على غير العادة، تقع واحدة من أبرز أسواق الاكتتاب الأولية هذا العام في بلد لا يشتهر بعمالقة التكنولوجيا، ولا يقع ضمن أكبر عشرة اقتصادات في العالم.

ولكن إندونيسيا، البلد ذو الكثافة السكانية العالية، والذي يتكون من مجموعة من الجزر، تستقر فوق مخزونات ضخمة من المعادن اللازمة لصنع بطاريات السيارات الكهربائية، ما جعل الدولة ذات الاقتصاد سريع النمو محركاً مهماً للتحول الأخضر، ونقطة جاذبة للمستثمرين.

تُصنف الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا حالياً على أنها رابع أكبر سوق في العالم للشركات المدرجة حديثاً عند قياسها بمقدار رأس المال الذي تم جمعه، وفقاً لبيانات من «ديلوجيك»، ما يضعها خلف الصين والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة.

تعليقاً على هذا قال بيريس لي، المتخصص في مراقبة أسواق رأس المال الآسيوية في «ديلوجيك» إن «هذا ليس أمراً طبيعياً»، وأضاف خلال حديثه إلى (CNN) أن هذا العام من المتوقع أن يكون «الأفضل لإندونيسيا على الإطلاق».

وقال إن المستثمرين، هذا العام، ضخوا 2.1 مليار دولار في الاكتتابات العامة في إندونيسيا، حتى الآن، وهو مبلغ يقل بقليل عن كل ما جمعته الدولة خلال العام الماضي بأكمله، إذ كانت جمعت 2.2 مليار دولار في 2022، في حين أنه من المقرر أن تُطرح خمسة اكتتابات أخرى على الأقل هذا العام.

نشاط الاكتتاب خلال الربع الأول

وفقاً لتقرير «برايس ووترهاوس كوبرز» عن الاكتتابات العامة العالمية للربع الأول من 2023، استحوذت الصين على نصف عائدات الاكتتاب على مستوى العالم خلال الربع الأول من 2023 بقيمة 13 مليار دولار، في حين حصلت الولايات المتحدة على نصيب بلغ 12 في المئة فقط، بقيمة ثلاثة مليارات دولار.

وتفوقت الإمارات العربية المتحدة على الولايات المتحدة الأميركية في سوق الاكتتاب هذا الربع مدعومة بنموها الاقتصادي وعمليات الخصخصة التي دعمت أسواق الاكتتاب على مستوى المنطقة، وفقاً للتقرير.

وقالت «برايس ووترهاوس كوبرز» في التقرير إن إندونيسيا ظهرت بشكل غير معتاد كواحدة من أقوى المنافسين في سوق الاكتتاب، بدفعة من الطلب المتزايد على المعادن المستخدمة في بطاريات السيارات الكهربائية.

تباطؤ الاكتتاب العالمي قد يكون سبباً

يمكن تفسير جزء من نجاح الاكتتاب العام في إندونيسيا هذا العام من خلال الأداء الضعيف في أماكن أخرى.

إذ انسحب المستثمرون من أسواق الأسهم خلال العام الماضي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة الذي أدى بدوره إلى ارتفاع تكلفة رأس المال. وفي حديثه قال لي إن أكبر سوق في العالم، وهي السوق الأميركية، عانت العام الماضي بسبب اعتمادها على شركات التكنولوجيا شديدة الحساسية لسعر الفائدة، في حين تأثرت سوق هونغ كونغ بسبب التقييمات الضعيفة من ناحية، وبسبب تبعات الإغلاق شديد الصرامة خلال الجائحة من ناحية أخرى.

ولكن أداء إندونيسيا القوي هذا العام يستند أيضاً إلى مزاياها المحورية؛ إذ إن العديد من الشركات التي تُطرح للاكتتاب العام كانت منتجة للمعادن، مدعومة بازدهار أسعار السلع الأساسية العام الماضي.

