هل تنجح الصين في أن تحل محل أميركا كشريك آمن لدول العالم؟

هل تنجح الصين في أن تحل محل أميركا كشريك آمن لدول العالم؟(شترستوك)
هل تنجح الصين في أن تحل محل أميركا كشريك آمن لدول العالم
هل تنجح الصين في أن تحل محل أميركا كشريك آمن لدول العالم؟(شترستوك)

بعد الحرب العالمية الثانية، أبرمت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون مجموعة من الاتفاقيات والمؤسسات الدولية لتنظيم المواقف تجاه الدفاع المشترك والاقتصاد وحقوق الإنسان، وعلى مدى عقود أسهم هذا في إرساء تحالفات مستقرة وخطط اقتصادية قابلة للتنبؤ.

ولكن، على عكس أسلافه، يعتقد دونالد ترامب أن المنظمات الدولية تقوض مصالح الولايات المتحدة وسيادتها، وقد انسحبت الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية وهناك تكهنات بأنه قد يقلص التزامها تجاه الأمم المتحدة، ولا يزال الاستثمار الأميركي في ميثاق الدفاع المشترك لحلف الناتو قيد المناقشة.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

ولكن بينما تنشغل واشنطن بإعلان تراجعها عن النظام العالمي الذي أسهمت في بنائه، تتطلع بكين إلى تعزيز دورها الدولي.

الصين تستغل الفرص

وقد ازدادت القيادة الصينية في الوكالات الدولية التابعة للأمم المتحدة على مر السنين، وكذلك التزامها المالي تجاه المؤسسات الدولية.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

وهذا ليس كل شيء، فالصين عضو بارز في تحالفات تجارية مثل الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة المكونة من 15 عضواً، ومجموعة البريكس المكونة من عشرة أعضاء (بقيادة البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا)، وهيلا تُعزز هذه المجموعات التكامل الاقتصادي بين أعضائها فحسب، بل قد تُقلل أيضاً من اعتمادهم على الاقتصاد الأميركي والدولار الأميركي.

في ظل تزايد تقلبات الولايات المتحدة، سيكون وجود الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، في هذه المجموعات التجارية مفيداً.

في الوقت الحالي، ومع تفاوض العالم أجمع على اتفاقيات تجارية أميركية جديدة، ترى معظم الدول أن علاقتها مع الولايات المتحدة غير مستقرة، ومن جهتها ترى الصين في ذلك فرصة ذهبية لتضع نفسها كقوة موازنة عالمية للولايات المتحدة.

وتتمثل إحدى سياساتها في "توفير مزيد من الأمن والازدهار واحترام الدول النامية"، وهذا ينطبق بشكل خاص على الدول الإفريقية، حيث يتم تخفيض المساعدات الأميركية بسرعة.

الرسوم الجمركية تعرقل أميركا

ميل ترامب إلى تصعيد التوترات التجارية ثم تخفيفها ليس مشكلة الصين فحسب، بل إن حلفاءه أيضاً ضحايا لتردده المتكرر.

وهذا يترك دول العالم، سواء كانت شركاء تقليديين للولايات المتحدة أم لا، في أزمة جهل بالخطوة التالية للولايات المتحدة، وما إذا كان اقتصادها سيعاني.

في فبراير شباط 2025، فرض ترامب رسوماً جمركية بنسبة 25 بالمئة على المكسيك وكندا، لكنه ألغى الرسوم مؤقتاً بعد شهر.

ثم في أوائل أبريل نيسان 2025، رفع ترامب الرسوم الجمركية على 60 دولة وكتلة تجارية، بمن في ذلك حلفاء تقليديون للولايات المتحدة مثل الاتحاد الأوروبي بنسبة 20 بالمئة واليابان بنحو 24 بالمئة وكوريا الجنوبية بنسبة 25 بالمئة وتايوان 32 بالمئة.

وبعد ساعات، ألغى ترامب هذه الرسوم بشكل غير متوقع، لكن ذلك تسبب في أضرار جسيمة للاقتصاد العالمي.

وإذا كان هناك وقت يحتاج فيه العالم إلى شريك أكثر قابلية للتنبؤ، فهو الآن، إذا نظرنا للولايات المتحدة كشريك فيجب أن تكون بدون قيادة ترامب.

ويشير تقرير سنوي حديث حول الديمقراطية والمواقف الوطنية إلى أنه -ولأول مرة- ينظر المشاركون في 100 دولة إلى الصين بشكل أكثر إيجابية مما ينظرون إلى الولايات المتحدة.

هل تكون الصين الشريك الذي يسعى إليه العالم؟

في حين يحتاج العالم إلى بيئة مستقرة لتعزيز النمو الاقتصادي، تحتاج بكين إلى هذا الاستقرار لأسباب تتجاوز الاقتصاد.

بخلاف الديمقراطيات الليبرالية التي تستمد شرعيتها من الانتخابات، ينبع جزء كبير من شرعية بكين من قدرتها على تحقيق ازدهار اقتصادي مستدام للشعب الصيني.

ولكن مع اقتصاد منهك بدأ بالانهيار نتيجة أزمة عقارية عام 2021، أصبحت مهمة الحفاظ على الشرعية أكثر صعوبة.

ربما كان تصدير النفط سبيلها للخروج من الركود الاقتصادي في حسابات بكين، إذ كان أحد أساليبها التقليدية لتعزيز النمو الاقتصادي.

لكن حرب ترامب التجارية جعلت هذا الاحتمال صعباً بشكل متزايد، لا سيما بالنسبة للولايات المتحدة التي تستورد 14.8 بالمئة من إجمالي الصادرات الصينية.

ونتيجة لذلك، أصبح إصلاح الاقتصاد الصيني أولوية للحكومة الصينية، ولهذا السبب يقوم شي بجولات في دول رابطة دول جنوب شرق آسيا المجاورة، مثل فيتنام وماليزيا وكمبوديا، لتعزيز التجارة والخطط الاستراتيجية للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي.

عقبات أمام الصين

رغم كل ما تفعله الصين، لا تزال صورتها تُشكّل مشكلةً للبعض، وعلى سبيل المثال تدّعي الصين سيادتها على بحر الصين الجنوبي، وبنت موانئ ومنشآت عسكرية ومهابط طائرات على جزر اصطناعية في أنحاء المنطقة، رغم نزاعاتها الإقليمية مع جيرانها، بما في ذلك فيتنام والفلبين وتايوان وماليزيا وبروناي.

لكن هناك مخاوف أخرى بشأن الصين، فالتقدم السريع الذي أحرزته الصين في التكنولوجيا العسكرية، على سبيل المثال، يُحتمل أن يُزعزع استقرار الأمن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ما قد يسمح للصين بالسيطرة على جزر استراتيجية لاستخدامها كقواعد لأسطولها البحري.

كما أصبحت الصين تُشكّل تهديداً مُهيمناً في مجال القرصنة، وفقاً لخبير الأمن السيبراني البريطاني ريتشارد هورن، ما يُرجّح أن يُسبب مشكلات للأمن السيبراني العالمي.

علّق رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك ذات مرة: "مع صديق مثل ترامب، من يحتاج إلى أعداء؟" من المُرجّح أن يُشارك العديد من القادة الوطنيين الآخرين تاسك رأيه اليوم، وقد يرون فرصاً لتمديد الصفقات التجارية مع الصين كبديل لعلاقة مضطربة مع ترامب.

(رويترز)