برز ملف عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم بقوة كأحد أبرز التحديات التي تواجه المجتمع الدولي والدول المضيفة، بعد سقوط نظام بشار الأسد وفراره إلى روسيا، وهذه العودة التي ترتبط برحيل النظام الحالي، تشكل تحولاً تاريخياً قد يغير المشهد السوري والإقليمي، لكنها في الوقت ذاته محفوفة بتعقيدات سياسية واجتماعية واقتصادية عميقة، فهل تجبر كفاءات سوريا في المهجر دول العالم على إبقائهم دون ترحيل؟

وتمثل عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم حلماً مشتركاً بين السوريين والدول المضيفة، لكن بأي كيفية؟ هنا يتطلب الأمر تضافر جهود محلية ودولية لتجاوز التحديات وتحقيق العدالة والمصالحة، فبناء سوريا الجديدة لن يكون سهلاً، لكنه خطوة حتمية نحو إنهاء معاناة الملايين الذين ينتظرون فرصة للعودة إلى ديارهم وبناء مستقبلهم من جديد.

فمنذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، نزح أكثر من 6.8 مليون سوري إلى خارج البلاد، بينما تجاوز عدد النازحين داخلياً 6.9 مليون شخص.

هل تكون ألمانيا حالة خاصة؟

وعلى الصعيد العالمي، كانت ألمانيا في مقدمة الدول الأوروبية المستضيفة، حيث قدمت اللجوء لنحو 800 ألف إلى مليون سوري.

ويعتبر اللاجئون السوريون في ألمانيا من بين أكبر الفئات التي استقبلتها البلاد خلال العقد الماضي، حيث قدمت ألمانيا ملاذاً آمناً لعشرات الآلاف ممّن فروا من ويلات الحرب في سوريا.

وأعرب المستشار الألماني أولاف شولتس، الجمعة الماضية، عن عدم رغبته في إعادة أي لاجئ سوري مندمج بشكل جيد في ألمانيا، وذلك بعد سقوط نظام بشار الأسد.

وقال شولتس إن أي شخص مندمج جيداً ويتحدث اللغة الألمانية ولديه عقد عمل يمكنه أن يشعر بالأمان في ألمانيا.

وأضاف «هذا ينطبق أيضاً على السوريين… لن نطلب منهم ترك وظائفهم والرحيل».

وعقب الإطاحة بنظام الأسد في سوريا، حذرت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر بالفعل من عواقب سلبية على سوق العمل الألمانية، خاصة في قطاع الصحة، حال تمت إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

وتحدث وزير الصحة كارل لاوترباخ، عن أكثر من 6 آلاف طبيب سوري مندمجين بالكامل في نظام الرعاية الصحية.

وقال فرانك فيرنكه رئيس نقابة «فيردي» في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية، إن عمليات الترحيل الواسعة «تتعارض مع مصالح الناس، ومن ناحية أخرى، تتعارض أيضاً مع مصالح سوق العمل، على الأقل في بعض المناطق بألمانيا».

وأضاف فيرنكه «الكثير من السوريين اندمجوا وأصبحوا جزءاً من سوق العمل هنا، وهم مهمون بالنسبة لنا».

وقال إن السوريين يعملون مثلاً في قطاع التجزئة أو خدمات التوصيل أو في قطاعات الرعاية، وأصبح العديد منهم أعضاء في نقابة «فيردي».

ومنذ موجة اللجوء الكبرى التي بلغت ذروتها في عام 2015، أصبحت ألمانيا وجهة رئيسية للباحثين عن الأمان والاستقرار، حيث يُقدر عدد اللاجئين السوريين فيها بنحو 800 ألف إلى مليون شخص، ما يجعلها الدولة الأوروبية الأكثر استقبالاً لهم.

وتستضيف ألمانيا نحو مليون سوري، وهو العدد الأكبر من بين دول الاتحاد الأوروبي، وفي سياق أجواء الحملة للانتخابات التشريعية المقررة في 23 فبراير شباط المقبل، اقترح القيادي في المعارضة المسيحية المحافظة ينس سبان «استئجار طائرات» وتخصيص مبلغ قدره ألف يورو «لكل من يريد العودة إلى سوريا».

ونجح العديد من اللاجئين السوريين في المساهمة في المجتمع الألماني، وتمكن عدد كبير منهم من دخول سوق العمل والمشاركة في مجالات متنوعة، ولعبت الكفاءات السورية دوراً مهماً في سد الفجوات في قطاعات مثل الطب والهندسة وتكنولوجيا المعلومات.