وتمتلك إندونيسيا ما يقرب من ربع احتياطيات العالم من النيكل، ولا تساويها سوى ثروات أستراليا، كما توجد بها رواسب ضخمة من الكوبالت والنحاس، وتُستخدم المعادن الثلاثة في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، كما أن النحاس أيضاً هو مادة أساسية في صناعة الألواح الشمسية، ويدخل الكوبالت كجزء أساسي من صناعة المغناطيسات المستخدمة في توربينات الرياح.

كانت شركة التعدين «هاريتا نيكل» الإندونيسية جمعت 660 مليون دولار في أول ظهور لها في السوق الشهر الماضي، وهو أكبر إدراج في إندونيسيا حتى الآن هذا العام، ومن المتوقع أن تجمع شركة «أمّان المعدنية الدولية»، وهي شركة تعدين إندونيسية للذهب والنحاس، مليار دولار عند إدراجها في وقت لاحق من هذا العام، حسب «ديلوجيك».

دور الحكومة في جذب الاستثمارات إلى إندونيسيا

كان للحكومة الإندونيسية دور كبير في جذب المستثمرين، عن طريق تسريع وتيرة خصخصة الشركات المملوكة للدولة، من خلال الاكتتابات العامة، وتشجيع منتجي البطاريات الأجانب على الاستثمار في البلاد.

كما حاولت إنشاء تكتل من الدول المصدرة للنيكل، على غرار منظمة البلدان المصدرة للبترول «أوبك»، إلا أن هذه المحاولة لم تفلح حتى الآن.

قال رودريك سنيل مدير الاستثمار في الأسواق الناشئة في شركة «بيلي جيفورد» لـ(CNN)، إن «جزءاً كبيراً» من الاكتتابات العامة في إندونيسيا هذا العام جاء من إدراج شركات مملوكة للدولة، وأضاف «مع مرور الوقت يؤدي إدراجها إلى تحسين كفاءتها، ما سينعكس على زيادة الاستثمارات بشكل لم نشهده من قبل في البلد».

منذ انتخابه عام 2014، فرض الرئيس جوكو ويدودو العديد من عمليات حظر التصدير على السلع الخام كطريقة لإجبار الشركات الأجنبية على معالجة المواد داخل البلاد، وجذب الاستثمار من الخارج، وتعزيز قيمة المنتج النهائي.

كانت الحكومة حظرت تصدير خام النيكل، عام 2020، كما تخطط لفرض حظر على شحنات النحاس وخامات الحديد والألمنيوم.

وأثمرت هذه الخطة، إذ بلغ إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في إندونيسيا 44 مليار دولار، عام 2022، وهو أعلى مستوى سنوي على الإطلاق بنسبة زيادة 44 في المئة على العام الذي سبقه، وفقاً لبيانات من مجلس تنسيق الاستثمار الإندونيسي، وذهب معظم هذا الاستثمار إلى قطاع المعادن في البلاد.

أعمدة أخرى يتكئ عليها الاقتصاد الإندونيسي

معادن الدولة ليست هي الجاذب الوحيد للمستثمرين، فقد نما الناتج الاقتصادي لإندونيسيا بمعدل 4.3 في المئة خلال العقد الماضي، كما أنها تعتبر رابع أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان -يوفر لها عدداً هائلاً من الشباب- ويبلغ 274 مليون نسمة.

كما أن الطبقة الوسطى في إندونيسيا تتنامى بقدرة شرائية تستطيع التأثير على الأسواق، فوفقاً للبنك الدولي، تضاعف عدد الإندونيسيين الآمنين اقتصادياً ثلاث مرات بين عامي 2002 و2016 ليصل إلى إلى 52 مليوناً، تمثل هذه المجموعة الآن ما يقرب من نصف الاستهلاك المحلي.

كما حسّنت الدولة اللوائح المحلية بشكل يُسهّل على الشركات الامتثال لها.

آنا كوبان (CNN)

شاركت في التغطية أميرة العربي (CNN الاقتصادية)