يشهد العصر الرقمي انفجاراً غير مسبوق في إنتاج البيانات، ومن المتوقع أن يصل حجم البيانات عالمياً إلى 149 زيتابايت بحلول نهاية عام 2024.
وأشعل هذا التدفق الهائل للبيانات مخاوف بشأن السيادة الرقمية في مجال الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية ومدى قدرة الدول على بسط سيادتها الرقمية، خاصة مع احتدام المنافسة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
وتقوم القوة الاقتصادية والتكنولوجية للدول على مدى قدرتها على التحكم في بياناتها، ونماذج الذكاء الاصطناعي، وبنيتها التحتية السحابية.
واستجابة لهذه المخاوف أصدرت القمة العالمية للحكومات (WGS)، بالتعاون مع ديلويت، تقريراً حول «السيادة في الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية» دعت من خلاله الحكومات إلى تعزيز سيطرتها على بياناتها ونماذج الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية السحابية لحماية مصالحها الاقتصادية والأمنية.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
وأكد التقرير أن السيادة الرقمية ليست مجرد قضية تقنية، بل هي ضرورة استراتيجية يجب على الحكومات اتخاذ إجراءات سريعة لتحديد سياساتها السيادية، وتنفيذ أطر الحوكمة، وبناء أنظمة ذكاء اصطناعي مستقلة تتماشى مع مصالحها الوطنية.
القيادة بالقدوة
أفاد رامز شحادة الرئيس العالمي لاستراتيجية القطاع العام في Accenture بأن ما يثير الحماس حول دول الخليج هو أنها تقود المسيرة من خلال تقديم نموذج يُحتذى؛ «فهي تطبق الذكاء الاصطناعي على نفسها، سواء على مستوى الموظفين الحكوميين أو المؤسسات الحكومية، ما يوضح إمكانات الذكاء الاصطناعي للقطاع الخاص والبنية التحتية العامة والمجتمعات على نطاق واسع ويتم دمج الذكاء الاصطناعي في جميع المستويات، بدءاً من طبقات البيانات، والجوانب الأمنية، وحالات الاستخدام، وصولاً إلى تجربة المستخدمين».
وأضاف شحادة إنه يمكن القول إن دول مجلس التعاون الخليجي تتصدر المشهد من خلال تنفيذ مبادرات رائدة ومذهلة في هذا المجال، عبر مختلف الأبعاد.
وتتبنى دول الخليج نهجاً منفرداً ومتوازناً يجمع بين الأمن والابتكار مع دعم حكومي قوي واستثمارات ضخمة في السحابة السيادية وحوكمة البيانات، فيما يرتكز نموذج وادي السيلكون على الابتكار ويفتقر إلى تنظيمات قوية لحماية البيانات، ويولي النموذج الأوروبي الأولوية للحوكمة والتنظيم الأخلاقي حيث تفرض قوانين صارمة مثل اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) وقانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي، ما يوفر حماية قوية لكنه يبطئ الابتكار مقارنة بأميركا والخليج.
السيادة الذكية والرقمية
أفاد مهند تيم الشريك المسؤول عن الخدمات الحكومية والعامة في ديلويت الشرق الأوسط بأن السيادة في الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية تعتمد على قدرة الدول على حكم أصولها الرقمية وفقًا لقوانينها ولوائحها الوطنية. ولا تقتصر هذه السيادة على حماية البيانات فحسب، بل تمتد أيضًا إلى شفافية الخوارزميات، والمعايير الأخلاقية، والحوكمة التشغيلية.
وشرح التقرير أن أسباب تصاعد هذه المخاوف هو أولاً: نمو إنفاق الشركات على GenAI بنسبة 30% في عام 2024، ما يزيد من تعقيد قضايا الخصوصية واعتماد الدول على سلاسل التوريد الأجنبية، ثانياً: اعتماد عدد قليل من مزودي الخدمات السحابية العالميين على مراكز بيانات موزعة في مناطق متعددة، ما يجعل من الصعب على الدول ضمان بقاء بياناتها داخل حدودها الوطنية، ثالثاً: احتكار شركات أجنبية لخدمات الذكاء الاصطناعي والبنية السحابية يهدد السيادة الرقمية ويزيد من المخاطر الأمنية والاقتصادية.
