شنّت إسرائيل، فجر اليوم، ضربة جوية واسعة استهدفت منشآت نووية وعسكرية داخل إيران، في تصعيد غير مسبوق يُنذر بتداعيات إقليمية كبيرة. وتأتي هذه العملية وسط توتر متصاعد بين الجانبين، مع تلويحات برد إيراني مرتقب.
ويزيد الهجوم من حدة التوتر الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط، التي تُعد من أبرز مراكز
تصدير النفط والغاز في العالم.. ورغم أن الضربة كانت محددة، فإنها فتحت الباب أمام احتمالات تصعيد أوسع قد يهدد استقرار أسواق الطاقة العالمية.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
رد إيران سيحدد مسار أسعار النفط.. والمخاطر قد تتجاوز ما حدث في بقيق
قال جعفر الطائي، العضو المنتدب لشركة منار للطاقة، إن الأسواق العالمية تراهن في الوقت الراهن على سيناريو التصعيد المحدود بين إسرائيل وإيران، وهو ما يُبقي التأثير على أسعار النفط ضمن نطاق يمكن التحكم فيه.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
وأضاف الطائي، لـCNN الاقتصادية، أن الرهان الحالي يقوم على افتراض أن الضربة الإسرائيلية ورد الفعل الإيراني سيكونان محدودين، وبالتالي فإن تحرك أسعار النفط لن يتجاوز 10 إلى 15 في المئة.
وأشار إلى أن ما حدث مؤخراً لا يمكن مقارنته بهجوم «بقيق» في السعودية عام 2019، لأن المعطيات الجيوسياسية اختلفت، لا سيما مع تحسن نسبي في العلاقات بين طهران والرياض.
سيناريو التصعيد الواسع هو الأخطر
حذّر الطائي من أن السيناريو الأكثر خطورة يتمثل في توسع رقعة الصراع أو استمراره لفترة طويلة، ما من شأنه أن يعرض المنشآت النفطية والبُنى التحتية الحيوية في المنطقة للخطر.
وأكد أن في هذه الحالة، ستكون التداعيات على أسواق الطاقة أكثر سوءاً مما شهده العالم في حادثة بقيق.
وأوضح أن التطورات القادمة تعتمد على إرادة طهران السياسية: هل سترد إيران بشكل رمزي فقط لإرضاء الرأي العام، أم أنها ستتجه إلى رد فعل عنيف قد يؤدي إلى انزلاق المنطقة في صراع أوسع؟
وتابع: المرحلة دقيقة، وتعتمد بشكل كبير على شكل وحجم الرد الإيراني، وهو ما ستُبنى عليه تحركات الأسواق في الأيام المقبلة.
خطّا شرق-غرب وحبشان-الفجيرة.. درعا السعودية والإمارات بوجه اضطرابات مضيق هرمز
قال جعفر الطائي، إن امتلاك السعودية والإمارات لخطوط أنابيب استراتيجية مثل أنبوب شرق-غرب السعودي، وأنبوب حبشان-الفجيرة الإماراتي، يتيح لهما مرونة كبيرة في حال وقوع أي تصعيد عسكري يهدد أمن الملاحة في مضيق هرمز.
وأوضح الطائي أن هذه البنية التحتية الحيوية تمكّن البلدين من تصدير جزء كبير من إنتاجهما النفطي دون المرور بمضيق هرمز.
وأضاف: ربط حقول الإنتاج في الجبال مع موانئ التصدير في البحر الأحمر أو الفجيرة، يشكّل خط دفاع أول اقتصادي واستراتيجي في مواجهة أي تهديد محتمل.
تأثير محدود إذا كان الهجوم خارج المنشآت
في ما يخص التأثير المباشر لأي تصعيد عسكري، أشار الطائي إلى أن أسعار النفط قد تقفز بنسبة 5 في المئة على الأقل إذا تعرّضت هذه الأنابيب لأي تهديد مباشر، مع احتمالية زيادتها إذا طال الضرر المنشآت الحيوية.
لكنه أكد أن الإجراءات الوقائية والسيناريوهات البديلة التي تم إعدادها في البلدين ستُسهم في احتواء الأثر وتخفيف الصدمة.
خطط طوارئ واستجابة مرنة
أشاد الطائي بكفاءة أرامكو السعودية وأدنوك الإماراتية في إدارة الأزمات، قائلاً: الشركتان وضعتا خطط طوارئ متقدمة، تشمل مناورات منتظمة وسيناريوهات بديلة لضمان استمرار التصدير حتى في أصعب الظروف.
وعلى الصعيد السياسي، لفت الطائي إلى أن السياسات الخارجية المتوازنة للسعودية والإمارات ساهمت في تقليل فرص استهداف منشآتهما، مؤكداً أن التصعيد الشديد من الجانب الإيراني لا يزال احتمالاً بعيداً في الوقت الراهن.
الخطر الحقيقي.. شكل الرد الإيراني
يرى الكاتب المتخصص في الصناعة النفطية، عبد العزيز المقبل، أن «الأهم من الضربة نفسها هو شكل الرد الإيراني المنتظر، سواء داخل إسرائيل أو عبر نقاط حساسة كالممرات المائية الحيوية، أو حتى من خلال تأثير يمتد إلى دول الخليج ككل».
وأضاف، لـCNN الاقتصادية، أن «المنطقة تُزوّد العالم بأحد أهم مصادر الطاقة، وأي اضطراب فيها ستكون له تداعيات مباشرة على الأسواق العالمية».
النفط يقفز ثم يتراجع جزئياً
وأشار المقبل إلى أنه «في الساعات الأولى من الضربة، ارتفعت أسعار النفط بنسبة قاربت 10 في المئة، قبل أن تعود للانخفاض جزئياً إلى حدود 7 في المئة، ما يعكس حالة القلق وعدم اليقين التي تُخيّم على الأسواق».
