أضر تقرير الوظائف في يوليو بسمعة سوق العمل القوية في أميركا في سنوات ما بعد جائحة كورونا، إذ ارتفع معدل البطالة إلى 4.3 في المئة، وهو أعلى مستوى في ثلاث سنوات.

وأدّى التقرير إلى إحراج الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بعد أن أبقى أسعار الفائدة بالقرب من أعلى مستوى لها في ربع قرن في وقتٍ سابق من هذا الأسبوع، وهو أمر مُضر بالتوظيف، وبالنسبة للمستهلك الأميركي العادي، قد يكون الألم الاقتصادي مقبلاً مع تباطؤ التوظيف، ولكن الجانب المشرق أن التقرير سيُعجل من خفض أسعار الفائدة، ما يسهّل الحصول على المنازل ويخفّض تكلفة بطاقات الائتمان.

كان أحدث تقرير حكومي للوظائف يوم الجمعة أقل بكثير من التوقعات، إذ أضاف أصحاب العمل 114 ألف وظيفة فقط في يوليو، مقارنة بـ175 ألف وظيفة توقعها خبراء الاقتصاد في استطلاع فاكت ست، كما تشهد رواتب الموظفين ركوداً، إذ استمر التباطؤ في نمو الأجور في يوليو تموز مسجّلاً أضعف معدل سنوي له منذ مايو أيار 2021، وبهذا يكون سوق العمل، المحرك الرئيسي للاقتصاد الأميركي قد فقد قوته، وهناك أسباب أخرى للقلق مع بصيص أمل.

مخاوف الركود الاقتصادي

أدّى ارتفاع معدل البطالة في يوليو رسمياً إلى تفعيل «قاعدة ساهم»، وهو مؤشر ركود معروف طوّرته الخبيرة الاقتصادية الأميركية كلوديا ساهم، التي عملت لدى الاحتياطي الفيدرالي أكثر من عقد من الزمان.

تفترض القاعدة أنه كلما ارتفع معدل البطالة كمتوسط ​​لمدة ثلاثة أشهر بمقدار 0.5 نقطة مئوية من أدنى نقطة في الأشهر الـ12 الماضية، فهذا يعني أن الاقتصاد في العلامات المبكرة للركود.

ومنذ يناير كانون الثاني ارتفع معدل البطالة بنسبة 0.6 نقطة مئوية، وهو ارتفاع سريع جداً.

ولكن لا يزال بعض خبراء الاقتصاد يشعرون بالثقة بشأن فرص الاقتصاد الأميركي في التخلص من التضخم المرتفع دون ركود، وهو إنجاز نادر للغاية يُعرف باسم الهبوط الناعم، والذي حدث مرة واحدة فقط في التسعينيات.

وقال كبير خبراء الاقتصاد لدى بنك أوف أميركا، مايكل غابن «لا يزال الهبوط الناعم هو النتيجة الأكثر ترجيحاً».

هبوط جماعي للأسهم

تسبب تقرير التوظيف المخيب للآمال يوم الجمعة في عمليات بيع جماعية في وول ستريت، إذ هبطت جميع مؤشرات الأسهم الرئيسية الثلاثة.

أغلق مؤشر داو جونز منخفضاً 612 نقطة أو 1.5 في المئة في حين انخفض مؤشر ناسداك المركب الذي تغلب عليه أسهم التكنولوجيا بنسبة 2.4 في المئة، وانخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 1.8 في المئة.

ولم يكن المستثمرون خائفين من البيانات الاقتصادية الأضعف من المتوقع في الأشهر الأخيرة، لأن بعض الضعف يعني أن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يبدأ قريباً بخفض أسعار الفائدة خوفاً من الركود.

ويريد المستثمرون أن تنخفض أسعار الفائدة لأن التضخم تراجع بصورة كافية، ويرى بعض المستثمرين أن مزاج وول ستريت السيئ يوم الجمعة قد يكون مبالغاً فيه.

وقال المسؤول بشركة ترويست، كيث ليرنر «يبدو الأمر مذعوراً بعض الشيء، وهذا بسبب أن السوق لديه الكثير من الأشياء التي يجب هضمها في وقتٍ واحد».

محرك الاقتصاد الأميركي قد يبدأ بالانهيار

يشكّل الإنفاق الاستهلاكي نحو 70 في المئة من الاقتصاد الأميركي ويتأثر بشدة بحالة سوق العمل، فإذا كان الأميركيون يواجهون صعوبة في العثور على وظيفة جديدة، فسيضطرون إلى الإنفاق بحذر أكبر أو خفض الإنفاق بشكل مباشر.

لم يضعف الطلب الاستهلاكي حتى الآن، على الرغم من مواجهة أعلى أسعار فائدة منذ أكثر من عقدين من الزمان، وأظهر تقرير الأسبوع الماضي عن الناتج المحلي الإجمالي أن مؤشر الطلب في الاقتصاد ارتفع في الربع (أبريل إلى يونيو 2024)، مقارنة بالفترة السابقة (يناير إلى مارس 2024)، ولكن إذا استمر سوق العمل في التراجع فقد يبدأ الاستهلاك، محرك الاقتصاد الأميركي، بالانهيار.

وقال كبير خبراء الاقتصاد لدى إف دبليو دي بوندز، كريس روبكي في مذكرة «قد يؤدي ارتفاع معدلات البطالة إلى جر الاقتصاد بأكمله إلى الحضيض».

بصيص أمل للاقتصاد الأميركي

إن الجانب المشرق الوحيد في تقرير الوظائف هو أنه عزز بشكلٍ أساسي احتمالات أول خفض لأسعار الفائدة في سبتمبر أيلول المقبل، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض تكاليف الاقتراض على كل شيء من الرهن العقاري وقروض السيارات إلى بطاقات الائتمان.

وقال أحدث بيان لبنك الاحتياطي الفيدرالي يوم الأربعاء إن البنك المركزي يحذّر من مخاطر على سوق العمل الأميركية، وأشار إلى أن التضخم أصبح أقل إثارة للقلق في الأشهر الأخيرة.

وهذا التحول في النظرة إلى الاقتصاد يمهد الطريق أمام الاحتياطي الفيدرالي للبدء في خفض تكاليف الاقتراض في أقرب وقت ممكن.