توقع خبراء ومحللو أسواق النفط العالمية استمرار انخفاض الطلب العالمي على النفط التابع لمنظمة أوبك خلال الفترة المتبقية من العام الحالي والعام المقبل، بما يتوافق مع توقعات منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) ووكالة الطاقة الدولية، ما يسهم في تراجع أسعار النفط العالمية متأثرة أيضاً بتصاعد التوترات الجيوسياسية.

وخفضت منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) توقعات نمو الطلب العالمي على النفط الخام لعامي 2024 و2025، متأثرة بالبيانات الاقتصادية العالمية منذ بداية العام الجاري.

وقالت المنظمة، في تقريرها الشهري الصادر خلال الأسبوع الحالي، إن الطلب العالمي على النفط سيرتفع 2.03 مليون برميل يومياً فقط في عام 2024 انخفاضاً من نمو قدره 2.11 مليون برميل يومياً في توقعات الشهر السابق، ما يعزز وجود فائض في المعروض، رغم تأجيل رفع معدلات الإنتاج. وهذا يزيد الصعوبات التي تواجه أوبك+ في تحقيق التوازن بالسوق.

أما وكالة الطاقة الدولية، فخفضت توقعاتها لنمو الطلب على النفط في 2024 في تقريرها الشهري الصادر يوم الخميس، بواقع 70 ألف برميل يومياً ليصل إلى 900 ألف برميل يومياً.

وأرجعت الوكالة خفض التوقعات إلى تأثير ضعف الاستهلاك الصيني. إذ أن بيانات الاقتصاد الصيني الأخيرة زادت من مشاعر التشاؤم في الأسواق بسبب ضعف الواردات في ظل انخفاض الطلب المحلي. وهذه المشاعر طغت على تأثيرات إعصار الساحل الأميركي وإيقاف الإنتاج، وعدم استئناف الصادرات النفطية من ليبيا.

هذا فيما أبقت الوكالة توقعاتها بنمو الطلب في 2025 عند نحو 950 ألف برميل يومياً، محذرة من تأثر سوق النفط بفائض المعروض العام القادم إذا تراجعت أوبك بلس تدريجياً عن تخفيضات الإنتاج الطوعي، وهو ما تخطط له المجموعة.

ويقول إدوارد مويا، كبير محللي السوق لدى أواندا في نيويورك سابقاً، في اتصال مع «CNN الاقتصادية»، إنه من المتوقع استمرار انخفاض الطلب العالمي على النفط التابع لمنظمة أوبك خلال الفترة المتبقية من العام الحالي والعام المقبل، «وذلك مع تزايد المخاطر على التوقعات العالمية، مع الكثير من الأخبار السلبية التي تثقل كاهل الصين والولايات المتحدة».

وأضاف مويا أن الطلب العالمي على النفط الخام على مدى العامين المقبلين سيعتمد على الانتخابات الرئاسية الأميركية ومخاطر العقارات في الصين، «حيث سيكون للانتخابات الرئاسية الأميركية تأثير كبير على الإنتاج الأميركي، فمن شأن فوز ترامب أن يدعم الدعوات إلى زيادة الإنتاج الأميركي وتكثيف التوترات بين الشركاء التجاريين الرئيسيين، ما سيكون سلبياً لتوقعات النمو العالمي، بينما فوز هاريس سيكون مصحوباً بحدث بسيط لتقليل المخاطر، حيث تضع الأسواق في الحسبان خطراً أكبر ومحتملاً على التوقعات، حيث يمكن لخطتها الاقتصادية أن تقيد الاقتصاد».

ويتوقع كبير محللي السوق لدى أواندا في نيويورك سابقاً، أن يتراوح الطلب العالمي في عامي 2024 و2025 حول 104 إلى 105 ملايين برميل يومياً، «ولكن المخاطر قد تؤثر على هذا الرقم بمقدار مليون برميل في أي اتجاه».

وعدّلت أوبك توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط في عام 2025 إلى 1.74 مليون برميل يومياً، من 1.78 مليون برميل يومياً في التوقعات السابقة.

أسعار النفط

توقع بنك سيتي غروب في مذكرة خلال الأسبوع الماضي، انخفاض متوسط سعر النفط إلى 60 دولاراً للبرميل في 2025، في حال لم تتبنَ مجموعة أوبك بلس مزيداً من خفض الإنتاج، إذ قد يؤدي ذلك إلى انخفاض الطلب وزيادة العرض من الدول غير الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك).