تداعيات ممتدة.. و«كرة ثلج» تتدحرج
وشدّد على أن «خطوط التأثير لا تقتصر على إيران وإسرائيل، بل تشمل المنطقة بأكملها، والدول المصدّرة للطاقة، والاقتصادات المرتبطة بها».
وأوضح أن «التوترات الحالية تتقاطع مع أزمات أوسع تشمل الحروب التجارية، وملفات مثل العقوبات على إيران وروسيا وفنزويلا، ما يضاعف تأثيرها على معادلة الطاقة العالمية».
الأسواق المالية.. ومؤشرات الخوف
في ظل هذه المعطيات، يطرح المقبل تساؤلات محورية:
«كيف ستتفاعل أسواق المال مع هذه التوترات؟ وهل سنشهد ارتفاعاً في مؤشرات الخوف مثل مؤشر التقلبات (VIX)؟»
غياب الحلول الدبلوماسية يزيد من الضبابية
واختتم المقبل تصريحه بالقول: «المشهد يتسم بتداخلات كبيرة وتشابك في المصالح، بينما تزداد حالة عدم اليقين بشكل واضح، وفي ظل غياب حلول دبلوماسية فاعلة فإن قدرة المجتمع الدولي على احتواء هذه الأزمات تبدو محدودة، كما أثبتت التجارب السابقة».
أسواق المال الإماراتية تتراجع مع تصاعد التوترات
شهدت أسواق المال الإماراتية بداية تداولات، يوم الجمعة، تراجعات حادة مع تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، إذ انخفض مؤشر سوق أبوظبي للأوراق المالية بأكثر من 3 في المئة.
كما تراجع سوق دبي المالي خلال الدقائق الأولى من الجلسة بنسبة جاوزت 4 في المئة، وسط تراجع جماعي للأسهم المتداولة في السوقين، وذلك وقت كتابة التقرير.
أكبر قفزة نفطية منذ سنوات بفعل هجوم "بقيق وخريص"
في 14 سبتمبر 2019، شهدت أسواق الطاقة واحدة من أشد الصدمات في تاريخها الحديث، بعد أن تعرّضت منشأتان تابعتان لشركة أرامكو السعودية في بقيق وخريص لهجوم بطائرات مسيّرة وصواريخ، أدى إلى اندلاع حرائق واسعة وتوقف مؤقت للإنتاج.
وقد تسببت الهجمات في خفض إنتاج السعودية النفطي إلى النصف تقريباً، وهو ما يعادل نحو 5 في المئة من الإمدادات العالمية اليومية.
جاء الرد الفوري من الأسواق سريعاً، حيث قفز سعر خام برنت بنسبة 20 في المئة تقريباً في بداية التداولات، مسجلاً نحو 72 دولاراً للبرميل، فيما وُصف بأنه أكبر ارتفاع يومي في أسعار النفط منذ عقود... لا سيما أن السعودية أعلنت أنها فقدت نحو 5.7 مليون برميل يومياً من الإنتاج في ذلك الوقت، ولكنها وعدت وقتها بتوفير النفط اللازم لعملائها من مخزوناتها الاحتياطية، وساعدت الولايات المتحدة بقيادة دونالد ترامب -في ولايته الأولى- بتهدئة قفزة أسعار النفط بإعلانها سحب ملايين البراميل من الاحتياطي الاستراتيجي، فهدأت الأسعار وقلصت مكاسبها من 20% إلى نحو 8% لاحقاً خلال اليوم.
ورغم حجم الخسائر، تمكنت أرامكو من إعادة جزء كبير من الإنتاج خلال فترة قصيرة، وهو ما ساعد على تهدئة الأسواق واستقرار الأسعار تدريجياً.
تصعيد الصراع ومخاطر تعطّل الإمدادات عبر مضيق هرمز
يشكل مضيق هرمز أحد أكثر النقاط الحيوية في سوق الطاقة العالمي، إذ يمر عبره نحو 17 إلى 20 مليون برميل نفط ما يعادل يومياً 20 في المئة من تجارة النفط الخام يومياً، ما يجعله شرياناً استراتيجياً لا يمكن الاستغناء عنه، وفقاً لتقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية.
وفي ظل التصعيد العسكري الأخير بين إسرائيل وإيران، تتزايد المخاوف من أن يمتد التوتر إلى هذا الممر الحيوي، سواء عبر استهداف ناقلات النفط، أو عبر نشر تهديدات مباشرة بإغلاقه أو تقييد الملاحة فيه.
أمثلة تاريخية
عند التوترات السابقة في الخليج (مثل اغتيال قاسم سليماني في 2020 أو الهجوم على ناقلات النفط 2019)، كانت الأسعار تقفز بسرعة بسبب مخاوف تتعلق بمضيق هرمز.
إيران ثالث أكبر منتج في أوبك
تُعد إيران واحدة من الدول الكبرى داخل منظمة «أوبك»، إذ تمتلك ثالث أكبر احتياطي نفطي مؤكد في العالم، ووفقاً لأحدث بيانات المنظمة، يتراوح إنتاج إيران من النفط الخام بين 2.9 و3.3 مليون برميل يومياً.
ورغم العقوبات الغربية التي تعوق صادراتها بشكل مباشر، تشكل 39 في المئة من الإنتاج العالمي، وقد بلغ إنتاجها خلال شهر أبريل الماضي 3.3 مليون برميل يومياً.
وتكمن أهمية إيران في قدرتها على التأثير في أسواق الطاقة العالمية، سواء من حيث حجم الإنتاج أو موقعها الجغرافي الاستراتيجي المطل على مضيق هرمز، أحد أهم الممرات الحيوية لتصدير النفط عالمياً.