أشار مؤشر «ساهم»، الذي نبّه إلى جميع حالات الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة منذ عام 1949، إلى تحذير في يوليو تموز الماضي وسط تقرير وظائف ضعيف.

وفي عالم الاقتصاد، تعد الإشارات المبكرة للركود الاقتصادي أمراً حاسماً لاتخاذ قرارات مدروسة بشأن السياسات والاستراتيجيات، ومن بين الأدوات المتاحة لرصد هذه الإشارات يبرز مؤشر «ساهم» كمؤشر رئيسي وموثوق، خاصة بعد تطويره في عام 2019 على يد الخبيرة الاقتصادية كلوديا ساهم، وقد أثبت هذا المؤشر قدرته على تقديم تحذيرات مبكرة حول احتمالات حدوث ركود اقتصادي.

وذلك من خلال تتبع التغيرات الطفيفة في معدل البطالة مقارنة بأدنى مستوياته خلال 12 شهراً، يوفر مؤشر «ساهم» إشارات دقيقة قد تساعد صانعي السياسات والاقتصاديين في استباق الأزمات الاقتصادية.

وينص هذا المؤشر على أنه عندما يرتفع متوسط معدل البطالة في الولايات المتحدة على مدار ثلاثة أشهر بمقدار 0.5 نقطة مئوية من أدنى مستوى له خلال 12 شهراً، فإن الولايات المتحدة تكون بالفعل في حالة ركود، ومع ذلك قد يكون هذا التحذير مبالغاً فيه نظراً لديناميات سوق العمل الفريدة التي تشهدها اليوم.

هل يشير «ساهم» لركود في أميركا؟

حالياً، يشير مؤشر ساهم إلى احتمالية حدوث ركود اقتصادي، كما يتضح من بيانات يوليو 2024، المؤشر سجل 0.53 نقطة مئوية مع معدل بطالة قدره 4.3%، وهو ما يطابق معايير التفعيل التي تشير إلى احتمال حدوث ركود.

ويشير التقرير الأخير من بنك أميركا إلى أن مؤشر ساهم يشير إلى تدهور محتمل في الاقتصاد الأميركي، والخبراء في البنك يعبرون عن قلقهم من أن الزيادة في معدل البطالة، رغم كونها طفيفة، قد تكون علامة على بداية ركود اقتصادي.

وبحسب تحليلات الاحتياطي الفيدرالي، تعتبر زيادة معدل البطالة بنحو 0.5 نقطة مئوية من أدنى مستوى له خلال 12 شهراً مؤشراً مهماً على ضغوط اقتصادية قد تسبق الركود، لكنهم يلفتون إلى أن الظروف الحالية في سوق العمل قد تؤثر على تفسير هذه الإشارات، ويشيرون إلى أن التغيرات الديموغرافية والاقتصادية قد تجعل هذه الإشارات أقل موثوقية مقارنةً بالسنوات السابقة.

لكن من المهم مراعاة أن مؤشر ساهم هو أداة واحدة ضمن مجموعة من المؤشرات الاقتصادية التي يجب أخذها بعين الاعتبار، فالظروف الحالية في سوق العمل الأميركي، بما في ذلك الزيادة في عدد العمال المهاجرين وغيرهم من العوامل، قد تؤثر على مدى دقة هذا المؤشر في التنبؤ بالركود، لذا يجب متابعة التطورات الاقتصادية الأخرى وتحليلها جنباً إلى جنب مع مؤشر ساهم للحصول على صورة أكثر شمولاً.

ونستعرض فيما يلي دور مؤشر ساهم وأهميته في تنبؤ الركود، مع تحليل لحالات تفعيل المؤشر عبر التاريخ وكيفية تفسير هذه الإشارات في ضوء الديناميات الاقتصادية الحالية، استناداً إلى بيانات من الاحتياطي الفيدرالي.

متى تم تفعيل مؤشر ساهم؟

تم تفعيل مؤشر ساهم في عدة مناسبات عبر التاريخ، مشيراً إلى حالات الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة، في مارس 1949 وصل مؤشر ساهم إلى 1.1 نقطة مئوية، في حين كان معدل البطالة 5.0%، وقد حدث الركود في نوفمبر 1948، أي قبل 4 أشهر من تفعيل المؤشر.

في نوفمبر 1953 تجاوز المؤشر عتبة 0.63 نقطة مئوية، بينما كان معدل البطالة 3.5%، الركود في هذه الفترة بدأ في يوليو 1953، أي قبل 4 أشهر من التفعيل، وفي أكتوبر 1957 سجل المؤشر 0.50 نقطة مئوية مع معدل بطالة بلغ 4.5%، وقد بدأ الركود في أغسطس 1957، قبل شهرين فقط من التفعيل.

وفي نوفمبر 1959، كان مؤشر ساهم عند 0.60 نقطة مئوية ومعدل البطالة 5.8%، الركود بدأ في أبريل 1960، أي بعد 5 أشهر من التفعيل، في مارس 1970 سجل المؤشر 0.77 نقطة مئوية، وكان معدل البطالة 4.4%، الركود في تلك الفترة بدأ في ديسمبر 1960، أي قبل 3 أشهر من التفعيل.

وفي يوليو 1974 بلغ المؤشر 0.60 نقطة مئوية مع معدل بطالة قدره 5.5%، الركود بدأ في نوفمبر 1973، أي قبل 8 أشهر من تفعيل المؤشر، في فبراير 1980 سجل المؤشر 0.53 نقطة مئوية، بينما كان معدل البطالة 6.3%، الركود حدث في يناير 1980، أي قبل شهر واحد من التفعيل.

