد للحرب المستعرة مع أوكرانيا مشكوك فيها.
وعلى الرغم من أن العقوبات قد نالت من قدرة روسيا على استخدام النفط والغاز كأداة جيوسياسية، فإنها لم تؤثّر كثيراً على إنتاج الطاقة في البلاد ولم ينتج عنها عدم توازن واضح في أسواق النفط، وذلك لدور «أوبك» و«أوبك+» الفعّال في حفظ توازن السوق.
ليبقى دور «أوبك»، و«أوبك+» محورياً في عملية توازن السوق على المدى القصير والطويل، وهو الدور الذي لم يتأثر على الرغم من وجود روسيا كشريك رئيسي في تحالف «أوبك+».
تسلّط الظروف الحالية إذن الضوء على تعقيدات العقوبات الدولية وعدم فعاليتها في تحقيق أهدافها المرجوة، ما يرجّح أن التوصل إلى حل سلمي توافقي للصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا يتطلب حلولاً سياسية بدلاً من عقوبات اقتصادية تخل بتوازن السوق دون أن تسهم في إنهاء الحرب وحل الخلافات السياسية بين الدول.
حسن محمد بلفقيه باحث متخصص في الطلب على النفط وكبير محللي الطلب على النفط في «أوبك» سابقاً، والآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر «CNN الاقتصادية».