تتطلب استدامة النمو في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سياسات مالية مرنة تعزز الاستقرار، والاستثمار، ومقاومة الصدمات الاقتصادية في ظل ارتفاع تكلفة سياسات الدعم والديون للدول العربية.
شكّلت هذه النقاط المحاور الرئيسية للجلسات الحامية التي عقدت في اليوم التمهيدي للقمة العالمية للحكومات «منتدى المالية العامة للدول العربية» التي تنطلق فعالياتها يوم غد بين 11 و13 فبراير في دبي.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
وينظم «منتدى المالية العامة للدول العربية» في نسخته التاسعة بالتعاون بين «صندوق النقد العربي» و«صندوق النقد الدولي»، ووزارة المالية في دولة الإمارات مُركِزاً على تصميم السياسات المالية المستقبلية لتكون أكثر كفاءة، بما يضمن تحسين مختلف التحديات التي تواجهها السياسات الحالية بما في ذلك تحديات الديون والتحديات المستقبلية، في ظل القيود التمويلية الصارمة على مستوى العالم.
وشارك في هذه الاجتماعات كل من صندوق النقد الدولي وصندوق النقد العربي وبحضور وزراء المالية وحكام المصارف العربية المركزية لمناقشة سبل تطوير سياسات مالية مستدامة.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
صندوق النقد الدولي
تناولت الكلمة الرئيسية لمديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا سبل تعزيز النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كاشفة توقعات الصندوق أن يبلغ النمو العالمي 3.3% في عام 2025، وأن ينتعش نمو الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى 3.6% في عام 2025 مع تعافي إنتاج النفط وتراجع النزاعات «لكنه سيتباطأ لاحقاً».
ورأت غورغييفا أن ارتفاع الدين العام (أكثر من 70% من الناتج المحلي الإجمالي في العديد من الدول) يهدد الاستقرار الاقتصادي، ويترتب على الدول بناء اقتصادات أكثر مرونة تكون قائمة على إصلاحات هيكلية لتعزيز القدرة الاقتصادية وتقليل الاعتماد على التحفيز المالي.
وأفادت بأن تحقيق نمو الإنتاجي يمكن تعزيزه عبر الرقمنة وتنويع التجارة وزيادة الاستثمار في القطاع الخاص وتقليل تدخل الدولة في الاقتصاد، وتحسين الحوكمة من العوامل الأساسية للنمو وتنويع الاقتصاد.. وقالت «يجب على الدول توسيع قطاعاتها الاقتصادية، مثل التكنولوجيا والطاقة الخضراء والتصنيع».
واستشهدت غورغييفا بأمثلة ناجحة طبقت الإصلاحات التنظيمية كالسعودية، وتوفير بيئة لريادة الأعمال كالإمارات، وإصلاحات الحوكمة كالمغرب.
وشددت غورغييفا على أن تعزيز السياسات المالية يتم من خلال بناء احتياطات مالية للتعامل مع الصدمات الاقتصادية والتغيرات المناخية وتحديث الأنظمة الضريبية عبر استخدام الذكاء الاصطناعي والرقمنة لتحسين تحصيل الإيرادات وتعزيز دور القطاع الخاص وتحفيز التكامل الاقتصادي الإقليمي، منوهة بالنموذج الذي أرسته دول مجلس التعاون الخليجي.
ووصلت قيمة التمويلات التي قدمها الصندوق منذ عام 2020 إلى نحو 33 مليار دولار لدعم المنطقة، كاشفة أن هنالك خططاً لتوسيع حضور الصندوق الإقليمي عبر مكاتب واستشارات جديدة مع التركيز على ريادة الأعمال، وخلق فرص العمل، والابتكار لتعزيز النمو الاقتصادي المستدام.
وركز خطابها على أن المنطقة تحتاج إلى إصلاحات جذرية وبيئة داعمة للاستثمار وتعزيز مشاركة القطاع الخاص لضمان مستقبل اقتصادي أكثر استقراراً.
النمو والاستدامة
ركزت مداخلة فهد بن محمد التركي، المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي، على مدى تأثر الاقتصادات العربية بالأحداث الجيوسياسية رغم تحقيق المنطقة العربية نمواً اقتصادياً متسارعاً وتراجعاً نسبياً في التضخم.
ولفت إلى أن التحديات الجيوسياسية ألقت بظلالها على الاقتصادات، مناشداً بضرورة تمكين الاقتصادات العربية بالقدرة على مواجهة الصدمات والتكييف التكتيكي.
ونوّه الصندوق بالاستراتيجية الجديدة التي تبناها العام الماضي لدعم مسار الإصلاح في الدول العربية وتعزيز تنافسية اقتصاداتها من خلال تعزيز قدراته المالية وتعديل اتفاقية التأسيس.
وبرأي جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، فالتحديات الجيوسياسية ضغطت على اقتصادات الدول خاصة تلك الواقعة في منطقة النزاعات.. وقدّر تكلفة الخسائر التي لحقت بقطاع غزة بنحو 18.5 مليار دولار، لافتاً إلى أن أسعار النفط لم ترجع بعد إلى المستويات السابقة التي شهدتها عام 2023.
وركّز محمد الجدعان، وزير المالية السعودي، على أن تحسين الإدارة هو المحرك الأساسي للعائدات، إلى جانب تمكين القطاع الخاص ومكافحة الفساد وتفعيل دور كاشفي الفساد والأتمتة.
ومن جهته، لفت محمد الحسيني، وزير الشؤون المالية الإماراتي، إلى أن الدول تواجه تحديات اقتصادية تتمثل في ارتفاع تكاليف الدعم، وبناء شبكات الأمان الاجتماعي، وارتفاع الديون العامة؛ ما يعوق النمو الاقتصادي، منوهاً بضرورة انتهاج الإصلاحات الاقتصادية وتعزيز توليد الإيرادات لدعم الاستدامة المالية وخلق فرص العمل من خلال سياسات حكومية فعالة إلى جانب تطوير الأنظمة الضريبية والاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتحسين إدارة الضرائب.
ودعا محمد الجاسر، رئيس البنك الإسلامي للتنمية، إلى أهمية بناء نهج شامل ومتعدد الأطراف لمواجهة الأزمات التي تضمن مشاركة أوسع للموارد والخبرات وتقاسم المخاطر وتحقيق استقرار أكبر على المدى الطويل.
لبنان وصندوق النقد
وعلى هامش المنتدى، التقت كريستالينا غورغييفا مع حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري الذي أكد في مقابلة خاصة مع CNN الاقتصادية استعداد صندوق النقد الدولي للتعاون مع لبنان بأي وقت، متوقعاً أن يبدأ الصندوق زيارته فور نيل الحكومة الجديدة الثقة.
وأضاف المنصوري أنه فور نيل الثقة ستعمل الحكومة اللبنانية على تحقيق الإصلاحات التي طال انتظارها، وأنه من الصعب جداً تحقيق أي تقدم دون إصلاحات.
وأكد المنصوري أن أزمة لبنان تحتاج إلى مساعدة من الخارج وذلك عن طريق صندوق النقد ودول مانحة من الخارج «فلا يمكن إعادة الثقة بنظام لبنان المصرفي إلّا من خلال إعادة أموال المودعين»، وأشار إلى أن الإصلاحات هي أساسية لاستعادة ما خسره الناتج المحلي الإجمالي في السنوات الماضية.