أما في نوفمبر 1981 فقد كان مؤشر ساهم عند 0.60 نقطة مئوية مع معدل بطالة قدره 8.3%، وقد بدأ الركود في يوليو 1981، أي قبل 4 أشهر من تفعيل المؤشر، وفي أكتوبر 1990 كان المؤشر عند 0.57 نقطة مئوية مع معدل بطالة بلغ 5.9%، الركود في تلك الفترة بدأ في يوليو 1990، أي قبل 3 أشهر من التفعيل.

في يونيو 2001 سجل المؤشر 0.50 نقطة مئوية، وكان معدل البطالة 4.5%، وقد حدث الركود في مارس 2001، أي قبل 3 أشهر من التفعيل، وفي فبراير 2008 سجل المؤشر 0.53 نقطة مئوية ومعدل بطالة بلغ 4.9%، الركود بدأ في ديسمبر 2007، أي قبل شهرين من تفعيل المؤشر.

أخيراً، في أبريل 2020 بلغ مؤشر ساهم 4.00 نقاط مئوية مع معدل بطالة قدره 14.8%، وقد بدأ الركود في فبراير 2020، أي قبل شهرين من تفعيل المؤشر، أما في يوليو 2024 فقد سجل المؤشر 0.53 نقطة مئوية مع معدل بطالة بلغ 4.3%، ولكن الركود في هذه الفترة غير معروف بعد.

وكانت هناك مرة واحدة فقط تم فيها تفعيل مؤشر ساهم خارج إطار الركود في عام 1959، حيث حدث الركود بعد خمسة أشهر.

من الجدير بالذكر أيضاً أن معدل البطالة الفعلي لا يكون مهماً عادةً، وبدلاً من ذلك فإن التغير من أدنى مستوى له خلال 12 شهراً هو الذي يكون له أكبر تأثير على ديناميات الركود، ويمكن أن يرجع ذلك إلى العوامل الديموغرافية التي تؤثر على معدل البطالة بمرور الوقت، مثل الشيخوخة السكانية، بالإضافة إلى ذلك يمكن أن يؤدي معدل التغير إلى تحول الديناميات الاقتصادية بسرعة، ويمكن أن تؤدي زيادة عدد العاطلين عن العمل إلى ضعف الطلب الاستهلاكي، ما يؤدي بدوره إلى ارتفاع معدل البطالة.

بينما كان معدل البطالة قريباً من أدنى مستوياته التاريخية، فقد ارتفع قليلاً بسبب طبيعة قوة العمل الأميركية اليوم، في عام 2024 يرجع ارتفاع معدل البطالة إلى توسع القوة العاملة، الذي يقوده جزئياً العمال المهاجرون إلى أميركا الذين لم يجدوا وظائف بعد.

ومن الجدير بالذكر أن تدفق الداخلين العاطلين عن العمل إلى سوق العمل هو ما يدفع نصف هذه الزيادة في النقاط المئوية، ما ينبه مؤشر ساهم، في المقابل شهدت حالات الركود السابقة ارتفاعاً في معدل البطالة مدفوعاً بالفصل من العمل.

أهمية مؤشر ساهم

يعطي المؤشر إشارات مبكرة للركود، فمؤشر ساهم يوفر إشارات مبكرة حول احتمالية حدوث ركود اقتصادي، من خلال تتبع التغيرات في معدل البطالة مقارنة بأدنى مستوى له على مدار 12 شهراً، يمكن للمؤشر تنبيه الاقتصاديين وصانعي السياسات حول تدهور محتمل في الظروف الاقتصادية.

ويتميز المؤشر بكونه أداة تحليلية بسيطة وسهلة الاستخدام، لا يتطلب بيانات معقدة أو حسابات متقدمة، بل يعتمد على تحليل التغيرات في معدل البطالة، ما يجعله مفيداً لمجموعة واسعة من المحللين وصانعي السياسات.

والمؤشر له تاريخ طويل من الدقة منذ تطويره في عام 2019، وأثبت مؤشر ساهم فعاليته في تقديم إشارات دقيقة حول الركود الاقتصادي، بناءً على التاريخ الطويل للركود الذي تم رصده منذ عام 1949، ولقد تنبأ بنجاح جميع حالات الركود السابقة باستثناء حالة واحدة في عام 1959.

ويساعد المؤشر صانعي السياسات والاقتصاديين في تقييم فعالية السياسات الاقتصادية المتبعة، إذا أظهر المؤشر تزايداً في معدل البطالة، قد يكون ذلك دليلاً على ضرورة إعادة النظر في السياسات الاقتصادية الحالية.

يسلط المؤشر الضوء على التغيرات في سوق العمل، ما يساعد على فهم كيفية تأثير العوامل الاقتصادية والاجتماعية على معدل البطالة، هذا التحليل يمكن أن يقدم رؤى قيمة حول الاتجاهات الاقتصادية المستقبلية.

بشكل عام، مؤشر ساهم يعد أداة قوية لفهم التغيرات في الاقتصاد الأميركي وتقديم إشارات مبكرة حول الاتجاهات الاقتصادية المستقبلية، ما يساعد على اتخاذ قرارات مدروسة بشأن السياسات والاستراتيجيات الاقتصادية.