يتردد مصطلح «سعر الفائدة المحايد» على ألسنة العديد من الاقتصاديين وصناع القرار في البنوك المركزية العالمية في الآونة الأخيرة، ما يثير تساؤلاً حول مفهومه، ومتى يمكن للاقتصاد الوصول له، وكيف تستخدمه البنوك في قرارات أسعار الفائدة؟

ومنذ عام 2014 عندما بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في رفع الفائدة، قفز عدد القصص الإخبارية التي تشير إلى «سعر الفائدة المحايد»، ويعود الاهتمام من جديد بهذا المصطلح منذ أن بدأ المركزي الأميركي خفض أسعار الفائدة في سبتمبر أيلول 2024.

ويقول عاصم منصور، رئيس أبحاث السوق لدى شركة OW Market في حديثه لـ«CNN الاقتصادية»، «بدأ الاحتياطي الفيدرالي في خفض الفائدة من أعلى مستوياتها في 23 عاماً مع استمرار تباطؤ التضخم ووصوله بالقرب من النسب المستهدفة، وهو ما وفر للفيدرالي المساحة لخفض الفائدة إلى المستويات (الحيادية) خلال الفترة القادمة».

سعر الفائدة المحايد

في عالم الاقتصاد يأمل صناع القرار في البنوك المركزية حول العالم في تحقيق هدفين رئيسين: الحفاظ على استقرار الأسعار، وتحقيق توظيف كامل لموارد العمل المتاحة، دون الإضرار بالنمو الاقتصادي، ولكي يحدث هذا، تحتاج البنوك المركزية للوصول إلى ما يعرف بـ«سعر الفائدة المحايد» R-Star.

ويمكن تعريف «سعر الفائدة المحايد» بحسب بنك الاحتياطي الفيدرالي، بأنه معدل الفائدة الذي لا يؤدي إلى تحفيز الاقتصاد أو تباطؤه بشكل كبير، وعنده يتحقق استقرار الأسعار، ويصل الاقتصاد إلى مستوى التوظيف الكامل.

ويشرح لنا أحمد معطي، المدير التنفيذي لشركة VI Markets في مصر، أن الوصول لسعر الفائدة المحايد الحقيقي يكون باحتساب معدل التضخم بالمقارنة مع معدل الفائدة للبنك المركزي، وفي حال كان معدل الفائدة أعلى من التضخم يتجه البنك إلى سياسة تيسيرية تتضمن خفض الفائدة، أما إذا كان معدل الفائدة أقل من التضخم فإنه يتجه إلى السياسة التشديدية التي تتضمن رفع أسعار الفائدة.

لماذا نهتم بسعر الفائدة المحايد؟

رغم كونه مفهوماً معقداً ومتغيراً، يظل سعر الفائدة المحايد أداة أساسية لصناع القرار لدى البنوك المركزية حول العالم لأنه يؤثر على كيفية حكمهم على ما إذا كانت مستويات أسعار الفائدة الحالية تحفز الاقتصاد أو تقيده.

على سبيل المثال، قد يحدد بنك الاحتياطي الفيدرالي مؤقتاً سعر الفائدة الرئيسي، أعلى من المعدل المحايد لتهدئة الاقتصاد أو أقل من المعدل المحايد لتحفيزه، لكن يظل المعدل المحايد بمثابة علامة إرشادية لقرارات السياسة النقدية.

إذا كان معدل الفائدة المحايد الذي يتوقعه الاقتصاديون أعلى من سعر الفائدة الحالية، عندها يواصل البنك المركزي خفض الفائدة، والعكس صحيح.

ويقول روبرت كابلان، الذي كان رئيساً ومديراً تنفيذياً لبنك الاحتياطي الفيدرالي في دالاس بين عامي 2015 و2021، «رغم الشكوك المتأصلة فيه، أعتقد أن مفهوم المعدل المحايد هو أداة مفيدة».

ومع ذلك، أضاف كابلان أنه «نظراً لوجود قيود عليه، فمن الأفضل أن يُستخدم جنباً إلى جنب مع مجموعة واسعة من التحليلات الاقتصادية الأخرى بالإضافة إلى محادثات مكثفة مع قادة القطاع الخاص والتركيز على تحديد والتمييز بين المحركات الدورية والهيكلية للاقتصاد العالمي».

