أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قراره بوقف إنتاج البنس، معللاً ذلك بأن تكلفة صكه تتجاوز قيمته الفعلية، وبينما يبدو القرار خطوة منطقية لتوفير المال، إلا أنه يثير معضلة جديدة في ظل زيادة الحاجة إلى إنتاج النيكل، وهو ما قد يُكبّد الخزانة الأميركية خسائر أكبر.
فهل يؤدي التخلص من البنس حقاً إلى تقليل الإنفاق الحكومي، أم أنه مجرد نقل للخسائر من عملة إلى أخرى؟
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن أنه أصدر أوامر لدار السك الأميركية بوقف إنتاج البنس، مشيراً إلى أن تكلفة صكه تتجاوز قيمته الفعلية. وكتب ترامب عبر منصته «تروث سوشال»:
«لعقود طويلة، واصلت الولايات المتحدة إنتاج البنس رغم أن تكلفته تفوق سنتين، وهذا هدر كبير! حان الوقت للقضاء على الهدر في ميزانيتنا، حتى لو كان سنتاً في كل مرة».
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
ورغم صحة حجته بشأن تكلفة البنس، فإن ترامب قلل من تقدير الخسائر الفعلية، حيث تبلغ تكلفة إنتاج البنس الواحد أكثر من 3 سنتات.
مشكلة جديدة.. النيكل أكثر تكلفة
لكن التخلص من البنس يخلق مشكلة جديدة، وهي الحاجة إلى سك المزيد من النيكل، والذي يُكبد الحكومة الأمريكية خسائر أكبر بكثير من البنس.
وفقاً لجمعية «أميركيون من أجل البنس» (Americans for Common Cents)، وهي مجموعة تدعم استمرار استخدام البنس بتمويل من شركة «Artazn» الموردة لأقراص المعادن المستخدمة في صكه، فإن إزالة البنس ستؤدي إلى زيادة الاعتماد على النيكل لسد الفجوة في المعاملات النقدية الصغيرة.
وتشير التقارير السنوية لدار السك الأميركية إلى أن تكلفة إنتاج البنس تبلغ 3.7 سنت، تشمل 3 سنتات تكاليف إنتاج و0.7 سنت للتوزيع والإدارة، بينما تصل تكلفة إنتاج النيكل إلى 13.8 سنت، بواقع 11 سنتاً للإنتاج و2.8 سنت للإدارة والتوزيع.
وخلال العام المالي الماضي، حاولت دار السك تقليل الخسائر عبر تقليص إنتاج النيكل بنسبة 86% ليصل إلى 202 مليون قطعة فقط، مقارنة بـ1.4 مليار نيكل في العامين السابقين، ومع ذلك، فقد تم إنتاج 3.2 مليار بنس في 2024، و4.1 مليار في 2023، و5.4 مليار في 2022.
إذا اضطرت دار السك لإنتاج 850 مليون نيكل إضافي في 2025 لتعويض اختفاء البنس، فإن ذلك سيمحو أي وفورات مالية ناتجة عن إيقاف إنتاجه، وإذا عاد الإنتاج إلى 1.4 مليار نيكل سنوياً، فإن ذلك سيكلف الحكومة 78 مليون دولار إضافية مقارنة بتكلفة إنتاج البنس.
بل إن بعض التقديرات تشير إلى أن الحاجة قد تتجاوز 2 إلى 2.5 مليار نيكل سنوياً لتعويض اختفاء البنس، استناداً إلى تجارب دول أخرى ألغت عملاتها المعدنية الأقل قيمة.
لماذا تكلفة النيكل تتزايد؟
أحد أسباب ارتفاع تكلفة النيكل مقارنة بالبنس هو تركيبة المعدن المستخدم، يتكون النيكل من 75% نحاس و25% نيكل، بينما يتكون البنس من 97.5% زنك و2.5% نحاس فقط، ومع تقلب أسعار المعادن عالمياً، فإن أسعار النحاس والنيكل تضاعفت مقارنة بعام 2016، في حين بقي سعر الزنك مستقراً نسبياً.
هل التخلص من البنس فكرة جيدة رغم التكاليف؟
رغم المخاوف المالية، يرى بعض الخبراء أن التخلص من البنس لا يزال خطوة إيجابية، إذ يمكن أن يُسرّع من عمليات الدفع النقدي.
فوفقاً لجمعية المتاجر الأميركية، فإن إلغاء البنس قد يقلل وقت كل معاملة نقدية بضع ثوانٍ، ما يسهم في تحسين سرعة الخدمة، وبالفعل، قامت كندا بإلغاء البنس عام 2012 وأوقفت استخدامه نهائياً في 2013.
لكن على الرغم من قدرة ترامب على إصدار قرار بوقف سك البنس، فإن منعه تماماً من التداول يتطلب موافقة الكونغرس، وهو ما قد يستلزم استرجاع ملايين البنسات المتداولة، وهي خطوة كلفت كندا أكثر من المتوقع.
مستقبل العملات المعدنية في أميركا
بمرور الوقت، فقدت العملات المعدنية الصغيرة مثل البنس قيمتها العملية، فمعظم أجهزة البيع الآلي لم تعد تقبلها، كما أن العديد من الأميركيين يتجاهلون التقاطها عند سقوطها على الأرض أو يتركونها في أطباق «خذ عملة واترك عملة» على طاولات المتاجر.
لكن حتى النيكل بدأ يواجه المصير ذاته، حيث يُترك في كثير من الأحيان بجانب البنسات، ما يشير إلى أن قيمته العملية تتضاءل أيضاً.
وكما قال جريجوري مانكيو، أستاذ الاقتصاد بجامعة هارفارد والمستشار الاقتصادي السابق في إدارة جورج بوش:
«عندما يبدأ الناس في ترك فئة نقدية عند الصندوق من أجل الشخص التالي، فهذا يعني أن قيمتها أصبحت ضئيلة للغاية».