وأشار التقرير إلى أن أحد الحلول المطروحة لمعالجة هذه المخاوف هو اعتماد حلول السحابة السيادية، وهي بيئات سحابية مخصصة تضمن تخزين ومعالجة البيانات محلياً وفقاً للوائح الوطنية.
وتتمثل فوائد تبني السحابة السيادية في ضمان الامتثال الصارم لقوانين حماية البيانات الوطنية وتعزيز الأمن والثقة وتقليل مخاطر الوصول الأجنبي إلى المعلومات الحساسة.إلى جانب زيادة الاستقلالية التي تمكن الدول من تطوير نماذج ذكاء اصطناعي مخصصة للغات والاقتصادات والسياقات المحلية.
ومن أبرز التحديات أمام هذه التطبيقات الى جانب نقص الخدمات المتاحة والتعقيد التشغيلي هي التكاليف العالية التي تتطلب إنشاء بنية تحتية سحابية سيادية استثمارات كبيرة، خاصة في وحدات معالجة الرسومات (GPUs) الضرورية لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي.
وشرح مهند أن تحقيق التوازن بين سيادة البيانات وحجم الاستثمار هو أمر بالغ الأهمية، متسائلاً حول ضرورة تصنيف البيانات وفق أهميتها السيادية وفيما لو أن المطلوب هو تخزين كل البيانات محلياً.
وأشار إلى أن دول الخليج أصدرت لوائح تنظيمية تراعي توطين البيانات؛ الأمر الذي زاد إقبال شركات الحوسبة السحابية العالمية إلى المنطقة، ومع ازدياد المنافسة في هذا المجال على الدول والحكومات الاستفادة وتحقيق التوازن المطلوب في استراتيجياتها السيادية التي يجب أن تراعي ركائز حوكمة الخوازميات والامتثال التنظيمي ومرونة البنية التحتية وسلاسل الإمداد وحماية البيانات.
وشدد مهند على ضرورة تطوير المواهب وبنائها مناشداً بضرورة إدخال الذكاء الاصطناعي ضمن المناهج الدراسية وزيادة الوعي حياله والاستثمار في بناء القدرات الذي نشرت ديليوت الشرق الأوسط تقريراً مفصلاً عنه خلال القمة العالمية للحكومات.
تقليص فجوة الذكاء الاصطناعي
ومع تباين مشهدية تبني وانتشار الذكاء الاصطناعي في مختلف دول المنطقة أفاد عبد الله الدردري الأمين العام المساعد للأمم المتحدة ومدير مكتب الدول العربية في UNDP بأن المنطقة تحتاج بأكملها إلى نهضة في التنافسية والإنتاجية، لا سيما بالدول الذي تعرضت إلى نزاعات كسوريا.
ورأى أن الإنتاجية هي الأساس للتعافي الاقتصادي في سوريا وأن الذكاء الاصطناعي سيكون محوراً أساسياً في زيادة كفاءة المؤسسات الاقتصادية والإدارية ليكون مردود الاستثمار ذات أبعاد تنموية أشمل من مجرد الاتكال على جذب الاستثمارات فقط.
وذكر أن هناك فجوة بين الدول دائماً في كل مؤشرات التنمية، ناصحاً بضرورة التعامل مع الذكاء الاصطناعي بشكل فعال للحد من تعميق الفجوة مشيراً إلى المبادرات التي يتخذها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مساعدة الدول على اختلاف مواردها من خلال بناء القدرات والمساعدة في رسم السياسات وتأهيل المؤسسات وتعزيز المهارات التي تظل التحدي الأبرز.