أسفرت الانتخابات الألمانية الأخيرة عن فوز تحالف الاتحاد الديمقراطي المسيحي بقيادة فريدريش ميرتس، في حين سجل حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف مكاسب غير مسبوقة.
هذه النتائج تضع مستقبل الاقتصاد الألماني أمام تحديات جديدة، في وقت يعاني فيه من تباطؤ النمو وأزمات الطاقة والتوترات الجيوسياسية.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
التحديات الاقتصادية بعد الانتخابات
تأتي هذه الانتخابات في وقت حرج للاقتصاد الألماني، حيث يعاني من تباطؤ في النمو الاقتصادي وزيادة في معدلات التضخم.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
وتشير البيانات إلى انكماش الاقتصاد الألماني بنسبة 0.2 في المئة في الربع الأخير من عام 2024، ما أثار مخاوف من دخول البلاد في ركود إذا استمر الانكماش في الربع الأول من العام الجاري 2025.
إضافةً إلى ذلك، خفّضت الحكومة الألمانية توقعاتها للنمو لعام 2025 من 1.1% إلى 0.3%، مع احتمال مواجهة الاقتصاد لانكماش للسنة الثالثة على التوالي.
هذه التحديات الاقتصادية تأتي في وقت تشهد فيه البلاد انتخابات مبكرة، حيث يتصدر الاتحاد الديمقراطي المسيحي بقيادة فريدريش ميرتس، مع تعزيز حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف مواقعه؛ لذا فمن المتوقع أن تركز الحكومة الجديدة على معالجة هذه القضايا الاقتصادية الملحّة.
أزمات الطاقة والتصنيع
يواجه قطاع الطاقة في ألمانيا تحديات كبيرة بعد تقليص الاعتماد على الغاز الروسي والتحول إلى مصادر طاقة أكثر استدامة، ويشير الخبير في شؤون الطاقة بمعهد «فراونهوفر»، د. مايكل شنايدر، إلى أن «ألمانيا لا تزال تعاني من ارتفاع تكاليف الطاقة مقارنة بالدول الصناعية الأخرى، ما يؤثر على تنافسية قطاع التصنيع».
وفي هذا السياق، تسعى الحكومة الجديدة إلى تعزيز الطاقة المتجددة كجزء من استراتيجيتها لمستقبل أكثر استدامة، وتعمل على تسريع الاستثمار في طاقة الرياح والطاقة الشمسية، حيث تهدف إلى أن تشكل مصادر الطاقة المتجددة أكثر من 80% من مزيج الطاقة بحلول عام 2030، ورغم هذه الجهود، فإن نقص البنية التحتية وتحديات تخزين الطاقة لا تزال تشكل عقبات رئيسية أمام تحقيق هذا الهدف.
لا تزال ألمانيا تتعامل مع تداعيات أزمة الطاقة الناجمة عن الحرب في أوكرانيا وتقليل الاعتماد على الغاز الروسي.
ويقول الخبير الاقتصادي في معهد إيفو للبحوث الاقتصادية Ifo كلاوس فولرابه: «الاقتصاد الألماني يواجه أزمة هيكلية في قطاع التصنيع، حيث تأثرت الصناعات الكبرى مثل السيارات والبتروكيماويات بارتفاع تكاليف الإنتاج وتراجع الطلب العالمي».
المخاوف التجارية
مع تزايد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة وأوروبا، واحتمال اندلاع حرب تجارية في ظل القرارات المتتالية من الرئيس الأميركي دونالد ترامب برسوم جمركية وقيود تجارية مع معظم دول العالم ومن بينها أوروبا، قد تواجه الصادرات الألمانية -التي تمثل نحو 47% من الناتج المحلي الإجمالي- مخاطر إضافية.
وأوضح المحلل الاقتصادي ماركوس كرامر من «دويتشه بنك» أن «أي قيود تجارية جديدة ستؤثر على الشركات الألمانية الكبرى مثل فولكس فاغن ومرسيدس وبي إم دبليو، ما قد يؤدي إلى موجة جديدة من التباطؤ الاقتصادي».
الاستراتيجيات المتوقعة للحكومة الجديدة
أكد فريدريش ميرتس، المستشار القادم المحتمل، أنه يعتزم تسريع المفاوضات لتشكيل حكومة قوية بحلول عيد الفصح، ويرى المحللون أن الأولويات الاقتصادية للحكومة الجديدة ستكون كما يلي:
تعزيز الاستثمار المحلي
يتوقع أن تسعى الحكومة الجديدة إلى تقديم حوافز ضريبية لدعم الشركات المتوسطة والصغيرة، وهي العمود الفقري للاقتصاد الألماني، كما يتوقع زيادة الاستثمار في البنية التحتية الرقمية، بهدف تعزيز تنافسية الشركات الألمانية عالمياً.
إصلاح سياسات الهجرة
مع تنامي صعود حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف نتيجة المخاوف من الهجرة غير الشرعية، يُتوقع أن يشدد ميرتس سياسات اللجوء والهجرة.
ويرى الخبير السياسي مايكل برونينغ أن «السياسات الجديدة يجب أن توازن بين الحاجة إلى العمالة الماهرة ودواعي الأمن القومي، حتى لا تتضرر القطاعات التي تعتمد على العمالة الأجنبية، مثل التكنولوجيا والصحة».
تعزيز العلاقات الأوروبية
مع تصاعد التحديات الجيوسياسية، يُتوقع أن تلعب ألمانيا دوراً أكثر نشاطاً في الاتحاد الأوروبي، وصرّح ميرتس في تجمع انتخابي بميونيخ أن «الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى موقف قوي لضمان مكانة ألمانيا الاقتصادية والسياسية في الساحة الدولية».
توقعات النمو الاقتصادي
رغم التحديات، يرى بعض المحللين أن الاقتصاد الألماني قادر على تجاوز الأزمات، ووفقاً لتوقعات «معهد الاقتصاد العالمي في كيل»، من المحتمل أن يسجل الاقتصاد الألماني نمواً بنسبة 1.2 في المئة في عام 2025، مدعوماً بتحسن الطلب المحلي وبرامج التحفيز الحكومية.
وختاماً، تقف ألمانيا عند مفترق طرق اقتصادي، حيث ستكون قرارات الحكومة الجديدة حاسمة في تحديد مسارها الاقتصادي خلال السنوات القادمة، ونجاح الحكومة في معالجة التحديات الاقتصادية الراهنة قد يكون العامل الرئيسي في استعادة الاستقرار والنمو لأكبر اقتصاد في أوروبا.