يبدو أن بنك اليابان يقترب أكثر من النهج النقدي التقليدي، مع تراجع نفوذ دعاة إعادة التضخم (Reflationists) وتعيين جونكو كودا، الأستاذة الأكاديمية ذات التوجهات المؤيدة لرفع أسعار الفائدة، في مجلس إدارة البنك.
هذا التغيير يمثل تحولاً كبيراً في توجهات البنك المركزي، إذ كانت سياسته خلال العقد الماضي تعتمد على التيسير النقدي الحاد لدفع الاقتصاد نحو تحقيق هدف التضخم عند 2 في المئة، لكن مع ارتفاع التضخم إلى ما فوق هذا المستوى منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، بات البنك يركز على رفع أسعار الفائدة تدريجياً، على غرار البنوك المركزية العالمية الأخرى.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
تعيين جونكو كودا.. خطوة نحو التشديد النقدي
كودا، البالغة من العمر 49 عاماً، تحمل درجة الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا-لوس أنجلوس (UCLA)، وهي خبيرة في التحليل الكمي لتأثيرات السياسة النقدية، ومن المتوقع أن تعزز توجهات الحاكم الحالي للبنك، كازو أويدا، الذي كان أيضاً أكاديمياً قبل توليه المنصب.
ستحل كودا محل أحد دعاة التيسير النقدي الذين دعموا السياسات غير التقليدية تحت قيادة المحافظ السابق هاروهيكو كورودا منذ 2013، ومع مغادرة سيجي أداشي في مارس آذار، سيبقى فقط أساي نوجوتشي كممثل أخير للنهج التيسيري داخل المجلس، والذي بدوره صوت بالفعل لصالح رفع الفائدة في يناير كانون الثاني، كما أن تويواكي ناكامورا، وهو عضو آخر معروف بنهجه الحذر، سيغادر في يونيو حزيران، ما يجعل المجلس أكثر ميلاً نحو تبني زيادات تدريجية في الفائدة.
ابتعاد عن السياسات غير التقليدية
يرى المحللون أن هذا التغيير يعكس ابتعاد بنك اليابان عن السياسات النقدية غير التقليدية التي استمرت لعقد كامل، حيث يعود إلى النهج التقليدي بتحريك أسعار الفائدة قصيرة الأجل وفقاً لتطورات الاقتصاد والتضخم.
يقول تاكاهيدي كيوشي العضو السابق في مجلس بنك اليابان «رغم أن كودا قد تتبنى موقفاً متوازناً تجاه السياسة النقدية، فإن رحيل الأعضاء ذوي العقلية التيسيرية سيؤدي إلى توجه البنك نحو تطبيع السياسة النقدية».
وأضاف أن تعيين شخص مثل كودا يتماشى مع هدف أويدا في العودة إلى النهج التقليدي، إذ يتم توجيه السياسة النقدية عبر التحكم في أسعار الفائدة قصيرة الأجل بدلاً من اللجوء إلى التحفيز الضخم.
تقليص الميزانية العمومية
أنهى بنك اليابان سياسة الفائدة السلبية العام الماضي، ورفع سعر الفائدة قصيرة الأجل إلى 0.5 في المئة، ومع ذلك لا يزال البنك مثقلاً بحجم هائل من الأصول التي تراكمت خلال سنوات التحفيز النقدي، كما أنه يتباطأ في خفض مشتريات السندات.
مع خبرتها في تحليل السياسات النقدية، قد تلعب كودا دوراً رئيسياً في النقاش حول إلى أي مدى يمكن لبنك اليابان رفع الفائدة، وكيف يمكنه تقليص ميزانيته العمومية الضخمة دون الإضرار بالاقتصاد.
كما أن لها خبرة سابقة مع بنك اليابان، إذ عملت كباحثة زائرة في معهد أبحاث البنك بين 2017 و2018، وخلال تلك الفترة، حذرت من الآثار السلبية لسياسات التيسير النقدي طويلة الأمد، مثل تآكل الانضباط المالي وإبقاء الشركات غير المربحة على قيد الحياة.
وفي دراسة نشرتها عام 2018، قدمت كودا تحليلاً يعتمد على النمذجة الاقتصادية، خلصت فيه إلى أن إنهاء الفائدة السلبية قد يحفز الاقتصاد بدلاً من أن يضره، وأن رفع الفائدة قبل بلوغ التضخم مستوى 2 في المئة لن يكون بالضرورة مضراً بالنمو.
مخاوف بشأن سوق السندات والديون
إلى جانب عملها في السياسة النقدية، كودا عضو في لجنة استشارية لوزارة المالية حول إدارة الديون، وقد دعت إلى استخدام وسائل تحليلية أكثر تطوراً لتقييم مخاطر ارتفاع عوائد السندات وتأثيرها على تكلفة تمويل الديون اليابانية الضخمة.
يرى نوبو ياسو أتاغو، المسؤول السابق في بنك اليابان، أن إعادة تشكيل مجلس الإدارة تعكس تحول التركيز من مكافحة الانكماش إلى التعامل مع تحديات التحفيز النقدي طويل الأمد، مثل تقليص الميزانية العمومية الضخمة.
وأضاف «هذه مشكلة تواجه العديد من البنوك المركزية، يحتاج بنك اليابان إلى التعاون مع نظرائه العالميين والالتزام بالمعايير الدولية، ومن هذا المنطلق، فإن تعيين كودا يعد خطوة منطقية للغاية».