ولا تقتصر مشاركة اللاجئين السوريين على المشاركة الاقتصادية فحسب، بل أسهموا أيضاً في إثراء الثقافة المحلية من خلال نشر الأطعمة السورية التقليدية وفتح المطاعم وإقامة الفعاليات الثقافية التي لاقت ترحيباً واسعاً.

وفي الدول الإسكندنافية مثل السويد وفرنسا استُقبل أيضاً عشرات الآلاف من اللاجئين، مع تقديم برامج اندماج مجتمعي تسعى لتأمين استقرارهم.

وفي الجانب الآخر من الأطلسي، فتحت الولايات المتحدة وكندا أبوابهما لاستقبال اللاجئين، وإن كان بأعداد أقل مقارنة بالدول الأوروبية.

اللاجئون في الدول العربية

وتوزعت موجات اللجوء على دول الجوار والدول الأوروبية، ما أدى إلى ضغوط كبيرة على الدول المستضيفة، فبحسب تصريحات حكومية مصرية فإن أعداد اللاجئين من بينهم السوريين تفوق 9 ملايين لاجئ.

وتركيا كانت الوجهة الأولى، حيث تستضيف أكثر من 3.5 مليون لاجئ، ما يجعلها أكبر دولة مستضيفة للسوريين في العالم.

أما لبنان بدوره فاحتضن نحو 1.5 مليون لاجئ، رغم محدودية موارده وبنيته التحتية التي تأثرت بشكل كبير، والأردن أيضاً يستضيف قرابة 660 ألف لاجئ مسجل لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، في حين أن أعداداً أقل توجهت إلى العراق ومصر، حيث يواجه اللاجئون هناك تحديات اقتصادية مشابهة.

عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، إن تمت، ستعتمد بشكل أساسي على رحيل النظام الحالي وتوفير بيئة آمنة ومستقرة.

وتشمل سيناريوهات العودة؛ العودة الطوعية التي تعتمد على تحسين الوضع الأمني والسياسي في سوريا، وتوفير ضمانات دولية تضمن سلامة العائدين وحقوقهم، بالمقابل قد تلجأ بعض الدول المضيفة إلى العودة القسرية، في محاولة لتخفيف الأعباء الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن استمرار اللاجئين على أراضيها.

تحديات العودة

ورغم ذلك، قد يُفضل بعض اللاجئين البقاء في الدول المستضيفة، لا سيما أولئك الذين تمكنوا من تحقيق استقرار اقتصادي واجتماعي.

إلى جانب ذلك، تواجه عملية العودة تحديات كبيرة تتطلب حلولاً شاملة، إعادة الإعمار تبرز كأهم العقبات، حيث إن البنية التحتية في معظم المدن السورية تعاني من دمار واسع، بما في ذلك المدارس والمستشفيات ووسائل النقل، كذلك المصالحة الوطنية تعد حجر الزاوية في بناء مجتمع جديد، حيث يجب معالجة الانقسامات السياسية والاجتماعية العميقة التي خلفتها سنوات الحرب، الخوف من الثأر أو الاضطهاد يشكل عقبة أخرى، خصوصاً في ظل غياب حكومة مركزية قوية قادرة على ضمان الأمن والاستقرار.

الدول المضيفة، خاصة في المنطقة العربية، ستكون لها أدوار مهمة في هذه المرحلة، لبنان والأردن اللذان يعانيان من ضغوط اقتصادية وبنية تحتية مثقلة، سيحاولان الدفع باتجاه عودة اللاجئين.

وقد توظف تركيا عودة اللاجئين كجزء من أجندتها السياسية الداخلية والإقليمية.

وعلى المستوى الدولي، سيكون على الأمم المتحدة والمنظمات الدولية تقديم الدعم المادي واللوجستي لإعادة الإعمار وتأمين العودة الآمنة.

أما الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة وروسيا ودول الاتحاد الأوروبي، فستتحمل مسؤولية تقديم مساعدات مالية وسياسية لضمان نجاح هذه العملية.

وتعتمد الآفاق المستقبلية لعودة السوريين إلى وطنهم على مجموعة من العوامل الرئيسية، فالانتقال السياسي سيكون الخطوة الأولى التي تفتح الباب أمام مرحلة جديدة، تتطلب تشكيل حكومة انتقالية شاملة تمثل جميع الأطياف، كذلك ضمان سلامة العائدين سيكون ضرورياً لبناء الثقة بين اللاجئين والدولة الجديدة، وبرامج إعادة الإعمار يجب أن تبدأ فوراً، مع إشراك اللاجئين أنفسهم في هذه العملية لضمان شعورهم بالمشاركة والانتماء.