وأضاف أنه رغم احتمال حدوث انتعاش من الناحية التقنية في أسعار النفط، قد تفقد السوق الثقة في قدرة أوبك بلس على الحفاظ على سعر 70 دولاراً للبرميل إذا لم تلتزم المجموعة بتمديد أجل تخفيضات الإنتاج الحالية إلى أجل غير مسمى.

وقال محللون في سيتي غروب إنه إذا انخفضت أسعار برنت إلى 60 دولاراً، فقد تدفعها التدفقات المالية إلى انخفاض أكبر، ربما إلى 50 دولاراً للبرميل قبل تعافٍ محتمل.

وفي المقابل، يتوقع بنك يو بي إس أن يرتفع سعر خام برنت فوق 80 دولاراً للبرميل خلال الأشهر المقبلة استناداً إلى أن سوق النفط ما زالت تعاني من نقص المعروض على الرغم من ضعف الطلب الصيني، كما يظل الطلب قوياً في بلدان أخرى.

وتوقع بنك «جي بي مورغان» في مذكرة، أن يسجل سعر خام برنت في المتوسط 75 دولاراً في 2025، مع إبقاء تحالف أوبك+ على مستويات إنتاجه الحالية لمدة عام آخر على الأقل.

سيناريوهات تتحكم في أسعار النفط

ويقول ديفيد جوربناز، المتخصص في أسواق النفط، ومحلل أسواق النفط في ICI، تعكس توقعات أوبك المنقحة لنمو الطلب العالمي في عامي 2024 و2025 النهج الحذر الذي تتبناه المنظمة، «خاصة في ظل حالة عدم اليقين المستمرة في الاقتصاد العالمي وأسواق النفط، حيث تسهم عدة عوامل، بما في ذلك الضغوط التضخمية، والتشديد النقدي من قبل البنوك المركزية، والتحول الجاري إلى الطاقة المتجددة، في انخفاض توقعات الطلب».

ويتوقع جوربناز، أن يظل الطلب العالمي على النفط ضعيفاً على الأرجح، مع نمو أبطأ مما كان متوقعاً في السابق، «ومع ذلك أعتقد أن الطلب في آسيا، خاصة من الصين والهند، سيلعب دوراً رئيسياً في استقرار السوق، حتى مع احتمال أن تشهد الاقتصادات المتقدمة انخفاضاً في الاستهلاك بسبب التحولات في مجال الطاقة».

ويقول المتخصص في أسواق النفط، ومحلل أسواق النفط في ICI، إن عدة سيناريوهات ستتحكم في أسعار النفط خلال الفترة المقبل تتمثل في قيود العرض حال استمرار أوبك+ في تمديد أو تعميق تخفيضات الإنتاج، فقد نرى استقرار الأسعار أو ارتفاعها، خاصة إذا تم سحب المخزونات العالمية، بالإضافة إلى التباطؤ الاقتصادي إذا تعثر النمو الاقتصادي العالمي -خاصة في الاقتصادات الكبرى- فقد يضعف الطلب أكثر، ما يضع ضغوطاً هبوطية على الأسعار.

كما ستتحكم التوترات الجيوسياسية في تحديد أسعار النفط، حيث قد تؤدي المخاطر الجيوسياسية المتصاعدة، خاصة في المناطق الرئيسية المنتجة للنفط، إلى ارتفاع الأسعار، كما قد يحد تسارع التحول في مجال الطاقة من التقدم الأسرع من المتوقع في مجال الطاقة المتجددة وتبني المركبات الكهربائية من نمو الطلب، ما يبقي الأسعار منخفضة في الأمد البعيد.

بينما يرى الباحث في الجغرافيا السياسية للطاقة فرانسيسكو ساسي، أن أوبك+ ستتبع الآن استراتيجية متحفظة إلى حد ما تتمثل في «الانتظار والترقب» حتى تشير السوق إلى الاتجاه الذي يتجه إليه الطلب خلال الأشهر الستة إلى الاثني عشر المقبلة.

ولا يزال هناك انقسام كبير فيما يتعلق بتوقعات نمو الطلب في 2024 بسبب خلافات حول قدرة الطلب في الصين على التعافي ووتيرة انتقال العالم إلى السيارات الكهربائية والوقود النظيف.

توقعات متباينة

ويتوقع ساسي، أن تستمر مجموعات أوبك+ وغير الأعضاء في أوبك+ في التنافس على التأثير على أسواق النفط العالمية في الربع الأخير من عام 2024 وفي عام 2025، «إن التهديد بانخفاض أسعار النفط قد يبدأ في إلحاق الضرر بالاستقرار الاقتصادي لبعض المنتجين إذا اقتربنا من 60 دولاراً للبرميل».

