تعرض الاقتصاد العالمي لصدمتين هائلتين في ثلاث سنوات، وقد يكون على وشك المواجهة الثالثة على شكل أزمة ديون أميركية.

وبعد جائحة كورونا وأول حرب كبرى في أوروبا منذ عام 1945 يطارد شبح عدم قدرة الحكومة الأميركية على دفع ديونها الأسواق المالية.

بالنسبة لمعظم الناس لا يمكن تصور حدوث ذلك، ربما لأن العواقب مروعة للغاية، وقد لا نشهد هذا السيناريو فقد ظهرت يوم الجمعة علامات على أن المفاوضات في واشنطن لرفع سقف الدين تكتسب زخماً، لكن إذا تخلفت أميركا عن سداد ديونها فقد يجعل هذا الأزمة المالية العالمية لعام 2008 تبدو وكأنها نزهة.

وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة دارتموث داني بلانشفلاور إن تداعيات التخلف عن السداد ستكون أسوأ «بمليون» مرة، مضيفاً «ماذا يحدث إذا لم يتمكن أكبر اقتصاد في العالم من دفع ديونه؟ العواقب وخيمة».

من جانبه حذر الخبير بمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي موريس أوبستفيلد قائلاً «إذا أصبحت مصداقية وزارة الخزانة والتزامها بالدفع موضع تساؤل، فقد يؤدي ذلك إلى نشوب فوضى في مجموعة من الأسواق العالمية».

وخلال أزمة سقف الدين عام 2011 انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بأكثر من 15 في المئة، واستمر المؤشر في الانخفاض حتى بعد التوصل إلى اتفاق، والذي حدث قبل ساعات من نفاد أموال الحكومة.

وضعت وكالة فيتش التصنيف الائتماني لأميركا «AAA» -أعلى تصنيف- قيد المراجعة مع احتمال خفض التصنيف بسبب سياسة حافة الهاوية، وأعادت هذه الخطوة ذكريات عام 2011 عندما خفضت ستاندرد آند بورز تصنيف أميركا من «AAA» إلى «AA+».

ولا توجد سابقة تاريخية لتخلف الولايات المتحدة عن السداد ما يجعل من المستحيل التنبؤ بكيفية حدوث ذلك ويصعب على المؤسسات الاستعداد.

وأعلن الرئيس التنفيذي لبنك جيه بي مورغان تشيس جيمي ديمون في وقت سابق من مايو أيار أن البنك يعقد اجتماعات أسبوعية للتحضير لتخلف أميركا عن سداد ديونها، موضحاً أن الاجتماعات ستصبح يومية بحلول 21 مايو أيار.

وأوضح رئيس أبحاث الاقتصاد الكلي ببنك آي أن خي الهولندي كارستن برزيسكي أنه لا يمكن أن يكون هناك «رد فعل تلقائي» لهذه الكارثة.

وقال برزيسكي إن أحد السيناريوهات هو تجنب الولايات المتحدة التخلف عن السداد تقنياً لبضعة أسابيع من خلال الاستمرار في الدفع لحاملي السندات على حساب بنود الميزانية الأخرى مثل الإنفاق على مزايا الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية، لكن هذا يعني حدوث ما يسمى خرق سقف الدين.

وأضاف برزيسكي أن الأسواق ستظل في حالة اضطراب في مثل هذا السيناريو لكنه لن يؤدي إلى «أم الكوارث»، ويرى أوبستفيلد أنه إن تعثرت الخزانة عن سداد السندات فهذا من شأنه أن يثير «ذعراً فورياً في السوق».

ويعتقد الاقتصاديون في مؤسسة موديز للتحليلات أنه حتى في حالة حدوث خرق لا يدوم أكثر من أسبوع، فسينخفض الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بمقدار 0.7 نقطة مئوية وستفقد 1.5 مليون وظيفة، ويرى المحللون أن نسبة حدوث خرق لسقف الدين هي 10 في المئة وتوقعوا حال حدوثه أن يكون قصيراً.

وقال المحللون في مذكرة إنه إذا استمر المأزق السياسي خلال الصيف وأعطت وزارة الخزانة الأولوية لمدفوعات الديون على التزامات مالية أخرى فإن «الضربة التي سيتعرض لها الاقتصاد الأميركي ستكون كارثية»، إذ سيهبط الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.6 في المئة ما يعني اختفاء 7.8 مليون وظيفة، وستنهار أسعار الأسهم مع محو 10 تريليونات دولار من ثروة الأسرة.

وسيؤدي حدوث ركود حاد في الولايات المتحدة سواء نجم عن خرق مطول أو تخلف الولايات المتحدة عن السداد إلى انهيار الاقتصاد العالمي أيضاً.

وأكد رئيس فرع الاحتياطي الفيدرالي في مينيابوليس نيل كاشكاري أن الاحتياطي الفيدرالي «ليس لديه القدرة على حماية الاقتصاد الأميركي من الأثر السلبي للتخلف عن السداد»، مضيفاً «التخلف عن السداد سيكون رسالة للمستثمرين في جميع أنحاء العالم لتقويض الثقة في أميركا».

وشدد مدير المركز الجيو-اقتصادي بالمجلس الأطلسي جوش لبسكي أن «الجميع -بما في ذلك الولايات المتحدة- سيخسر» حال حدوث التخلف عن السداد.

(هنا زيادي – CNN)