المستثمرون يشككون في «ضمان ترامب» مع اضطراب الأسواق بسبب الرسوم الجمركية

المستثمرون يشككون في «ضمان ترامب» مع اضطراب الأسواق بسبب الرسوم الجمركية

يعيد المستثمرون تقييم استراتيجياتهم في ظل تغيّرات السياسات المتقلبة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وسط تزايد القلق من تلاشي ما يُعرف بـ«ضمان ترامب» لدعم أسعار الأسهم، في وقت يبدو فيه أن إدارته تركّز بشكل أكبر على أسواق الديون.

كان المستثمرون قد راهنوا بقوة على أن أجندة ترامب لخفض الضرائب وتخفيف اللوائح التنظيمية ستدعم الأصول الخطرة، كما حدث خلال ولايته الأولى عندما كان كثيراً ما يشيد بأداء سوق الأسهم، ويشير مصطلح «ضمان ترامب» إلى الاعتقاد بأن الرئيس سيفعل كل ما بوسعه للحفاظ على استقرار الأسواق المالية.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

لكن منذ عودته إلى البيت الأبيض في 20 يناير، أثارت سياساته الجمركية السريعة اضطرابات في الأسواق المالية، وأثرت على ثقة المستهلكين والشركات، ما عزز المخاوف من أن ولايته الثانية قد لا تكون مواتية للأسواق كما كان متوقعاً، وفي الوقت الذي يعاني فيه مستثمرو الأسهم، برز سوق السندات كأولوية رئيسية للإدارة.

وقال بن هاريس، نائب الرئيس ومدير الدراسات الاقتصادية في معهد بروكينغز، والذي شغل مؤخراً منصب كبير الاقتصاديين في وزارة الخزانة الأميركية: «لطالما اعتبر ترامب سوق الأسهم مقياساً لصحة الاقتصاد، لذا فإن هذا التحول يعد تغييراً جذرياً».

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

وفي خطابه أمام الكونغرس يوم الثلاثاء، أشار ترامب إلى انخفاض عائدات سندات الخزانة، لكنه لم يذكر سوق الأسهم أثناء حديثه عن أول ستة أسابيع له في المنصب، وقال: «اليوم، شهدت أسعار الفائدة انخفاضاً كبيراً وجميلاً، حان الوقت لذلك». وأضاف: «وفي المستقبل القريب أريد تحقيق ما لم يتم إنجازه منذ 24 عاماً: تحقيق توازن في الموازنة الفيدرالية، وسننجح في ذلك».

يختلف هذا عن خطابه في عام 2017 عندما خاطب الكونغرس متفاخراً بأن سوق الأسهم قد حقق مكاسب بلغت نحو 3 تريليونات دولار منذ انتخابه.

من جانبه، تعهّد وزير الخزانة سكوت بيسنت بخفض العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات، وهو مؤشر يؤثر على تكاليف الاقتراض للحكومة والمستهلكين.

تحوّل الأولويات نحو سوق السندات

يبدو أن مزيج الإدارة الحالي من فرض الرسوم الجمركية لتحقيق الإيرادات وإجراء تخفيضات صارمة في الإنفاق، من خلال «إدارة كفاءة الحكومة» بقيادة إيلون ماسك، يعكس وعياً متزايداً بالمخاطر الناجمة عن تفاقم الديون الحكومية، والتي قد تؤدي إلى انهيار سوق السندات إذا لم تتم السيطرة عليها.

وقالت دون فيتزباتريك، الرئيسة التنفيذية ومديرة الاستثمار في «سوروس فاند مانجمنت»، في مؤتمر استثماري نظمته بلومبرغ في نيويورك يوم الثلاثاء: «خلال الولاية الأولى، كنا نقول دائماً إن ترامب كان حساساً جداً تجاه مؤشر S&P 500، وكان ذلك حقيقياً بلا شك». وأضافت: «لكن بيسنت والإدارة الحالية لديهما مستوى مختلف من تحمل التقلبات في سوق الأسهم، إنهما أكثر حساسية لفئات أصول أوسع، وهذا يمنحهما أدوات أكثر للتحكم في الأوضاع عند الحاجة».

غير أن ما لا يمكن السيطرة عليه، وفقاً لفيتزباتريك، هو ثقة المستهلكين والشركات، والتي تشهد تراجعاً حاداً حالياً.

