الانهيارات التي شهدتها أسهم بعض أكبر شركات التكنولوجيا الأميركية أمس الاثنين سلّطت الضوء على أحد المخاطر الرئيسية التي تهدد مسيرة النمو القياسي لسوق الأسهم الأميركية، وهو خطر الاعتماد على حفنة قليلة من الشركات العملاقة لتحقيق هذا النمو.
كان الاستثمار في الذكاء الاصطناعي محركاً رئيسياً للأسهم على مدار العامين الماضيين، ثم اهتزت الأسواق بمجرد ظهور نموذج صيني منخفض التكلفة للذكاء الاصطناعي.
ساعد التفاؤل بشأن الذكاء الاصطناعي في دفع أسهم شركة صناعة الرقائق إنفيديا، وغيرها من الشركات العملاقة «السبع الرائعة»، والتي أسهمت مجتمعة بأكثر من نصف النمو الإجمالي البالغ 25 في المئة لمؤشر ستاندرد آند بورز 500 في عام 2024.
وبسبب هذه المكاسب أصبحت الشركات السبع الرائعة تشكل ثُلث وزن مؤشر ستاندرد آند بورز 500 القياسي، ونحو 45 في المئة من مؤشر ناسداك 100؛ ما يعني أن أي تعثر لهذه الشركات يؤثر بوضوح على مؤشرات السوق.
وانخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 1.5 في المئة أمس الاثنين بعد أنباء عن إطلاق نموذج ديب سيك (DeepSeek AI)؛ ما دمر نصف مكاسب المؤشر منذ بداية العام، بينما انخفض مؤشر ناسداك 100 المعتمد بشكل أكبر على شركات التكنولوجيا بنسبة 3 في المئة.
لا نعرف حتى الآن مدى التهديد الذي سيشكله ديب سيك (DeepSeek) لمجال الذكاء الاصطناعي، وفق فيليب وول، كبير مسؤولي الأبحاث ومدير محفظة رايلانت العالمية للاستشارات، «من الواضح تماماً أن هناك مجموعة من الصفقات المترابطة والكثيفة المُعرضة للخطر».
إنفيديا، الابنة المدللة للذكاء الاصطناعي، دفعها ارتفاع سعر سهمها المذهل إلى أن تُصبح أكبر شركة من حيث القيمة السوقية في أسواق الأسهم، لكن الأسهم نفسها انخفضت بنسبة 17 في المئة أمس الاثنين.
قال سيث هيكل، الشريك الإداري في مايندست لإدارة الثروات، إنه انتقل إلى الخيارات الدفاعية لإنفيديا وسط التقلبات التي أعقبت أخبار انطلاق ديب سيك DeepSeek، وقال «إن إنفيديا تحظى بانتشار واسع حقاً، لذا فإن تراجعها يؤثر حقاً على جميع الأميركيين الذين لديهم محفظة تقاعد أو يستثمرون في الأسهم».
في الأسبوع الماضي فقط أعطى إعلان الرئيس دونالد ترامب عن استثمار القطاع الخاص في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي دفعة لأسهم التكنولوجيا والسوق بأكمله.
وقال المحللون في كابيتال إيكونوميكس إنه إذا اتضح أن نماذج الذكاء الاصطناعي يمكن تدريبها بشكل فعّال بقوة حوسبة أقل مما كان يُفترض سابقاً، «فمن الواضح أن هناك خطراً من حدوث تصحيح آخر في سوق الأسهم الأميركية».
وقال محللو كابيتال إيكونوميكس في مذكرة «هذا من شأنه أن يقوّض هيمنة الشركات التي دعمت الارتفاع».
كان الاستثمار في صناديق السوق المعتمدة على شركات مؤشر ستاندرد آند بورز 500 رهاناً رابحاً على مدار العامين الماضيين، إذ حقق المؤشر مكاسب سنوية متتالية تجاوزت 20 في المئة، لكن استحواذ الأسهم الكبيرة على حصص أكبر من المؤشرات الإجمالية للسوق «يعني أننا لا نستطيع جميعاً أن نستثمر في مؤشرات الصناديق على المدى الطويل كما كنا على مدار العقد الماضي»، كما قال شمس أفضل، العضو المنتدب ومدير المحفظة في كارنيغي للاستشارات الاستثمارية.
استفادت بعض شركات التكنولوجيا الأخرى، أمس الاثنين، إذ قام المستثمرون بتقييم آثار DeepSeek الإيجابية، وارتفع سهما شركة الأمن السيبراني؛ بلاو ألتو للشبكات، وشركة البرمجيات سيرفيس ناو، بنحو 1 في المئة.
وقالت تيفاني ويد، مديرة المحفظة الرئيسية في كولومبيا ثريدنيدل للاستثمارات، إن أخبار ديب سيك (DeepSeek) «قد تؤدي إلى بعض التحول النسبي في قيادة السوق، والذي قد يتجه إلى شركات تكنولوجيا أخرى، بدلاً من التركيز على إنفيديا فقط».
ومن المؤكد أن العديد من المشاركين في السوق قالوا إن بيع الأسهم قد يكون رد فعل مبالغاً فيه حيث يطلق المستثمرون النار أولاً ثم يطرحون الأسئلة لاحقاً.
وقال جوش بانتوني، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة (بوستيد إيه. أي.)، وهي شركة تقدم المشورة لمديري الأصول حول الذكاء الاصطناعي، إنه يفضل إضافة الأسهم المتعلقة بالذكاء الاصطناعي إلى محفظته الشخصية في أعقاب البيع.
وسيتم اختبار السوق بشكل أكبر من خلال سلسلة من النتائج الفصلية هذا الأسبوع، بما في ذلك نتائج أعمال أبل ومايكروسوفت وميتا وتسلا، والأربع من الشركات السبع الرائعة.
وقال ديفيد واجنر، رئيس الأسهم ومدير المحفظة في أبتوس لاستشارات رأس المال، إن الشركات ذات القيمة السوقية الضخمة تتميز بوفورات الحجم الكبير؛ ما يدفع نمو هامش الربح من العمليات التشغيلية إلى أعلى، وأضاف فاجنر «نعم السوق الأميركية تعتمد على هذه الأسهم، ولكن هذا ليس أمراً سيئاً دائماً».