تواجه عملة هونغ كونغ امتحاناً هو الأصعب منذ الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008، إذ لا تزال المقاطعة البريطانية السابقة تربط قيمة عملتها بالدولار الأميركي، باتفاق يرجع إلى أربعة عقود تقريباً، ويُنظر إليه كضمان للاستقرار المالي، ولكن خلال الأشهر الأخيرة، اضطُر البنك المركزي إلى شراء كم هائل من الدولارات لضمان استمرار الربط بالدولار الأميركي.
يستغل التجار حالة عدم اليقين بشأن مستقبل هونغ كونغ كمركز مالي دولي، والاختلافات في أسعار الفائدة بين المدينة والولايات المتحدة، كما تعمل التوترات الجيوسياسية، وخاصة قبضة بكين المتشددة، على تقويض توقعاتها على المدى الطويل كمركز مالي عالمي.
انخفاض حاد
انخفض إجمالي رصيد هونغ كونغ، وهو مقياس لمستويات السيولة في النظام المصرفي، بسرعة خلال العام الماضي، إذ خسر أكثر من 90 في المئة منذ عام 2021، ليصل إلى 44.76 مليار دولار هونغ كونغ (5.7 مليار دولار أميركي) يوم الاثنين، فيما يعد أقل مستوى له منذ نوفمبر كانون الثاني 2008.
يعتبر الانخفاض الحاد علامة على تخلي المستثمرين عن دولار هونغ كونغ، فعلى الرغم من امتلاك المدينة احتياطيات أجنبية وفيرة، لم تهدأ مخاوف السوق.
ويحث بعض المحللين المسؤولين في المدينة على التخلي تماماً عن الدولار الأميركي، إذ كتب الاقتصادي المستقل آندي شي الشهر الماضي، أن ربط دولار هونغ كونغ بالدولار الأميركي أمر غير مستدام، مشيراً إلى انقياد هونغ كونغ بالسياسة النقدية الأميركية بشكلٍ متزايد، وأضاف «تزايد الطلب العالمي على اليوان الصيني يعني أن ارتباط دولار هونغ كونغ به سيعزز ثرواتها».
لماذا رُبطت عملة هونغ كونغ بالدولار الأميركي؟
منذ نحو أربعين عاماً، تسببت المفاوضات بين الصين وبريطانيا بشأن مستقبل المدينة في ذعر المستثمرين، ما أدّى إلى تدفقات كبيرة إلى خارج المدينة، وانخفاض حاد في قيمة دولار هونغ كونغ.
كان الهبوط مفاجئاً وشديداً لدرجة أن المسؤولين قرروا فرض أقوى أشكال أنظمة سعر الصرف الثابت، وتثبت السلطات المسؤولة عن تنظيم النظام النقدي في هونغ كونغ سعر صرف الدولار الأميركي مقابل دولار هونغ كونغ بين 7.75 و7.85 للدولار، فعندما تتجاوز العملة المحلية هذه الحدود صعوداً أو هبوطاً، تتدخل السلطات من خلال شراء أو بيع دولارات هونغ كونغ في سوق العملات، للحفاظ على سعر الصرف المحدد.
أين تكمن المشكلة؟
بالفعل كانت نتائج القرار على اقتصاد المدينة جيدة، إذ ساعدها على الصمود خلال عدد من الأزمات، ولكن بيع الدولار الأميركي لشراء دولارات هونغ كونغ، والعكس، يسحب النقود من النظام المصرفي، ما يقلل الرصيد الإجمالي للمدينة وبالتالي يؤدي إلى رفع أسعار الفائدة.
فمنذ مايو الماضي، لامست العملة 7.85 (الحد الأدنى المسموح به)، أكثر من 40 مرة، ما دفع السلطات إلى شراء ما يقرب من 289 مليار دولار هونغ كونغ (37 مليار دولار أميركي) من البنوك لتعزيز قيمتها، وفقاً للإحصاءات الصادرة عن السلطة مطلع الشهر الماضي.
من ناحية أخرى، ضغطت أسعار الفائدة الأميركية على عملة هونغ كونغ، خلال الثمانية عشر شهراً الماضية، إذ شجّعت الزيادات الصارمة في أسعار الفائدة الأميركية التجار على اقتراض دولارات هونغ كونغ واستخدامها لشراء الأصول بالدولار الأميركي لتحقق فائدة أعلى.
يرى المحللون أن تخلف هونغ كونغ عن رفع الفائدة هو السبب الرئيسي وراء الأزمة في حين أن رفع الفائدة سيعوق اقتصاد المدينة خلال محاولات تعافيه من قيود الجائحة.
هل اليوان خيار أفضل؟
يرى المحلل الاقتصادي المستقل آندي تشي، أن ربط دولار هونغ كونغ باليوان يمكن أن يؤدي إلى استقرار أسواق هونغ كونغ، لأنه من المتوقع أن تظل أسعار الفائدة الصينية أقل من معدلات الفائدة الأمريكية بسبب انخفاض التضخم.
وأضاف أن التمسك بالدولار الأميركي سيعني استمرار التعرض للتقلبات بسبب التضخم الراسخ في الاقتصاد الأميركي الآن، كما أن رفع الفائدة الأميركية قد يدمر سوق العقارات في هونغ كونغ، وفقاً لتشي.
وجادل تشي بأن ربط عملة المدينة ب اليوان الصيني المرتفع، من ناحية أخرى، سيتسبب في «إضافة كبيرة»، إذ سترتفع حصة اليوان في المدفوعات العالمية واحتياطيات العملة.
هل تربط هونغ كونغ عملتها باليوان؟
باختصار، ليس بعد، بحسب مسؤولين وكثير من المحللين.
قال إيدي يو، الرئيس التنفيذي لهيئة أسواق المال في أوائل مايو أيار، إنه حتى مع انخفاض الرصيد الكلي الإجمالي للمدينة، لم يكن لدى البنوك المحلية أي مشكلات مع السيولة.
وأضاف أن البنوك لديها أكثر من 154 مليار دولار من الضمانات التي يمكن استخدامها للحصول على السيولة من هيئة أسواق المال عند الضرورة، كما يمكن لمسؤولي هونغ كونغ الاستفادة من احتياطيات العملات الأجنبية الرسمية بقيمة 427 مليار دولار.
وقال جون غرينوود، الذي يعتبر المسؤول الأول عن ربط عملة المدينة بالدولار بالأساس، إن التخلي عن الربط سيضر بدور المدينة كمركز مالي دولي، وقال لـ«CNN» «لا تزال نسبة كبيرة من المعاملات التجارية والرأسمالية في آسيا مقومة بالدولار الأمريكي».
لورا خه (CNN)