في واحد من أكبر التجمعات البشرية على وجه الأرض، تسير
المملكة العربية السعودية بخطى مدروسة نحو نموذج أكثر استدامة لموسم الحج، حيث تتقاطع الجهود التنظيمية مع مبادئ الحفاظ على البيئة.
وبين ازدحام الشعائر وروحانيتها، بات من الممكن ملاحظة ملامح ما يمكن وصفه بـ«الحج الأخضر»، وهو مفهوم يعكس توجُّه السعودية نحو تقليل الأثر البيئي وتعزيز الوعي بالموارد والمحافظة عليها.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
فمع توافد أكثر من مليون حاج هذا العام من أكثر من 150 دولة، تؤكد الإجراءات المتخذة من قِبل السلطات السعودية أنها لم تعد تنظر إلى الحفاظ على البيئة بوصفه خياراً تنظيمياً فقط، بل أصبح قيمة روحية وإنسانية تعكس احترام الزمان والمكان والإنسان.
فقد اعتمدت المملكة حزمة من الإجراءات الصديقة للبيئة، شملت استخدام حافلات كهربائية، وتقنيات ذكية لإدارة الحشود تقلل التكدسات، إلى جانب ترشيد استهلاك المياه في مرافق الوضوء، وتقليل استخدام المواد البلاستيكية عبر توفير عبوات ومواد قابلة للتحلل.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
ومن الواضح أن موسم الحج يشهد انتقالاً تدريجياً من النماذج التشغيلية التقليدية إلى نموذج حديث يراعي الاستهلاك المسؤول، ويعتمد بشكل متزايد على التقنيات البيئية، ومن أبرز هذه التحولات الاعتماد على الرقمنة، حيث أسهمت التطبيقات الإلكترونية في تقليل الاعتماد على الورق، عبر تتبع مسارات الحجاج، وتقديم الإرشادات، وحجز الخدمات بشكل مباشر.
ومع هذا الحجم الضخم من الحشود، تصبح إدارة البيئة تحدياً في حد ذاته، إلا أن الربط بين الحلول التقنية والتنظيمية مكّن الجهات المعنية من تقليل الأثر البيئي، فمن خرائط حرارية تُستخدم لمراقبة التكدسات، إلى أجهزة استشعار ترصد جودة الهواء، ومبادرات ميدانية تركز على فرز النفايات من المصدر في منى وعرفات.
المشهد المتكامل لجهود الحفاظ على البيئة أثناء أداء المشاعر، يُظهر أن التجربة الإيمانية في الحج لم تعد تقتصر على أداء الشعائر فقط، بل أصبحت مرتبطة أيضاً بالمسؤولية تجاه الأرض والموارد، فضمن المشهد التنظيمي المتكامل لموسم الحج، يبرز حضور القوات الخاصة للأمن البيئي التابعة لوزارة الداخلية كعنصر محوري في تنفيذ معايير الاستدامة داخل المشاعر المقدسة، وهو ما يُظهر أن دور الأمن لم يعد محصوراً في إدارة الحشود وتأمين المسارات، بل أصبح يشمل مراقبة النظم البيئية المؤقتة التي تتشكل خلال أيام الحج، حيث تتحوّل المشاعر إلى مدينة ضخمة تعجّ بالنشاط البشري.
ويأتي هذا التوسع في مهام الأمن البيئي ليؤكد أن الحفاظ على البيئة في الحج ليس مسؤولية فردية فقط، بل هو جزء لا يتجزأ من مفهوم الأمن العام، يعكس رؤية متكاملة تتعامل مع البيئة كأحد عناصر السلامة الأساسية لضيوف الرحمن.
فما يميز موسم الحج هو التكامل الواضح بين القطاعات المختلفة: البيئة، والأمن، والصحة، والبلديات، ما يتيح استجابة سريعة لأي طارئ بشري أو بيئي.
هذه المقاربة الشاملة تتماشى مع أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة، لا سيما في مجالات الاستهلاك المسؤول والعمل المناخي.
لكن على الرغم من التقدم، تبقى التحديات قائمة؛ فالتعامل مع ملايين الحجاج من ثقافات متعددة، وضمان كفاءة البنية التحتية، يتطلّب مراجعة دورية للخطط وتحسيناً دائماً في الأداء، وفي هذا السياق يمكن اعتبار ما يتحقق خطوة إضافية نحو نموذج حج مستدام وقابل للتطوير.
وبينما تتواصل مناسك الحج، تسعى المملكة إلى إيجاد مقاربة أكثر توازناً في إدارة الشعائر، تأخذ بعين الاعتبار البعد الإيماني، والسلامة العامة، والحفاظ على الموارد.
وفي ظل التغيرات المناخية والتحديات البيئية العالمية، يفتح ما يحدث في المشاعر المقدسة الباب لتجربة دينية تنتمي إلى القرن الحادي والعشرين وتبني جسوراً بين الموروث والمستقبل.