منذ تنصيب ترامب، تراجع مؤشر S&P 500 بأكثر من 3%، مقارنة بانخفاض 1.5% في مؤشر MSCI للأسهم العالمية، وفي المقابل انخفض العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات بنحو 40 نقطة أساس، ما يشير إلى بحث المستثمرين عن ملاذات آمنة.

المخاوف من تأثير الرسوم الجمركية

تراجعت الأسهم يوم الثلاثاء بعد أن فرض ترامب رسوماً جمركية جديدة بنسبة 25% على الواردات من المكسيك وكندا، كما ضاعف الرسوم على السلع الصينية إلى 20%، لكن الأسواق قلّصت خسائرها يوم الأربعاء بعد إعلان البيت الأبيض أن ترامب سيستثني شركات تصنيع السيارات في كندا والمكسيك من الرسوم لمدة شهر.

ورغم تأكيد ترامب أن الرسوم قد تسبّب «ألماً مؤقتاً»، فإنه يرى أنها ستنعش قطاع التصنيع وتعزز النمو الاقتصادي على المدى الطويل، لكنّ المستثمرين قلقون من أن تراجع ثقة المستهلك قد يزيد الضغط على سوق الأسهم ويؤثر على الاقتصاد.

وفي هذا السياق قال جورج تشيبولوني، مدير المحافظ الاستثمارية في «بِن ميوتشوال أسيت مانجمنت»: «الإدارة تلعب بالنار هنا، لا تريد أن تدفع الاقتصاد نحو الركود فقط من أجل خفض العائد على السندات لأجل 10 سنوات».

وعند سؤالها عن تأثير الرسوم الجمركية على سوق الأسهم، قالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كارولين ليفيت يوم الأربعاء إن ترامب يعتبر الرسوم «أداة أساسية» لتعزيز الإيرادات وتقليل الديون وخلق فرص عمل محلية.

وأضافت أن ترامب يتوقع استمرار ازدهار سوق الأسهم، لكنه يعتمد نهجاً اقتصادياً أوسع يشمل تخفيض الضرائب، والرسوم الجمركية، وإلغاء القيود التنظيمية، وخفض تكاليف الطاقة، وهو ما يفترض أن يعود بالنفع على وول ستريت والاقتصاد المحلي على حد سواء.

هل هناك مجال لخفض الضرائب؟

يخشى المستثمرون من استمرار حالة عدم اليقين، خاصة بعد صدور تقارير اقتصادية أميركية ضعيفة مؤخراً بشأن ثقة المستهلك ونشاط الأعمال ومبيعات التجزئة.

وقال ستيفن دوفر، كبير المحللين الاستراتيجيين للسوق في معهد «فرانكلين تمبلتون»: «تراجع ثقة المستهلك وحالة عدم اليقين في السوق ليست أمراً إيجابياً، وهو ما يؤدي إلى مفاجآت غير متوقعة في الأسواق».

وأضاف أن سوق الأسهم لا يزال مهماً لترامب، لكنه يحاول تحقيق الاستقرار الاقتصادي من خلال سوق السندات.

ويرى بعض المحللين أن الجهود المبذولة لتقليص الموازنة قد تهدف إلى توفير هامش مالي لخفض الضرائب، وهو أمر أساسي في سياسة ترامب، ما قد يؤدي إلى فوائد اقتصادية على المدى الطويل.

وقال تيم موراي، محلل الأسواق في «تي. رو برايس»: «عندما تسعى إلى خفض أسعار الفائدة، يصعب أن يتزامن ذلك مع ارتفاع سوق الأسهم بالضرورة».

ورغم التراجعات الحادة الأخيرة، لا تزال الأسهم الأميركية عند مستويات مماثلة لما كانت عليه عند فوز ترامب في انتخابات نوفمبر، عندما كانت الأسواق ترتفع بتوقعات سياسات داعمة للنمو.

ويظل التساؤل حول مدى استمرار الرسوم الجمركية، حيث يرى البعض أنها مجرد ورقة ضغط للحصول على شروط تجارية أفضل.

وفي هذا الصدد، قال مارك هاكيت، كبير المحللين الاستراتيجيين للأسواق في «نايشن وايد»: «أعتقد أن ترامب لن يرغب في إحداث صدمة قوية للأسواق».