مخاطر التلوث النووي جرّاء الهجمات على إيران.. هل يهدد مياه الشرب في الخليج؟

الخليج العربي (رويترز)
مخاطر التلوث النووي جرّاء الهجمات على إيران.. هل يهدد مياه الشرب في الخليج؟
الخليج العربي (رويترز)

في تصعيدٍ غير مسبوق للتوتر بين الولايات المتحدة وإيران، شنّت واشنطن سلسلة ضربات عسكرية استهدفت منشآت نووية إيرانية رئيسية، ما أثار مخاوف واسعة من كارثة إشعاعية قد تمتد آثارها إلى خارج حدود إيران، لا سيما إلى منطقة الخليج العربي المعتمدة بشدة على تحلية المياه.

وبينما أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عدم رصد أي تسرب إشعاعي حتى الآن، تُسابق دول الخليج الزمن لتقييم المخاطر المحتملة على البيئة والصحة العامة.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

قال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، يوم السبت، إن المنشآت النووية الرئيسية في إيران تعرّضت للتدمير الكامل خلال هجمات عسكرية أميركية نُفّذت خلال الليل، ومن بينها منشأة فوردو الشهيرة.

ورغم تلك التطورات، أكد خبراء في الطاقة النووية أن الهجمات على منشآت تخصيب اليورانيوم الإيرانية لا تُشكّل في الوقت الحالي مخاطر كبيرة من حيث التلوث الإشعاعي، فيما أعلن الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، يوم الأحد، أنها لم ترصد أي زيادة في مستويات الإشعاع خارج تلك المنشآت عقب الضربات الأميركية.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

ما المنشآت النووية الإيرانية التي استُهدِفت؟

شملت الهجمات الأميركية مواقع نووية رئيسية في فوردو ونطنز وأصفهان، وأكد ترامب أن منشآت تخصيب اليورانيوم الرئيسية في إيران «دُمِرت بشكل كامل». وقد جاءت هذه الضربات بعد سلسلة من الهجمات المعلنة التي شنّها الجيش الإسرائيلي على المواقع ذاتها، إضافة إلى مواقع في العاصمة طهران.

وتقول إسرائيل إن هدفها منع إيران من تطوير قنبلة نووية، فيما تؤكد الولايات المتحدة أنها لن تسمح لطهران بامتلاك أسلحة نووية. من جانبها، تنفي الجمهورية الإسلامية سعيها إلى تطوير سلاح نووي.

ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، فقد لحقت أضرار بمنشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم، ومجمع أصفهان النووي الذي يضم منشأة تحويل اليورانيوم، بالإضافة إلى منشآت إنتاج أجهزة الطرد المركزي في كل من كرج وطهران.

كما استهدفت إسرائيل منشأة آراك (المعروفة أيضاً باسم خنداب)، حيث قالت الوكالة إن الهجوم طال مفاعل أبحاث المياه الثقيلة، الذي كان لا يزال قيد الإنشاء ولم يبدأ تشغيله، وألحق أضراراً بمصنع مجاور لإنتاج المياه الثقيلة، وأوضحت الوكالة أن المفاعل لم يكن يحتوي على مواد نووية، وبالتالي لم تحدث تأثيرات إشعاعية.

يُذكر أن مفاعلات المياه الثقيلة يمكن استخدامها لإنتاج البلوتونيوم، وهو عنصر يمكن استخدامه في تصنيع الأسلحة النووية، مثل اليورانيوم المخصب.

ما المخاطر الناجمة عن هذه الهجمات؟

قبل تنفيذ الضربات الأميركية، قالت الخبيرة داريا دولزيكوفا، كبيرة الباحثين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI) في لندن، إن الهجمات على المراحل الأولى من دورة الوقود النووي، وهي المراحل التي يُجهز فيها اليورانيوم قبل استخدامه في المفاعلات، تُثير في الأساس مخاطر كيميائية وليست إشعاعية.

أكثر ما يُثير القلق في هذه المنشآت هو مُركّب سداسي فلوريد اليورانيوم (UF6)، الذي يتحول عند تفاعله مع بخار الماء في الهواء إلى مواد كيميائية سامة.

