مؤشر ساندويتش الفول في مصر.. رحلة تضخم عمرها 30 عاماً

نشب خلاف على إحدى عربات بيع وجبات الفول بين محمد البائع ورجل أربعيني يرتدي زي العمل الخاص بإحدى شركات الشحن العاملة في مصر، والسبب هو السعر، يضطر محمد إلى تبرير تفاصيل حساب ثمن الفول زائد ثمن البيض والخبز والليمون والتوابل.

في النهاية يصر المشتري على دفع 40 جنيهاً بدلاً من 43 جنيهاً، ترك بائع الفول الرجل يرحل ولكنه أصر أن الطرف الآخر مدينٌ له بثلاثة جنيهات عند مروره القادم بالعربة، التي تقع في حي الدقي في محافظة الجيزة..

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

يتراوح ثمن ساندويتش الفول في مصر بين 7.5 جنيه و20 جنيهاً، وذلك حسب المكان الذي يبيعه ونوع الخبز والزيت والتوابل المستخدمة وكذلك التغليف، وعرف سعر ساندويتش الفول الكثير من الطفرات منذ أن بدأ المصريون بطبقاتهم كافة في تناوله كوجبة أساسية ربما قبل اعتماد الجنيه المصري عملةً للبلاد.

ويعد مؤشر ساندويتش الفول بمنزلة مرآة شديدة الوضوح للاقتصاد في مصر وظروف حياة مواطنيها، فالكل يأكله ويحبه من حاكم الدولة إلى الأشد احتياجاً، ولهذا السبب مؤشر ساندويتش الفول المصري أكثر دقة من مؤشر بيغ ماك الذي يتبناه الاقتصاديون كوحدة للقياس، حيث إن سعر وجبة بيغ ماك يخضع في مصر لحسابات معقدة منها الجذب والدعاية لتجنب حملات المقاطعة الشائعة بسبب اضطراب الأوضاع في الشرق الأوسط، بينما الفول لا يحتاج إلى دعاية ولا يقاطعه أحد.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

في أحد شوارع حي مدينة نصر، يبيع حسين ساندويتش الفول بسعرين حسب الساندوتيش ذاته؛ فالأول غير ممتلئ وثمنه ثمانية جنيهات، بينما يعرض على استحياء الثاني الممتلئ عن بكرة أبيه بعشرة جنيهات، فيختلف السعر حسب المستوى الاقتصادي لكل منطقة.

أكد حسين في لقاء مع «CNN الاقتصادية» أن حساب تسعير ساندويتش الفول يتم بمنتهى الدقة، حيث إن مكوناته ثابتة ومعروفة، وأنه بعد احتساب الإيجار والغاز والخبز والتوابل لا يربح سوى نسبة ضئيلة تتراوح بين 25 و35 قرشاً في كل ساندويتش، فيما رفض حسين ذكر عدد الوجبات التي يبيعها كل يوم، لكنه أكد أن العدد كبير.

ويلاحظ أغلب مرتادي عربات ومطاعم الفول الذين تحدثت معهم «CNN الاقتصادية» أن سعر الساندويتش كان في حدود 3 جنيهات ونصف الجنيه قبل ثلاث سنوات.

وتعد السنوات الثلاث الماضية بمنزلة نقطة تحول مفصلية في كلفة الحياة في مصر، لا سيما أنها تتزامن مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة شح الدولار الأميركي ومعضلة تكدس البضائع في الموانئ ووصول معدلات التضخم في مصر إلى المستوى الأعلى على الإطلاق في سبتمبر أيلول من عام 2023.

وعلى الرغم من عدم وقوع الفول ضمن المنتجات المدعومة من الدولة، فإنه منتج عالي الأهمية، لدرجة أن البنك المركزي المصري يصدر قرارات دورية باستثنائه من الغطاء النقدي بنسبة 100 في المئة على العمليات الاستيرادية لأغراض التجارة، وهو ما يعني توفير العملة الصعبة لاستيراده بلا قيود.

ويبلغ إنتاج مصر من الفول بين 250 و300 ألف طن سنوياً، وهو لا يكفي احتياجاتها وتستورد ما بين 150 و200 ألف طن من الفول كل عام من دولٍ عديدة على رأسها الهند وتركيا.

أكد حازم المنوفي عضو الغرفة التجارية للمواد الغذائية بالإسكندرية، في اتصال مع «CNN الاقتصادية»، أن ''الفول يعد من السلع الغذائية الأساسية التي تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين، إلا أنه لا يُصنف في مستوى الأهمية الاستراتيجية نفسه كالقمح، الذي يُعد من المحاصيل الأساسية لأمن الغذاء في البلاد، ومع ذلك، لا يمكن تجاهل دور الفول الكبير في النظام الغذائي المصري، خاصة في ظل العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي تجعل منه سلعة حساسة في ظل تقلبات الأسعار".

وارتفع سعر كل كيلوغرام من الفول في مصر إلى نحو 62 جنيهاً مطلع الأسبوع الحالي، ويزداد الطلب على شراء الفول في شهر رمضان، حيث يعد المكون الأساسي على مائدة سحور كل المصريين طوال الشهر.

ويرجح المنوفي أن أسعار الفول قد تشهد تراجعاً تدريجياً في نهاية مارس آذار كنتيجة لانخفاض الطلب مع الاقتراب من آخر شهر رمضان، إذا لم تتغير تكلفة الاستيراد.

وحديث المنوفي ينطوي على تلميح لتراجع سعر الجنيه أمام الدولار أو حدوث اضطرابات في أسعار الشحن البحري بسبب الحرب التجارية المحتملة التي قد تسببها السياسات الاقتصادية التي يهدد بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

في النهاية يتذكر حسين ساخراً أنه عندما بدأ العمل كبائع فول قبل 30 عاماً في حي الدرب الأحمر الشعبي بالقاهرة كان سعر الساندويتش 25 قرشاً، وأنه كان يهدي 3 سندويتشات إضافية لمن يشتري أكثر من عشرة.