في قلب الحقول الجافة بولاية ماهاراشترا الهندية، لا تُثمر الأرض سوى الديون، ولا تحصد العائلات سوى الحزن.
مع تسارع التغير المناخي وتزايد موجات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، باتت الزراعة في الهند أقرب إلى مقامرة قاسية، يدفع فيها المزارعون أرواحهم ثمناً لفشل موسم أو لعاصفة عابرة، ومع كل محصول خاسر، يتزايد خطر الانتحار في صفوف من يعتمدون على الأرض لكسب لقمة العيش.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
آلاف القصص المؤلمة في ريف الهند
قصة ميراباي خيندكار ليست سوى واحدة من آلاف القصص المؤلمة في ريف الهند، حيث أصبح تغير المناخ عاملاً قاتلاً يهدد ما تبقى من الأمل في حياة الملايين من المزارعين الصغار.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
على قطعة أرض صغيرة في ولاية ماهاراشترا غربي الهند، قالت ميراباي خيندكار إن مزرعتها لم تنتج سوى الديون، بعد أن دمر الجفاف محاصيلها، وانتحر زوجها نتيجة لذلك.
تاريخ انتحار المزارعين في الهند طويل، حيث يقف كثيرون منهم على حافة الكارثة في حال فشل محصول واحد فقط، لكن التغير المناخي وما يجلبه من ظواهر جوية متطرفة زاد من الضغوط.
فالعجز المتزايد في الإنتاج الزراعي بسبب شح المياه، والفيضانات، وارتفاع درجات الحرارة، وعدم انتظام الأمطار، إضافة إلى تراكم الديون، يلقي بظلال ثقيلة على قطاع يوظف 45% من سكان الهند البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة.
كان زوج ميراباي، أمول، قد اقترض من مقرضين غير رسميين مبالغ تفوق مئات المرات دخل مزرعتهم السنوي، بعد أن احترقت محاصيلهم من فول الصويا والدخن والقطن على مساحة ثلاثة أفدنة تحت حرارة شديدة، وفي العام الماضي، تناول السم.
تقول ميراباي (30 عاماً) باكية: «حين كان في المستشفى، صليت لكل الآلهة كي تنقذه».
لكنه توفي بعد أسبوع، تاركاً وراءه زوجته وثلاثة أطفال، وكانت آخر محادثة بينهما تدور حول الديون.
تتكرر هذه المأساة يومياً في منطقة ماراثوادا التي تضم 18 مليون نسمة، وكانت تُعرف يوماً ما بخصوبة أراضيها.
وبحسب مركز العلوم والبيئة في نيودلهي، أثرت الظواهر المناخية المتطرفة العام الماضي على 3.2 مليون هكتار من الأراضي الزراعية في الهند –وهي مساحة تفوق بلجيكا– وكان أكثر من 60% منها في ولاية ماهاراشترا وحدها.
يقول شقيق أمول، المزارع بالاجي خيندكار: «الصيف صار قاسياً، وحتى حين نقوم بكل ما يلزم، لا يكون الإنتاج كافياً».
ويضيف: «لا يوجد ما يكفي من المياه لري الأرض، والأمطار لا تأتي كما يجب».
ارتفاع في أعداد المنتحرين
خلال الفترة من 2022 إلى 2024، انتحر 3,090 مزارعاً في منطقة ماراثوادا، بمعدل يقارب ثلاث حالات يومياً، بحسب وزير الزراعة الهندي شيفراج سينغ تشوهان.
ولا توضح الإحصاءات الرسمية أسباب الانتحار، لكن محللين يشيرون إلى مجموعة من العوامل.
يقول البروفيسور آر. راماكومار، أستاذ دراسات التنمية في معهد تاتا للعلوم الاجتماعية: «انتحار المزارعين في الهند هو نتيجة لأزمة في الدخل، والاستثمار، والإنتاجية في قطاع الزراعة».
وأضاف أن الزراعة في كثير من المزارع الصغيرة لا تزال تُمارس بأساليب تقليدية، وتعتمد بشكل كبير على الطقس المناسب في التوقيت المناسب.
«ما فعله التغير المناخي هو أنه زاد من مخاطر الزراعة»، مضيفاً أن «الفشل المتكرر في المحاصيل وعدم اليقين.. كلها عوامل تُضعف من جدوى الزراعة اقتصادياً للمزارعين الصغار».
ويؤكد راماكومار على ضرورة تدخل الدولة بدعم المزارعين عبر برامج تأمين فعال ضد الظواهر المناخية، وزيادة الاستثمار في الأبحاث الزراعية، قائلاً:
«لا يجب أن تكون الزراعة مقامرة موسمية تعتمد على الأمطار».
صعوبة تأمين لقمة العيش
أمام هذا الواقع، يحاول المزارعون تفادي انخفاض الإنتاج عبر الاستثمار في الأسمدة وأنظمة الري.
لكن الحصول على التمويل من البنوك غالباً ما يكون صعباً نظراً للمخاطر المرتفعة، ما يدفع بعضهم إلى الاقتراض من المقرضين غير الرسميين بفوائد باهظة، ما يهددهم بكارثة إذا فشل المحصول.
تقول ميراباي، وهي تقف أمام كوخها المصنوع من الصفيح والقماش: «من الصعب تأمين لقمة العيش من الزراعة وحدها».
وقد تجاوزت ديون زوجها 8,000 دولار، وهو مبلغ ضخم في الهند، حيث يبلغ متوسط الدخل الشهري للأسرة الزراعية نحو 120 دولاراً فقط.
ورغم عملها في مزارع أخرى كعاملة بالأجر، لم تتمكن ميراباي من سداد القروض المتراكمة، وتقول:
«تراكمت الأقساط، ولا أريد لأولادي أن يعملوا في الزراعة عندما يكبرون، لا يأتي من المزرعة أي شيء».
وتعاني الزراعة في الهند من أزمة مزمنة منذ عقود، ورغم أن ولاية ماهاراشترا تسجل أعلى معدلات الانتحار بين المزارعين، فإن الظاهرة تمتد إلى أنحاء البلاد كافة.
ففي عام 2022، انتحر 30 شخصاً يومياً من العاملين في القطاع الزراعي، بحسب المكتب الوطني لسجلات الجرائم.
في مزرعة أخرى بمنطقة ماراثوادا، تولى المزارع شيخ عمران (32 عاماً) إدارة مزرعة العائلة بعد انتحار شقيقه العام الماضي.
لكنه سرعان ما تراكمت عليه ديون تجاوزت 1,100 دولار بعدما اقترض لزراعة فول الصويا، الذي فشل بدوره.
وفي محاولة يائسة للحصول على الماء، بدأ المزارعون بتفجير الصخور أملاً في الوصول إلى المياه الجوفية.
تقول جدة عمران، ختيجة بي، «لا يوجد ماء للشرب، فمن أين نحصل على الماء لري الأرض؟»