كيف يتحدد سعر الفائدة المحايد؟

تأخذ البنوك المركزية في الاعتبار عوامل اقتصادية عديدة عند تقدير معدل الفائدة المحايد، بما في ذلك توقعات النمو الاقتصادي والتضخم، والتركيبة السكانية، ومعدل الإنتاجية، وأنماط الادخار العالمية، وسرعة التطور التكنولوجي.

ويستخدم بنك الاحتياطي الفيدرالي عدداً من النماذج التي تشير إلى تقديرات صناع السياسة النقدية، لكنها تختلف من ولاية إلى أخرى، بجانب ذلك يعلن مسؤولو السياسة النقدية في مختلف البنوك المركزية عن توقعاتهم لسعر الفائدة المحايد اعتماداً على البيانات الاقتصادية الواردة.

ومع ذلك، لا يمكن ملاحظة المعدل المحايد بشكل مباشر بسبب التغيرات الاقتصادية المستمرة وتداعيات التوترات الجيوسياسية على الاقتصاد العالمي، ما يجعل من الصعب تحديده بدقة.

ويقول روبرت كابلان في تدوينة «لن تجد السعر المحايد على شاشة جهاز الكمبيوتر الخاص بك أو في القسم المالي بالصحيفة، المعدل المحايد هو معدل (استدلالي)، أي أنه مُقدر بناء على تحليلات وملاحظات مختلفة».

وفي هذا الصدد، أشار معطي خبير الأسواق المالية في تصريحاته لـ«CNN الاقتصادية»، إلى أنه في الظروف الاقتصادية المشابهة للوضع الحالي ترفض أغلب البنوك المركزية الكشف عن سعر الفائدة المحايد من وجهم نظرهم، لأن قرارات السياسة النقدية تعتمد على البيانات والتطورات الاقتصادية والجيوسياسية.

يتماشى هذا مع ما ذكرته كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي في تصريحاتها الأخيرة عندما قالت إنها لا تستطيع تحديد سعر الفائدة المحايد في الوقت الحالي بسبب التوترات الجيوسياسية الجارية.

متى تصل البنوك لسعر الفائدة المحايد؟

رغم اختلاف التقديرات، هناك اتفاق عام على أن سعر الفائدة المحايد انخفض في الفترة بين عامي 1960 و2024، بشكل ملحوظ بسبب العديد من العوامل، بما في ذلك انخفاض توقعات النمو الاقتصادي على المدى الطويل، وحالة عدم اليقين بشأن الاقتصاد العالمي.

لكن تشير أحدث تقديرات بنك الاحتياطي الفيدرالي في ولاية ريتشموند الصادرة في يوليو تموز 2024، إلى معدل محايد على المدى الطويل، يتراوح بين 2.5 في المئة و3.8 في المئة، وهو أقل بكثير من المستويات التاريخية، بحسب نموذج لوبيك ماتيس.

ويتوقع رفائيل بوستيك رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا أن سعر الفائدة المحايد بين 3 و3.5 في المئة، فيما تعتقد ماري دالي، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو؛ بجانب باتريك هاركر، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في فيلادلفيا، أن المعدل المحايد يبلغ 3 في المئة أو أعلى.

وفي بنك إنجلترا، يعتقد تشارلز غولدهارت، عضو بلجنة السياسة النقدية ببنك إنجلترا، أن المعدل المحايد قد يكون أعلى من 4 في المئة، في حين يرى سواتي دينغرا، عضو لجنة السياسة النقدية ببنك إنجلترا أن معدل الفائدة المحايد بين 2.5 و3.5 في المئة.

أما في البنك المركزي الأوروبي، فتندر التصريحات والتوقعات المتعلقة بسعر الفائدة المحايد، لكن أشارت بعض المصادر إلى أنه يمكن أن يكون اثنين في المئة، بحسب أحمد معطي.

في غضون ذلك، يتوقع الخبير الاقتصادي عاصم منصور أن يكون سعر الفائدة المحايد قرابة النسبة 3 في المئة في ظل الأوضاع الحالية، مشيراً إلى اختلاف هذه النسبة من بنك لآخر حسب مستويات التضخم وأوضاع سوق العمل في هذه الدولة.

ويرى منصور إمكانية وصول بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى هذه النسب بحلول عام 2026، لكنه حذَّر قائلاً إنه «لا تزال الرؤية غير واضحة مع ترقب صناع القرار التأثيرات المحتملة لقرارات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب العام المقبل على الأوضاع الاقتصادية العالمية وليس الاقتصاد الأميركي فحسب».