كان هاني برزي، رئيس المجلس التصديري للصناعات الغذائية المصري، يمني النفس بأن تستفيد صادراته من تراجع سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار منذ مارس/ آذار الماضي، إلا أنه اصطدم بواقع الارتفاع الشديد في تكلفة الإنتاج.

يقول برزي لـ «سي أن أن الاقتصادية» «إن تكلفة إنتاج السلع أصبحت أعلى بكثير، والتهمت كل المميزات التي حصلنا عليها من تراجع العملة، وبالفعل تراجع الجنيه زاد التنافسية على سلعنا لكن التكلفة ارتفعت والدولار ارتفع».

عادة ما تستفيد السلع والخدمات من تراجع عملة البلد، إذ تجعلها أكثر تنافسية بالنسبة لسعرها في الخارج مقابل أسعار السلع المماثلة في البلدان الأخرى.

وخفّضت مصر العملة مرتين، في مارس /آذار ثم في أكتوبر /تشرين الأول، ليبلغ سعر صرف الجنيه حاليًا نحو 24.74 جنيهاً للدولار، من مستوى عند حوالي 15.6 جنيهاً قبل خفض مارس/ آذار. وهو مستوى لم يكد يبارحه منذ نوفمبر /تشرين الثاني 2020.

لكن خفض الجنيه كان سببًا في قفزة كبيرة بمعدلات التضخم في مصر، إذ تشير آخر بيانات إلى ارتفاع معدل التضخم السنوي بالمدن المصرية خلال نوفمبر /تشرين الثاني إلى 18.7 في المئة بينما سجل التضخم الشهري 2.3 في المئة، وفقًا لبيانات جهاز المركزي للإحصاء.

يرى علي عيسى، أحد مصدّري الحاصلات الزراعية في مصر، أنه كان من المفترض أن يكون تراجع الجنيه علامة جيدة للصادرات المصرية التي ستنفذ لأسواق كثيرة بسب تنافسية سعرها في الظروف الطبيعية، لكن الظروف الحالية محت الأثر الإيجابي بالنسبة للصادرات.

يعدّد عيسى التحديات التي تواجه المصدّرين حاليًا، ومنها الزيادة الكبيرة في جميع مستلزمات الإنتاج والخدمات والنقل، إلى جانب صعوبة الحصول على المواد الأولية من الخارج بسبب نظام الاعتمادات المستندية.

منذ مارس /آذار الماضي، تعتمد مصر نظامًا للاستيراد يسمى الاعتمادات المستندية الذي يشترط أن يوفر البنك العملة الصعبة للمستورد، وهو ما تسبب في أزمة كبيرة بين المستوردين لعدم تمكن البنوك من فتح هذه الاعتمادات للاستيراد نتيجة النقص الحاد في العملة الأجنبية التي تعاني منه مصر.

وتعهدت مصر لصندوق النقد الدولي أن تلغي هذا النظام بنهاية العام الجاري في سبيل الحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار.

وساهم شح مواد الخام بالنسبة للمنتجين والمستوردين في ارتفاع التكلفة رغم ارتفاع قيمة الصادرات لبعض القطاعات.

وبحسب ماري لويس، رئيس المجلس التصديري للملابس الجاهزة المصري، فإن صادرات القطاع حققت زيادة بنحو 32 في المئة خلال العام الجاري لتسجل 2.4 ملياري دولار مقارنة بالعام الماضي، لكن في المقابل ارتفعت تكلفة إنتاج قطعة الملابس بنفس نسبة زيادة سعر الدولار مقابل الجنيه خلال الفترة الماضية.

وهو ما يؤكده عيسي قائلًا: «إذا حسبنا ذلك بالجنيه المصري، ستكون الصادرات تضاعفت لكن هذا لا يعني زيادة في القيمة التصديرية لأن التكلفة زادت ولم يعد هناك هامش ربح».

وتشير آخر بيانات لوزارة التجارة والصناعة المصرية إلى ارتفاع صادرات مصر غير النفطية بنسبة 14.1 في المئة خلال التسعة أشهر الأولى من العام الجاري لتسجل 26.9 مليار دولار.

شح الخامات

وتضاف إلى مشكلة ارتفاع التكاليف الشح الكبير في الخامات نظرًا لتوقف حركة الاستيراد بسبب نظام الاعتمادات المستندية وندرة الدولار، وهو ما يزيد الضغوط على المصدرين.

اضطر برزي إلى استخدام المخزون الخاص به نظرًا لعدم توافر المواد الأولية للصناعة، إذ يقول «أصبح تدبير الخامات بالنسبة للصناعة مشكلة كبيرة وبالتالي تأثر حجم الإنتاج وهو ما سيؤثر على الكميات المصدرة في ما بعد، ولجأنا إلى استخدام المخزونات الخاصة بنا لكن هذا الأمر لن يستمر طويلًا إذ ستنفذ هذه المخزونات».

وتشير بيانات مؤشر مديري المشتريات الرئيسي «PMI» الخاص بمصر والتابع لمؤسسة « أس أند بي غلوبال» والذي يقيس أوضاع القطاع الخاص في مصر، إلى أن بعض الشركات لجأت خلال شهر نوفمبر /تشرين الثاني إلى المخزون القديم تلبية الطلب على مستلزمات الإنتاج.

في المقابل، كان لدى بعض الشركات مخرج بعد أن تمكنت من أن تستورد مستلزمات إنتاجها وقطع الغيار والماكينات التي تحتاجها من العملة الصعبة المتوفرة لها نتيجة الصادرات، وفقًا لعيسى.

وكان البنك المركزي سمح للشركات من ضمن نظام الاعتمادات المستندية أن تستورد ما تحتاجه إذا كان الدولار الذي ستستورد به من حصيلة الصادرات الخاصة به ولن تحتاج لتوفيره من البنوك.

لكن ماري لويس ترى أن استيراد المواد الأولية يعني خروج الدولار التي حصلت عليه الشركات من التصدير مرة أخرى للخارج في ظل أزمة حادة في العملة، وتقول: «نخطط حاليًا لتوطين صناعة بعض المواد الأولية التي نحتاجها حتى لا نظل نستوردها من الخارج».

وفي ظل هذه الأزمات، لا يتوقع برزي من جهته زيادة في صادرات قطاع المواد الغذائية الذي يمثله بنهاية العام الجاري، آملًا أن يحافظ على ما حققه القطاع العام الماضي والتي تخطت 4 مليارات دولار.

بينما يأمل عيسى أن تستقر الأوضاع الاقتصادية في مصر ويساهم تراجع العملة إيجاباً على الصادرات التي تعد مصدرًا رئيسيًا للعملة الصعبة في مصر.