فرنسا تنقذ كنوزها بـ1.6 مليار يورو

جهود فرنسا في صون تراثها.. شراكة بين الدولة والقطاع الخاص.. تشير لافتة تحت عنوان «تاريخ باريس» إلى أن المبنى القائم في الدائرة الرابعة من باريس الذي تتسم واجهته بتداخل العروق الخشبية السوداء مع الحجارة والجص الأبيض هو أقدم مبنى سكني في العاصمة.

تتكرر هذه اللافتة نحو 45 ألف مرة في شوارع فرنسا، وليس باريس فحسب، إذ تضم فرنسا نحو 45 ألف أثر على أرضها، وهو رقم له تأثيره على ميزانية الدولة، حيث تبلغ تكلفة هذا الإرث الثقافي نحو 1.6 مليار يورو في العام، وهو ما يمثل نحو ثلث ميزانية وزارة الثقافة الفرنسية، وهذا حسب بيانات الإدارة العامة للتراث والعمارة.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

تعود جذور الاهتمام الرسمي بالتراث الفرنسي إلى نحو 150 عاماً، حيث بدأت أولى عمليات إعداد القوائم في عام 1840، لكن الشرارة الحقيقية لولادة فكرة ترميم الآثار بسبب اندلاع الثورة الفرنسية.

فموجات التخريب التي أعقبت الثورة أدت إلى إدراك عميق بأن هذا التراث، الذي سعى البعض إلى تدميره، هو في حقيقته ملك للشعب الفرنسي بأكمله، وهو نتاج ألف عام من العمل، من هنا، بدأ تدخل الدولة بشكل فعَّال لحفظ هذا الإرث ونقله سليماً للأجيال القادمة.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

ويقول كليمون غينامار، في حديث خاص مع CNN الاقتصادية، وهو مرمم آثار فرنسي ومالك لإحدى الشركات الخاصة العاملة في هذا المجال «إن الدولة في فرنسا تقوم بهذا الدور؛ نقل التراث إلى الأجيال القادمة، وإنه على الرغم من هذا الحجم من الإنفاق فإن نحو 20 في المئة من المباني المسجلة معرضة للخطر».

ولكن أثناء وجود فريق CNN الاقتصادية في باريس اتضح لنا تغطية العديد من المباني التاريخية بلافتات إعلانية شاهقة، فقصر غارنيه الذي يقع بداخلة دار الأوبرا فخم مغطى بإعلان لماركة حقائب ديشان، كما أن كنيسة لا ترينيتيه التي تم تشييدها في القرن السابع عشر التي تقع في الدائرة التاسعة يغطي واجهتها إعلان ضخم لماركة هيرميس الشهيرة بالمنتجات الفخمة، وكل لافتة إعلانية تعني أن هذه الشركة تقوم بتحمل نفقات الترميم.

يوضح غينامار أن 300 مليون يورو فقط من مبلغ 1.6 مليار يورو موجَّه للترميم، «لكن تكلفة حفظ التراث تتكلف أكثر من هذا بكثير؛ حيث إن أمام كل يورو تنفقه الدولة للحفاظ على التراث يقوم القطاع الخاص بإنفاق 2.4 يورو».

ويعتبر غينامار شاهداً على هذه البيانات، حيث يبرز دور شركته الخاصة العاملة في تشخيص مشكلات المباني التراثية وتقديم تقرير قبل الاعتزام في ترميمها، ويقول إن 90 في المئة من الدراسات التي تقوم الشركة بإعدادها، تقوم الدولة بتمويلها، بينما النسبة المتبقية تأتي من القطاع الخاص، وبناء عليه، «فإن 90 في المئة من إيرادات شركاتنا الخاصة تأتي من مشروعات الدولة» وذلك بفضل البرامج الحكومية المخصصة لترميم الآثار.

وتعد فرنسا الوجهة السياحية الأولى في العالم بواقع 100 مليون سائح في عام 2024 بحسب بيانات الحكومة الفرنسية.. وهو ما يمثل زيادة قدرها 2 في المئة مقارنة بعام 2023، ويفسر المراقبون هذه الزيادة بتنظيم باريس للأولمبياد الصيف الماضي، ويتوقعون كذلك تحقيق نمو في أعداد السائحين في عام 2025 وهذا بفضل إعادة افتتاح كاثدرائية نوتر دام دو باري والتي كلّف ترميمها نحو 700 ألف يورو وهذا بعد دمار سقفها الخشبي بسبب حريق عارم ألتهمه في منتصف أبريل نيسان من عام 2019.

ومن المتوقع أن تتصدر كاثدرائية نوتر دام دو باري قائمة الآثار الفرنسية الأكثر زيارة من جديد، ليليها متحف اللوفر ثم قصر فيرساي وبرج إيفل.