يوجه محافظو البنوك المركزية حول العالم رسالة مفادها أن التباطؤ أو الثبات حيال أسعار الفائدة لن يجدي في المعركة ضد التضخم.

وقال أندرو بيلي محافظ بنك إنجلترا بعد رفع أسعار الفائدة بشكل غير متوقع بمقدار نصف نقطة مئوية يوم الخميس، «إذا لم نرفع أسعار الفائدة الآن، فيمكن أن يظل التضخم المرتفع معنا لفترة أطول».

وعلى الرغم من تباطؤ التضخم في العديد من البلدان بعد أكثر من عام من ارتفاع أسعار الفائدة، فإنه لا يزال أعلى من مستوى 2 في المئة الذي تستهدفه العديد من البنوك المركزية.

ويعد رفع أسعار الفائدة هو الأداة الأساسية التي يمتلكها محافظو البنوك المركزية لخفض التضخم، ولكن في الوقت نفسه، تشير الأبحاث إلى وجود تأثير تأخر لمدة 12 شهراً على الأقل من وقت تصرف البنك المركزي إلى وقت الشعور بإجراءاته عبر الاقتصاد، لهذا السبب أوقف الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة مؤقتاً في اجتماعه في يونيو بعد 10 زيادات متتالية منذ مارس آذار الماضي، ومع ذلك يشير العديد من مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي إلى أن أسعار الفائدة قد ترتفع مرة أخرى الشهر المقبل لأنهم، مثل بيلي، لا يريدون المخاطرة بفقدان سيطرتهم على التضخم إذا لم يتحركوا الآن.

المنعطف الحرج في رحلة أسعار الفائدة والتضخم

يتمتع المصرفيون المركزيون بتوازن دقيق للغاية، ولفترة من الوقت بدا الأمر كما لو أنهم يستطيعون رفع أسعار الفائدة دون الإضرار بالاقتصاد بشكل كبير، لكن الوقت الآن يمر ومع استمرار ارتفاع التضخم عما يودون أن يكون عليه، فإن مخاطر رفع سعر الفائدة المستمر تتساوى مع عدم القيام بذلك.

شبهت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، مؤخراً رفع أسعار الفائدة بطائرة متجهة إلى وجهة معينة، إذ قالت في خطاب ألقته في وقت سابق من هذا الشهر، «في البداية، تحتاج الطائرة إلى الصعود بشكل حاد والإقلاع بسرعة»، ولكن مع اقترابها من الارتفاع المستهدف، يمكنها تقليل اندفاعها والاحتفاظ بسرعتها الجوية المستقرة، تحتاج الطائرة إلى الصعود عالياً بما يكفي للوصول إلى وجهتها، ولكن ليس بارتفاع يتجاوز الحد المطلوب.

وقالت لاغارد قبل أسبوعين من رفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية، «لا تزال الطائرة ترتفع وستستمر في التحرك لأعلى حتى نصل إلى السرعة الكافية للتحليق بشكل سلس والوصول إلى وجهتنا»، وقد ارتفعت أسعار المستهلكين في الدول العشرين التي تستخدم اليورو بنسبة 6.1 في المئة في مايو أيار، منخفضة عن النسبة السابقة التي مثلت 7 في المئة قبل شهرٍ واحد.

هناك طريقة أخرى لتفسير تشبيه لاغارد، وهي أنه إذا لم تصعد الطائرة عالياً بدرجة كافية لتصل إلى ارتفاع آمن، فقد تواجه اضطرابات لا داعي لها تمنعها من الوصول إلى وجهتها المرجوة أي نسبة 2 في المئة للتضخم، وهذا بالضبط ما يقلق محافظي البنوك المركزية.

التضخم الثابت يمكن أن يستمر

أحد الأسباب التي جعلت البنوك المركزية تكافح من أجل خفض التضخم هو أن أجزاء معينة من الاقتصاد لا تستجيب لارتفاع أسعار الفائدة، فعلى سبيل المثال ارتفعت أسعار الخدمات في الولايات المتحدة باستثناء الطاقة بنسبة 6.6 في المئة مقارنة بالعام الماضي، وفقاً لبيانات مؤشر أسعار المستهلك لشهر مايو أيار، بينما ارتفعت أسعار العام الماضي بنسبة 5.2 في المئة مقارنة بعام 2021، إذ أصبح من الواضح أن أسعار الخدمة المرتفعة ثابتة.

يصبح من الصعب على البنوك المركزية أن تضغط على التضخم وتحتويه عندما يصبح ثابتاً أو مرتفعاً باستمرار، وتعد المسألة هي مدى الألم الذي يرغبون في إلحاقه بالاقتصاد من خلال رفع أسعار الفائدة للوصول بالتضخم إلى المستوى المطلوب.

قال مايكل بوردو، أستاذ الاقتصاد ومدير مركز التاريخ النقدي والمالي في جامعة روتجرز، إن اتخاذ وقت طويل للوصول لهذا القرار له عواقبه الخاصة، إذ أوضح لشبكة سي إن إن قائلاً، «كلما طال انتظارهم في رفع أسعار الفائدة، تطلب الأمر مزيداً من التضييق لإعادة التضخم إلى الانخفاض»، وذلك لأن الأبحاث تشير إلى أن التضخم قد يصبح أكثر صعوبة، إذا لم تتم معالجته، إذ يمكن أن تواجه البنوك المركزية إشكالية ضخمة في السيطرة عليه من خلال رفع أسعار الفائدة.