وأضافت: «في حال كانت الرياح ضعيفة، فإن معظم هذه المواد السامة تترسب بالقرب من موقع المنشأة، أمّا في حال الرياح القوية، فقد تنتشر إلى مناطق أبعد ولكن بتركيز أقل»، وأشارت إلى أن المنشآت النووية المبنية تحت الأرض تقلل خطر انتشار هذه المواد.

من جهته، قال سيمون بينيت، رئيس وحدة السلامة المدنية في جامعة ليستر البريطانية، إن المخاطر البيئية من المنشآت تحت الأرض تُعدّ «ضئيلة للغاية»، لأن المواد النووية تُدفن تحت آلاف الأطنان من الخرسانة والتربة والصخور.

أمّا جيمس آكتون، مدير برنامج السياسات النووية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، فأوضح أن اليورانيوم قبل إدخاله إلى المفاعل لا يكون مشعاً بدرجة كبيرة، وأن مركب UF6 سام، لكن لا ينتقل مسافات بعيدة، وبالتالي لا يُتوقع أن تُحدِث الضربات على منشآت التخصيب أضراراً واسعة خارج مواقعها.

ماذا عن المفاعلات النووية؟

الخطر الأكبر يتمثل في احتمال استهداف مفاعل بوشهر النووي على سواحل الخليج. وقد سادت حالة من القلق في الخليج في 19 يونيو الجاري بعد إعلان الجيش الإسرائيلي هجوماً على موقع في بوشهر، قبل أن يعود ويؤكد أن الإعلان كان عن طريق الخطأ.. وأكدت إسرائيل أنها تسعى لتجنّب أي كارثة نووية.

وقال ريتشارد واكفورد، أستاذ علم الأوبئة بجامعة مانشستر، إن التلوث الناتج عن استهداف منشآت التخصيب سيكون في الغالب مشكلة كيميائية محلية، لكن استهداف مفاعل طاقة نووية كبير يمثّل «مستوى مختلفاً تماماً من الخطر»، حيث قد يؤدي إلى إطلاق مواد مشعة عبر الهواء أو إلى البحر.

وأشار آكتون إلى أن استهداف بوشهر قد يُسبب «كارثة إشعاعية شاملة».

لماذا يشعر الخليج بالقلق الشديد؟

بالنسبة لدول الخليج، فإن أي تلوث نووي قد يُهدد مصدرها الأساسي من مياه الشرب المُحلّاة، وأفادت مصادر بأن مجلس التعاون الخليجي في حالة «تأهب قصوى» لمراقبة أي آثار بيئية محتملة للهجمات، لكنه لم يرصد حتى الآن أي مؤشرات على تلوث إشعاعي.

وتعتمد الإمارات على المياه المُحلّاة بنسبة تزيد على 80% من مياه الشرب، بينما تعتمد البحرين بشكلٍ كامل على تحلية المياه منذ عام 2016، مع تخصيص المياه الجوفية لحالات الطوارئ فقط. أمّا قطر، فهي تعتمد بالكامل أيضاً على مياه التحلية.

وفي السعودية، الدولة الأكبر في الخليج، فإن نحو 50% من مياه الشرب تأتي من محطات التحلية، بحسب الهيئة العامة للإحصاء.

ورغم أن دولاً مثل السعودية وعُمان والإمارات لديها منافذ بحرية متعددة، فإن دولاً مثل قطر والبحرين والكويت تتركز على ساحل الخليج، ما يزيد حساسيتها لأي تلوث.

وقال نضال هلال، أستاذ الهندسة ومدير مركز أبحاث المياه في جامعة نيويورك أبوظبي: «إذا تسبب تلوث بيئي أو تسرب نفطي أو هجوم مُحدد في تعطيل محطة تحلية واحدة فقط، فإن مئات الآلاف من الأشخاص قد يفقدون إمكانية الوصول لمياه الشرب فوراً»، مضيفاً أن «محطات التحلية الساحلية عُرضة بشكلٍ خاص لمخاطر بيئية كالتسربات النفطية أو التلوث النووي».