مأزق فرنسا.. برلمان مشتت وموازنة معطّلة ودين متزايد

ارتفاع حجم الدين العام الفرنسي لمستويات قياسية جديدة حيث وصل إلى 3303 مليار يورو بحسب المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية. (شترستوك)
ارتفاع حجم الدين العام الفرنسي لمستويات قياسية جديدة حيث وصل إلى 3303 مليار يورو بحسب المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية
ارتفاع حجم الدين العام الفرنسي لمستويات قياسية جديدة حيث وصل إلى 3303 مليار يورو بحسب المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية. (شترستوك)

اقترب يناير كانون الثاني 2025 من نهايته ولم تصوّت الجمعية الوطنية الفرنسية بعد على ميزانية الدولة للعام الحالي، وهو ما يمثل مشهداً دوَّن سابقة في تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة التي دشَّن دستورها الرئيس الأسبق شارل ديغول في أكتوبر تشرين الأول من عام 1958.

سبق تعطل التصويت على الموازنة العامة في فرنسا مشهدٌ آخر لم تعشه الجمهورية الخامسة منذ بداياتها وهو سحب الثقة من رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنيه، ليكون أول رئيس للحكومة يعزله البرلمان، تسبب هذان المشهدان في تشكك البعض في قدرة الجمهورية الخامسة على الاستمرار واحتمالية تبني دستور جديد وإعلان الجمهورية السادسة.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

لا يعتبر جان لو بلاشيه، مستشار التجارة الخارجية بفرنسا، أن هذه الأزمة تشكل تهديداً للجمهورية الخامسة، وأعرب بلاشيه في اتصالٍ مع CNN الاقتصادية من باريس أن كل هذا الموقف ناتج عن «سوء تقدير سياسي أدى لانتخاب جمعية وطنية بلا أغلبية فضلاً عن مشكلات عجز الموازنة العامة».

كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أعلن حلّ الجمعية الوطنية الفرنسية في يونيو حزيران من العام الماضي على خلفية النتائج الكبيرة التي حققها أقصى اليمين في انتخابات البرلمان الأوروبي، لكن الانتخابات الجديدة أتت ببرلمانٍ مشتت بلا أغلبية تستطيع، أو تحالف أحزاب يستطيع تمرير القوانين والاتفاق عليها، وعلى الرغم من هذا فقد نجحت مارين لوبان قائدة أقصى اليمين ورئيسة حزب التجمع الوطني الذي عُرف تاريخياً باسم الجبهة الوطنية في الحشد داخل الجمعية الوطنية وسحب الثقة من الحكومة.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

وأضاف بلانشيه أن على الحكومة تبني إجراءات من شأنها تخفيض الإنفاق العام إذ إنها لا تتماشى مع متطلبات العصر الحالي ومنها «حذف المخصصات المالية والنفقات المتعلقة بكل مسؤول سابق والتي تصل إلى 200 ألف يورو لكل منهم في كل عام».

يتوقع بلانشيه أن يتم تبني موازنة العام المنصرم بهدف عدم تعطيل الدولة في ظل عدم المقدرة على التصويت بالموافقة على ميزانية جديدة.

لا يتوقع كذلك بلانشيه أن يتدخل الاتحاد الأوروبي لمساعدة فرنسا التي سيصل عجز موازنتها في نهاية العام الحالي إلى 5.4 في المئة بحسب بيان أصدرته وزارة المالية الأسبوع الماضي، حيث إن الأوضاع ليست في أفضل أحوالها في دول الاتحاد.

وبحسب معيار الدين لدول الاتحاد الأوروبي، المعروف بمعيار أوتريخت، لا يجب أن يتجاوز حجم الدين العام للدولة 60 في المئة، وعبرت فرنسا عتبة الستين في المئة عام 2002.

ويتفق ريان رسول، الباحث في الشؤون الاقتصادية الأوروبية مع بلانشيه، ولكنه يضع مشكلات فرنسا في سياق عالمي وإقليمي.. قال رسول في اتصالٍ مع CNN الاقتصادية من ستوكهولم عاصمة السويد إن «كل دول الاتحاد الأوروبي تعيش أزمة، وللخروج من هذا المأزق الذي تسبب بشكلٍ رئيسي في التخفيض الائتماني لفرنسا وشركتها وارتفاع فوائد الإقراض، يجب على دول الاتحاد العمل معاً لمجابهة التهديدات الاقتصادية الصينية، فضلاً عن التحديات التي يفرضها وصول دونالد ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة».

ويطالب الرئيسُ الأميركي الذي بدأ ولايته الثانية في العشرين من يناير كانون الثاني دولَ الاتحاد الأوروبي بزيادة نفقاتها الدفاعية لتصل إلى 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لها، ولكن أحد أسباب العثرة التي تعرقل دول الاتحاد الأوروبي حتى الآن هو زيادة الإنفاق الدفاعي بسبب الحرب الروسية الأوكرانية والتي اندلعت قبل قرابة ثلاث سنوات.

واليوم آخر ما يؤرق الفرنسيين ليس انهيار الجمهورية الخامسة، أو ميلاد جمهورية جديدة تحت رقم 6 ولكن ارتفاع تكلفة المنتجات الفرنسية مقارنة بمنافسيها ما يعني تراجع تصدير المنتجات الفرنسية، كما يؤرقهم ارتفاع حجم الدين العام الذي وصل لمستويات قياسية جديدة إذ وصل إلى 3303 مليارات يورو، وفقاً للمعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية.. ويمثل هذا الرقم 113.7% من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثالث من العام المنصرم، وهو رقم مرشح للصعود بحسب بلانشيه.