تلقت أسعار النفط الخام دفعة معنوية من خفض أسعار الفائدة الأميركية، إلّا أن توقعات الطلب المتشائمة لا تزال تسيطر على الأسواق العالمية وعدم اليقين، ما قد يؤدي إلى تراجع أسعار النفط عالمياً.
خلال الأسبوع الماضي، أعلن الفيدرالي الأميركي خفض أسعار الفائدة بواقع 50 نقطة أساس إلى النطاق 4.75 – 5 في المئة، في أول خفض للفائدة منذ مارس آذار 2020، ما عزز تفاؤل المستثمرين بانخفاض تكاليف الاقتراض في الولايات المتحدة.
وقال محللو النفط بشركة كوموديتي إنسايتس التابعة لستاندرد آند بورز غلوبال «إن أسعار الفائدة الأضعف ستدعم في نهاية المطاف الاقتصاد، وبالتالي الطلب على البنزين والديزل، لكن ضعف الطلب الموسمي لا يزال موجوداً وسيحد من أي ارتفاع في الأمد القريب».
وخفّضت منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) توقعات نمو الطلب العالمي على النفط الخام لعامي 2024 و2025، متأثرة بالبيانات الاقتصادية العالمية منذ بداية العام الجاري.
وقالت المنظمة، في تقريرها الشهري الصادر خلال الأسبوع الحالي، إن الطلب العالمي على النفط سيرتفع 2.03 مليون برميل يومياً فقط عام 2024 انخفاضاً من نمو قدره 2.11 مليون برميل يومياً في توقعات الشهر السابق، ما يعزز وجود فائض في المعروض، رغم تأجيل رفع معدلات الإنتاج.. وهذا يزيد الصعوبات التي تواجه أوبك+ في تحقيق التوازن بالسوق.
أمّا وكالة الطاقة الدولية، فخفّضت توقعاتها لنمو الطلب على النفط في 2024 في تقريرها الشهري خلال بداية الشهر الحالي، بواقع 70 ألف برميل يومياً ليصل إلى 900 ألف برميل يومياً.
وأرجعت الوكالة خفض التوقعات إلى تأثير ضعف الاستهلاك الصيني، إذ إن بيانات الاقتصاد الصيني الأخيرة زادت من مشاعر التشاؤم في الأسواق بسبب ضعف الواردات في ظل انخفاض الطلب المحلي، وهذه المشاعر طغت على تأثيرات إعصار الساحل الأميركي وإيقاف الإنتاج، وعدم استئناف الصادرات النفطية من ليبيا.
هذا فيما أبقت الوكالة توقعاتها بنمو الطلب في 2025 عند نحو 950 ألف برميل يومياً، محذّرة من تأثر سوق النفط بفائض المعروض العام القادم إذا تراجعت أوبك بلس تدريجياً عن تخفيضات الإنتاج الطوعي، وهو ما تخطط له المجموعة.
ويقول راجات كابور، مدير شؤون النفط والغاز في شركة سينرجي للاستشارات، في مقابلة مع «CNN الاقتصادية»، إن توقعات الطلب ستسهم في التأثير على أسعار النفط العالمية، «حيث يعزو هذا الانخفاض في التوقعات إلى حد كبير إلى علامات التباطؤ الاقتصادي في الاقتصادات الغربية الكبرى وكذلك الصين، كما أسهم ضعف النشاط الصناعي في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وتوقعات شتاء أكثر اعتدالاً من المعتاد عام 2024 في هذا الانخفاض في الطلب».
وتوقع كابور، زيادة إنتاج النفط من عدة مناطق، ما يسهم في توقعات هبوطية للنفط الخام، حيث من المتوقع أن يرتفع إنتاج النفط في الولايات المتحدة وكندا والبرازيل، مع دخول الإمدادات الجديدة إلى السوق في غيانا وليبيا، ما قد يضيف ما يصل إلى 1.6 مليون برميل يومياً عام 2024.
كما يتوقع أن يستمر هذا المزيج من تباطؤ الطلب في الصين وغيرها من الاقتصادات الكبرى، إلى جانب زيادة الإنتاج من مصادر خارج أوبك، في الضغط على أسعار النفط الخام، وفي حين أن اقتصادات النمو مثل الهند وأجزاء من إفريقيا قد تدفع بعض الطلب، «فمن المتوقع بشكلٍ عام أن يظل الطلب العالمي على النفط الخام ضعيفاً حتى عام 2024 وحتى النصف الأول من عام 2025، مع احتمال انتعاش الطلب في النصف الأخير من العام المقبل».
لكن مخاوف الطلب في سوق النفط ركزت على الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، مع إجماع متزايد في السوق على أن بكين لم تعد المحرك نفسه الذي يقود نمو الطلب العالمي على النفط.
لقد أثّر ضعف النشاط الصناعي في توقعات الناتج المحلي الإجمالي، في حين أن سوق العقارات المتعثرة والسكان المسنين والإنفاق المزدهر على الطاقة النظيفة يخيّم على توقعات الطلب على النفط في الصين.
وخفّض كومرتس بنك في 18 سبتمبر توقعاته لخام برنت الفوري إلى 75 دولاراً للبرميل بحلول نهاية عام 2024 و80 دولاراً للبرميل عام 2025، بانخفاض 5 دولارات للبرميل و10 دولارات للبرميل على التوالي، مشيرين إلى تدهور توقعات الطلب.
وتشير تقديرات غولدمان ساكس إلى أن السوق خفّضت توقعات الطلب على النفط بنحو مليون برميل يومياً على مدى الأشهر الستة المقبلة
ويرى البنك الاستثماري حالياً مخاطر سلبية على توقعاته لمتوسط سعر خام برنت عند 77 دولاراً للبرميل في الربع الرابع، وسمعنا بيوت التجارة الرائدة تناقش أسعاراً منخفضة تصل إلى 60 دولاراً للبرميل في مؤتمر ومعرض آسيا والمحيط الهادئ للنفط 2024، وهو ما يبتعد كثيراً عن توقعات 100 دولار للبرميل قبل أقل من ستة أشهر.
في الأسبوع الأول من سبتمبر الحالي، توقع محللو النفط بشركة كوموديتي إنسايتس التابعة لستاندرد آند بورز غلوبال، أن يبلغ متوسط سعر خام برنت القياسي 80 دولاراً للبرميل بحلول نهاية العام، قبل أن ينخفض إلى منتصف السبعينيات بحلول أواخر عام 2025.
وعلى جانب العرض، لا تزال هناك حالة من عدم اليقين بشأن ما إذا كانت أوبك+ لا تزال تنوي سحب تخفيضات الإنتاج الطوعية البالغة 2.2 مليون برميل يومياً تدريجياً بدءاً من ديسمبر، كما تراجعت المخاطر الجيوسياسية المتصورة للإمدادات مع استئناف جزئي لصادرات الخام الخفيف من ليبيا.. لكن الاستهداف الأخير لمسلحي حزب الله في لبنان قد يشعل المخاوف من صراع أوسع في الشرق الأوسط.