في وقتٍ تتسابق فيه القُوى الكبرى على امتلاك مفاتيح "الكهرباء الذكية" والابتكار في بطاريات الجيل التالي، تبرز شركة ناشئة أميركية من قلب ولاية ميريلاند بتقنية قد تغيّر قواعد اللعبة، شركة Ion Storage Systems نجحت في تحويل حلم البطاريات صلبة الحالة إلى واقع صناعي واعد، مدعومة بتكنولوجيا مبتكرة قد تمنح الولايات المتحدة أخيراً ورقتها الرابحة في مواجهة الهيمنة الصينية على سلاسل الإمداد، فهل تكون هذه البطارية الثورية بداية تحول جيوسياسي في موازين الطاقة العالمية؟
في مصنع صغير ببلتسفيل في ولاية ميريلاند الأميركية، بدأت شركة أنظمة تخزين أيون «Ion Storage Systems» إنتاج بطاريات صلبة الحالة تعد بأن تغيّر قواعد اللعبة، قد تكون التقنية التي طوّرها أستاذ جامعي وطالب دكتوراه قبل أكثر من عقد، اليوم الورقة الرابحة في سباق الجيل الجديد من الطاقة.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
بطاريات «أيون» ليست كباقي نظيراتها من الليثيوم التقليدية، في جوهرها، استبدلت الشركة «المركز السائل» الهش بمادة خزفية صلبة مستوحاة من تكنولوجيا خلايا الوقود الهيدروجينية، ما يجعلها أكثر أماناً، أسرع شحناً، وأطول عمراً بنسبة تصل إلى 50 في المئة، وفقاً لما كشفه تقرير حديث لصحيفة «وول ستريت جورنال».
على مدار أكثر من 20 عاماً، ظلّت البطاريات صلبة الحالة مجرّد وعد تكنولوجي لا يتحقق، رغم استثمارات ضخمة من عمالقة السيارات وشركات ناشئة، لم تصل التقنية بعد إلى الإنتاج التجاري الواسع، بل بقيت حبيسة المختبرات أو تطبيقات محدودة.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
ومع فشل تلو الآخر، انخفضت ثقة المستثمرين حتى وصلت استثمارات رأس المال الجريء إلى أدنى مستوى منذ عام 2017.
ما الذي يميز «أيون»؟
تتخطى التقنية الجديدة المشكلة الكلاسيكية التي واجهتها كل النماذج السابقة، والتي كانت التمدد والانكماش داخل الخلية أثناء الشحن والتفريغ.
كانت هذه الحركة تؤدي إلى تصدع الخلية وتلفها، ولتفادي ذلك، لجأت الشركات إلى حلول ثقيلة ومعقّدة أضعفت الميزة الرئيسية للبطاريات الصلبة وهي كثافة الطاقة.
أما «أيون»، فاستخدمت طبقة خزفية دقيقة بها مسام صغيرة تعمل كوسادة تمتص تلك الحركة، ما سمح بتغليف البطارية بغلاف ناعم كما هو الحال مع البطاريات الحالية، وفتح الباب لاستخدامها في الإلكترونيات الدقيقة دون الحاجة لإعادة هندسة التصنيع من الصفر.
من المختبر إلى خط الإنتاج
بدأت الشركة بالفعل بشحن الدُفعات الأولى لعملاء محتملين، من بينهم وزارة الدفاع الأميركية التي اختبرت البطاريات بنجاح، إلى جانب شركات إلكترونيات لم تُفصح عن أسمائها بعد، لكنها حسب المؤسس «جريج هيتز»، تشمل «كل شركة إلكترونيات استهلاكية يمكن أن تخطر على بالك».
كما حصلت «أيون» على منحة دعم بقيمة 20 مليون دولار من وكالة مشروعات البحوث المتقدمة في مجال الطاقة ARPA-E التابعة لوزارة الطاقة الأميركية، نظراً لما أظهرته من تقدم تقني حقيقي على صعيد التصنيع والشحن.
يؤمن الرئيس التنفيذي الجديد، خورخي شنايدر، القادم من «جنرال موتورز»، بأن سهولة إنتاج هذه البطاريات قد تجعلها جذابة للمصانع القائمة.
فبدلاً من إنشاء «جيجافاكتوري» بمليارات الدولارات، يمكن ببساطة دمج تقنية «أيون» في خطوط الإنتاج الموجودة مسبقاً، ويُعتقد أن شركات كبرى مثل «إل جي» و«سامسونغ» و«باناسونيك» مرشحة محتملة للتعاون مستقبلاً.
لماذا الآن؟ ولماذا تهم؟
رغم التراجع الأميركي العام في تمويل تقنيات الطاقة، ترى الحكومة الأميركية أن بطاريات الحالة الصلبة تمثّل أهمية استراتيجية، خاصة في ظل السيطرة الصينية شبه المطلقة على سلاسل إمداد بطاريات الليثيوم التقليدية، لذلك فإن نجاح «أيون» لا يحمل فقط بعداً اقتصادياً، بل أيضاً جيوسياسياً.
وفيما تفتح التقنية الباب لإطالة عمر الهواتف والساعات الذكية، فإن تطبيقاتها المحتملة قد تصل إلى الطائرات والشاحنات الثقيلة والنظارات الذكية المستقبلية.
نقطة التحوّل الحقيقية ستأتي حين تتمكّن «أيون» من خفض كلفة الإنتاج والبدء في التوسع، وحتى ذلك الحين، تظل هذه البطارية الواعدة بصيص أمل للولايات المتحدة في سباق الطاقة المتقدمة، وفرصة نادرة للخروج من عباءة التبعية الصينية... بشرط أن تصمد أمام اختبارات السوق والتصنيع الواسع.