استقرت أسعار النفط خلال تعاملات اليوم الخميس بعد أن بددت مخاوف انخفاض الطلب المكاسب التي تحققت من الجلسة السابقة، والتي حفزها تأثير الإعصار فرنسين على الإنتاج في الولايات المتحدة أكبر منتج للخام في العالم.

وصعدت العقود الآجلة لخام برنت لشهر نوفمبر تشرين الثاني 24 سنتاً أو 0.34 بالمئة إلى 70.86 دولار للبرميل، وصعدت العقود الآجلة للخام الأميركي لشهر أكتوبر تشرين الأول 20 سنتاً أو 0.30 بالمئة إلى 67.52 دولار للبرميل.

يقول جورج ليون، نائب الرئيس الأول في فريق أسواق النفط بشركة «ريستاد إنيرجي» الاستشارية للطاقة، لـCNN الاقتصادية، إن تقديرات أوبك أن الطلب العالمي على النفط سيرتفع بمقدار 2.03 مليون برميل يومياً هذا العام، بانخفاض عن 2.11 مليون برميل يومياً المقدرة في الشهر الماضي، «على الرغم من كونها هامشية، لا تزال مهمة وتُظهر اتجاهاً واضحاً نحو توقعات طلب أكثر قتامة، في الواقع، فإن مستوى الطلب العالمي المتوقع للعام المقبل من قبل أوبك أقل الآن بمقدار 320 ألف برميل يومياً من التوقعات في يوليو».

وأضاف ليون أنه على الرغم من المراجعة النزولية المتتالية لنمو الطلب على النفط، تظل أوبك حالة شاذة، حيث تتوقع الوكالات الأخرى مثل إدارة معلومات الطاقة الأميركية وريستاد إنرجي نمو الطلب على النفط هذا العام بنحو 1.1 مليون برميل يومياً.

وخلال بداية الشهر الحالي، أعلنت منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) وحلفاؤها وعلى رأسها روسيا تأجيل البدء في خطة التخلص التدريجي من التخفيضات الطوعية لإنتاج النفط لمدة شهرين بسبب الاضطرابات التي تشهدها السوق.

وقالت المجموعة في بيان لها «وافقت الدول الثمانية على المشاركة في الخفض الطوعي على تمديد تخفيضاتها الإضافية للإنتاج البالغة 2.2 مليون برميل يومياً لمدة شهرين حتى نهاية نوفمبر تشرين الثاني 2024، وبعد ذلك سيبدأ التخلص من هذه التخفيضات تدريجياً».

وأكدت أوبك+ أن التخلص التدريجي من التخفيضات الطوعية سيبدأ في الأول من ديسمبر كانون الأول 2024، مع مرونة إيقاف التعديلات مؤقتاً أو زيادة التخفيضات حسب الضرورة.

ويقول راجات كابور، مدير شؤون النفط والغاز في شركة سينرجي للاستشارات، في مقابلة مع «CNN الاقتصادية»، إن توقعات أوبك مؤخراً أن يرتفع الطلب العالمي على النفط الخام بمقدار 2.03 مليون برميل يومياً في عام 2024، وهو انخفاض عن توقعاتها السابقة البالغة 2.11 مليون برميل يومياً، «حيث يعزى هذا الانخفاض في التوقعات إلى حد كبير إلى علامات التباطؤ الاقتصادي في الاقتصادات الغربية الكبرى وكذلك الصين، كما أسهم ضعف النشاط الصناعي في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وتوقعات شتاء أكثر اعتدالاً من المعتاد في عام 2024 في هذا الانخفاض في الطلب».

وتوقع كابور، زيادة إنتاج النفط من عدة مناطق، ما يسهم في توقعات هبوطية للنفط الخام، حيث من المتوقع أن يرتفع إنتاج النفط في الولايات المتحدة وكندا والبرازيل، مع دخول الإمدادات الجديدة إلى السوق في غيانا وليبيا، ما قد يضيف ما يصل إلى 1.6 مليون برميل يومياً في عام 2024.

كما يتوقع أن يستمر هذا المزيج من تباطؤ الطلب في الصين وغيرها من الاقتصادات الكبرى، إلى جانب زيادة الإنتاج من مصادر خارج أوبك، في الضغط على أسعار النفط الخام، وفي حين أن اقتصادات النمو مثل الهند وأجزاء من إفريقيا قد تدفع بعض الطلب، «فمن المتوقع بشكل عام أن يظل الطلب العالمي على النفط الخام ضعيفاً حتى عام 2024 وحتى النصف الأول من عام 2025، مع احتمال انتعاش الطلب في النصف الأخير من العام المقبل».