الذهب «مقبرة المتداولين».. عندما يسرق صانع السوق محافظ المضاربين في صمت

الذهب «مقبرة المتداولين».. عندما يسرق صانع السوق محافظ المضاربين في صمت

في قلب الأسواق، حيث تتصارع العقول على اقتناص الفرص، يسطع الذهب كبريقٍ يخطف الأبصار ويُغري الطامحين بثروات سريعة، لكنه سرعان ما يتحوّل إلى سراب مُخادع، يتبخر بين أنامل المضاربين كرماد حلم محترق.

هناك، في خلفية الشاشات البراقة ومؤشرات التحليل الفني المزخرفة، يقبع كيان خفي يُدير المشهد بحنكة لا ترحم؛ «صانع السوق»، أو ما يعرف في أروقة التداول بـ«الميكر».

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

تبدأ يومك مع ميكر الذهب وقد أخذت جرعة فوق الكافية من الكافيين تأهباً لمكره، أديت واجبك في قراءة وتحليل أخبار الشركات والاقتصاد العالمي وتعلم يقيناً أن ميكر الذهب عاشق للكوارث والمصائب حول العالم فهي التي تدفعه صعوداً، ومتى يحل السلام والأمان يهبط دون سابق إنذار، أخذت على عاتقك تنفيذ استراتيجية حذرة بضوابط صارمة، غير أن كل ماسبق لن يجدي نفعاً.

فالذهب «مقبرة المتداولين»، وصانع سوق شرس تعتقده يتداول بالتحليل الموجي للعظيم «إليوت» صاحب علم الموجات الشهير، غير أن ميكر الذهب قرر أن يتداول هذا اليوم في نطاق عرضي معتمداً على القنوات السعرية القصيرة.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

تعتقد أنه يهبط بوتد ليصعد، و«الوتد» إشارة فنية شهيرة لدى جمهور المتداولين، غير إنه ليس «وتداً» بالمطلق، بل إن الميكر قرر الاختراق بفجوة هابطة لا يعلم نقطة القاع لها أحد في السوق سوى هو نفسه.

الذهب هو «مقبرة المتداولين» بحق، فحين تتبخر ثروات المضاربين على أيدي صانع السوق بخداع ناعم بلون المعدن النفيس الذهب يكون العنوان «صانع السوق» للذهب.

يبيع فور أن تشتري، ويشتري عقب دخولك كبائع، إنه الذهب مقبرة المتداولين والمضاربين.

صانع السوق لسلعة الذهب في السوق الفورية قادر على قلب مناطق الدعم مقاومة وجعل مناطق المقاومة دعماً.

صانع السوق لسلعة الذهب يعطي إشارات الاختراق باحتراف شديد ثم يعود إلى نطاقه العرضي وكأن شيئاً لم يكن.

صانع السوق لسلعة الذهب يدمر طلبات الشراء والبيع من دون أن يعطي فرصة أي مكاسب لا للمشتري ولا للبائع.

صانع السوق لسلعة الذهب يستخدم شموع الاختراق الكاذبة التي يسميها المتداولون (spike, bin bar, Engulfing) لإخفاء وجهته على أي نطاق زمني سواء كان دقيقة أو ساعة أو يوماً أو شهراً.

صانع السوق لعملة الذهب لا يكسب المضاربون معه إلا ربما من قام بعمل حركات عكسية لما تراه عيناه وهو المستحيل بعينه.

خداع ناعم بلون الذهب

ليس الميكر مجرد وسيط يوفّر السيولة، بل هو المايسترو الذي يعزف لحن الخسارة في آذان المتداولين، يتحكم في حركة السعر كما يشاء، ويرسم له المسار الذي يُوهم الجميع بأنه الاتجاه الحقيقي.

يُطلق إشارات فنية مغرية، كاختراقات كاذبة لمناطق دعم ومقاومة، أو تكوينات فنية تُشبه النماذج الكلاسيكية التي درسها المحللون على مدى سنوات، ثم يقلب الطاولة في اللحظة الحاسمة، ليكشف أنها كانت مجرد طُعم أُحكم نسجه.

من السذاجة إلى الفخ.. بخطوة واحدة

كم من مدير تداول محترف وقع ضحية «اختراق صاعد» للذهب نحو قمم تاريخية، فدفع بأوامر الشراء مطمئناً، قبل أن يهبط السعر كالصاعقة، ويُفعل وقف الخسارة في اللحظة التالية! وكم من محللٍ فنّي وثق في نموذج «الرأس والكتفين»، وأعلن انعكاس الاتجاه، ليُفاجأ بالسعر يحطّم كل قواعده ويواصل الصعود!

الميكر يعرف نفسية المتداولين، يقرأ ما في عقولهم قبل أن تُرسم على الشموع، يعرف أين توضع أوامر وقف الخسارة، وأين يحتشد المشترون، وأين يتربص البائعون، ثم يُطلق «الشمعة القاتلة» التي تفتك بالجميع دفعة واحدة، قبل أن يعيد السوق إلى مساره الحقيقي وكأن شيئاً لم يكن.

منصة بلا رحمة.. ومنطق بلا إنصاف

في منصات العقود مقابل الفروقات (CFDs) ومنصات ميتاتريدر، حيث لا تُنَفَّذ الصفقات في السوق الحقيقية بل داخل المنصة نفسها، يصبح الميكر الخصم والحَكم في آنٍ معاً.

فالسعر لا يعكس السوق العالمية بالضرورة، بل يعكس ما يريده صانع السوق أن يراه المتداول، فرق سعر طفيف، أو تأخير جزء من الثانية في التنفيذ، قد يعني الفارق بين ربح مؤكد وخسارة حتمية.

سر اللعبة.. فخ المشاعر والتحليل المغشوش

صانع السوق لا يخدع السعر فقط، بل يخدعك أنت، يدفعك إلى التحيز، إلى الثقة الزائدة، إلى الخوف غير المبرر، وإلى الطمع الأعمى، يفتح لك أبواب التحليل الفني لتظن أنك تقرأ السوق كما تقرأ كتاباً مفتوحاً، ثم يغلقها عليك كقبر بطيء الإغلاق، إنه خصم ذكي، يلبس ثوب الصديق، ويحدثك بلغة المنطق، لكنه في العمق يخطط لسقوطك بصمت مميت.

كيف تنجو من مصيدة الذهب؟

النجاة تبدأ بالإدراك؛ إدراك أن ما تراه على الشاشة ليس بالضرورة ما يجري في السوق الحقيقية، لا تضع كامل ثقتك في إشارة فنية لم تؤكدها بيانات أساسية أو حركة سيولة حقيقية، تجنّب التداول في أوقات الأخبار الكبرى، حيث يشتد لعب الميكرين، ويعلو صراخ الشموع المتذبذبة، ضع خططك بحكمة، ولا تجعل وقف الخسارة مكشوفاً كصدر بلا درع.

وقبل كل شيء، تعامل مع الذهب كما تتعامل مع العدو الذكي؛ راقب، احذر، تحلّ بالصبر، ولا تستعجل المواجهة، فالذهب، رغم بريقه، لا يرحم من يخوضه ساذجاً أو واثقاً أكثر من اللازم.