تشهد بيئة التجارة العالمية تغيرات متسارعة وتحديات غير مسبوقة، خاصة مع تصاعد النزعة الحمائية من بعض القوى الاقتصادية الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية.
في هذا الإطار، يتحدث جون دينتون، الأمين العام لغرفة التجارة الدولية، عن المخاطر التي تترتب على تصاعد هذه السياسات الحمائية، وتأثيرها على الأعمال التجارية الصغيرة والمستهلكين، وأهمية الحفاظ على النظام التجاري متعدد الأطراف الذي ما زالت الغالبية العظمى من دول العالم تدعمه.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
الخاسر الأكبر.. الشركات الصغيرة والمستهلكون
يؤكد دينتون أن الخاسرين الأساسيين من هذا المناخ المضطرب هم بشكل واضح «المستهلكون والشركات الصغيرة»، ويرى أن الشركات الصغيرة تحديداً تعاني من «ارتباك تام» إزاء ما يجب عليها فعله في ظل بيئة تجارية معقدة، حيث إن هذه الشركات تجد نفسها عاجزة عن فهم «القواعد التي يجب أن تسير عليها، خصوصاً أثناء سعيها إلى ممارسة التجارة عبر الحدود».
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
وأوضح دينتون، في حواره مع CNN الاقتصادية، أن نتائج استطلاع الرأي "Pulse" الذي تصدره غرفة التجارة الدولية قريباً، تُظهر أن مستوى عدم اليقين في مجتمع الأعمال العالمي مرتفع للغاية، وتزداد حدة هذا الشعور في البلدان التي تتجه حكوماتها نحو اتخاذ إجراءات انتقامية ضد سياسات حمائية لدول أخرى.
وتابع قائلاً: «رسالة مجتمع الأعمال للحكومات واضحة للغاية: لا تردوا بالمثل، لأن هذا الرد سيزيد من التقلبات، ويعمق التحديات التي تواجهها الشركات والمستهلكون على حد سواء».
الولايات المتحدة ليست وحدها
على الرغم من القلق الذي تثيره سياسات الإدارة الأميركية في التجارة الدولية، يرى دينتون أن الولايات المتحدة ليست قادرة وحدها على إشعال حرب تجارية عالمية، ويؤكد أن أميركا لا تمثل سوى «13% فقط من حجم التجارة العالمية»، بينما «87% المتبقية تريد أن تستمر في العمل ضمن النظام التجاري متعدد الأطراف الحالي».
ويرى دينتون أن الخطر الأكبر هو «توسع نطاق الردود الانتقامية» من جانب الاقتصادات الأخرى، إذ إن هذا السيناريو هو ما يمكن أن يقود بالفعل إلى حرب تجارية عالمية حقيقية، وشدد على أهمية أن تفهم الحكومات هذا الخطر، وأن تتجنب الانجرار إلى إجراءات انتقامية قد تؤدي إلى «أضرار لا تُحصى».
الشركات الأميركية داعم قوي للنظام متعدد الأطراف
يشير دينتون إلى أن نسبة كبيرة من الشركات الأميركية نفسها، ترغب في الحفاظ على النظام التجاري متعدد الأطراف القائم، مؤكداً أن هذه الشركات «تعمل على مستوى العالم وإقليمياً وثنائياً، وتريد للاقتصادات التي تعمل فيها أن تنجح، ولا تريد أن ترى تلك الاقتصادات تدخل في دوامة تدهور».
وبالتالي، فإن مصالح هذه الشركات تتوافق مع مصالح غالبية دول العالم، في الحفاظ على نظام تجاري عالمي مستقر وفعّال، ويضيف دينتون: «مصلحة الأعمال العالمية تقتضي استمرار هذا النظام، لأن البديل هو الفوضى، وأضرار جسيمة تصيب الجميع دون استثناء».
الإمارات كنموذج للقيادة الاقتصادية والتجارية
عند الحديث عن التجارب الإيجابية في دعم النظام التجاري متعدد الأطراف، يبرز مثال دولة الإمارات العربية المتحدة، التي يرى دينتون أنها «تمثل نموذجاً يُحتذى في كيفية استخدام النظام التجاري متعدد الأطراف لتحقيق النمو والازدهار الاقتصادي، ليس فقط للإمارات، وإنما لمنطقة الخليج والمنطقة العربية ككل».
وأوضح أن الإمارات أدركت جيداً أهمية موقعها الاستراتيجي كجسر اقتصادي يربط بين إفريقيا وآسيا وأوروبا، ونجحت في بناء شراكات اقتصادية مستدامة مع هذه المناطق، مع احترام تام لقواعد منظمة التجارة العالمية.
ولفت دينتون إلى أن «سياسة التجارة الإماراتية مبنية بالكامل على أساس النظام متعدد الأطراف الذي تسعى غرفة التجارة الدولية لتعزيزه وتطويره»، معتبراً أن الإمارات أثبتت أن الالتزام بالنظام متعدد الأطراف يمكن أن يكون مجدياً اقتصادياً وعملياً في الوقت ذاته.
الاقتصاد الرقمي.. المستقبل الذي تقوده الإمارات
من النقاط المهمة التي ركّز عليها دينتون في حديثه، هي الجهود التي تبذلها الإمارات لدمج عناصر الاقتصاد الرقمي في النظام التجاري العالمي متعدد الأطراف، ويرى أن هذا الدمج هو جزء من الدور القيادي الذي تلعبه الإمارات في تعزيز وتحديث النظام التجاري الدولي.
وقال دينتون إن الإمارات تسعى من خلال الاتفاقيات الإقليمية والتجارية التي تبرمها إلى ضمان أن «الاقتصاد الرقمي بات جزءاً لا يتجزأ من نظام التجارة متعدد الأطراف»، وهو أمر يرى دينتون أنه «بالغ الأهمية» في ظل التحولات الاقتصادية العالمية الراهنة.
وفي ختام الحوار، حذّر دينتون من أن أي محاولة لإشعال حرب تجارية عالمية ستكون لها عواقب وخيمة، قائلاً: «إذا تحولت هذه التحديات إلى كرة ثلج تؤدي إلى حرب تجارية عالمية، فإن ذلك سيتسبب في فوضى عارمة وأضرار لا تُحصى، وهذا تحديداً ما نحاول تفاديه».
ودعا الحكومات العالمية إلى الإصغاء جيداً لمطالب القطاع الخاص، وأخذ زمام المبادرة لتطوير وتحديث النظام التجاري متعدد الأطراف، لأن هذا هو الطريق الوحيد لتحقيق نمو اقتصادي مستدام يستفيد منه الجميع، ولا يستثني أحداً.