تمتد حبات الطماطم المقطعة على أراضٍ زراعية في أطراف الأقصر، ولا يكسر هذا الأحمر الأرجواني المنبسط سوى اللون الأسود الذي ترتديه نساء الأقصر الجالسات وسط الحقول أو مناشر تجفيف الطماطم كما يسمونها هنا.
عزة أم لخمسة أطفال ومطلقة تعمل في هذا المنشر منذ عدة أسابيع، لتجابه تكاليف الحياة ولإعالة أبنائها، قالت عزة في لقاء مع CNN الاقتصادية إن «هذا المشروع يوفر لي دخلاً ثابتاً للإنفاق على أبنائي، ولا أحتاج إلى إعانة من أي أحد».
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
بدأ مشروع تجفيف الطماطم في مدينة الأقصر في عام 2012 في الأرض المقابلة لتمثالي ممنون في البر الغربي، ومنذ ذلك الوقت انتشرت السيدات في مناشر تجفيف الطماطم في المدينة التي يتخطى عمرها 4000 عام، فبحسب القائمين على المشروع يعد مناخها هو الأفضل لتجفيف الطماطم بأشعة الشمس نظراً لانخفاض الرطوبة، وهو ما يحول دون تعفن حبات الطماطم الملقاة تحت أشعة الشمس.
وبحسب النوبي سالم، الأستاذ بكلية الزراعة جامعة جنوب الوادي، فإن أكثر من 90 في المئة من القائمين على هذا المشروع من النساء، فهن من يقمن بمراحل الإنتاج كافة من التقطيع والنشر وإلقاء الملح والفرز والجمع والتعبئة.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
وتقول صابرين علي، مشرفة مشروع مكافحة الفقد وتجفيف الطماطم بأشعة الشمس، إن المشروع الذي تتبناه جمعية خيرية محلية حصل على منحة من سيتي غروب بفضل مؤسسة مصر الخير، وإن «المشروع يقوم بتشغيل 300 سيدة وفتاة، حيث إن أغلبهن من الأرامل والمطلقات وضحايا الهجر الزوجي والآنسات ذوات الوضع المادي الضعيف».
ينتشر الفقر بشدة في صعيد مصر؛ فمحافظات المنيا وسوهاج والفيوم تقع على رأس هرم العوز، وتزيد هناك أعداد السيدات اللائي لم تحصلن على قدرٍ كافٍ من التعليم أو لم تحصل على أي تعليم قط، فمن يخرجن من هذه المدن ويحققن قدراً من النجاح المهني فهن بمنزلة من فلتن من تحت النصل، بسبب تعدد التحديات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في هذه القرى.
وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن نسبة النساء العاملات في الزراعة والصيد في نهاية عام 2023 بلغت 18.1 في المئة من إجمالي السيدات العاملات في مصر، واللائي يشكلن نحو 15.9 في المئة من إجمالي قوة العمل في مصر مقابل 69.6 للذكور، وهي تعني المواطنين الذين يبلغ عمرهم 15 عاماً فأكثر.
ويقول النوبي سالم إن محافظة الأقصر نجحت وحدها في تصدير نحو 450 طناً من الطماطم المجففة العام الماضي، ويذهب أغلبها إلى إيطاليا والمكسيك والولايات المتحدة، حيث إن أيام سطوع الشمس في مصر أكثر من مثيلتها في إيطاليا، وإن نساء الأقصر سيقمن هذا الموسم بإنتاج نحو 600 طن من الطماطم المجففة، وهو ما يمنح فرص عمل لهذه النساء، حيث تستطيع كل سيدة تقطيع محتوى نحو 20 صندوقاً من الطماطم الطازجة في اليوم الواحد، وهو ما يدر عليهن أجراً أكبر من العمل في محال البقالة المحلية.
وتعتبر مصر سادس أكبر منتج للطماطم في العالم، ويبلغ حجم المحصول نحو 6.2 مليون طن، وتأتي مصر بعد إيطاليا التي تحتل المركز الخامس بفارق يبلغ نحو 200 ألف طن.
ويتعاقد منتجو الطماطم المجففة مع المزارعين في بداية كل موسم بغرض تثبت سعر التوريد، للتغلب على مأزق تذبذب أسعار الطماطم، ويتوجب توفير عشرة كيلوغرامات من الطماطم الطازجة لإنتاج كل كيلوغرام من الطماطم المجففة، وحتى الآن يتم تصدير الطماطم في صورتها المجففة الأولية دون تطويرها إلى المنتج النهائي الذي يشتمل على بيعها مرطبة بإضافة زيت الزيتون، ولكن سالم أكد أن هذا الأمر تحت الدراسة، وفي حالة تنفيذه سيزيد عدد العاملات في هذه الصناعة التي لا تحتاج إلى تدريب معقد، ما يترتب عليه تحسين حياة عدد أكبر من النساء في قرى صعيد مصر.