في عمق الجنوب التونسي، وتحديداً في محافظة مدنين، بدأ مشروع نسائي غير مسبوق يسعى لتحويل حليب الإبل إلى رافعة اقتصادية تنعش المجتمعات المهمشة في الصحراء.
تقود هذا المشروع لطيفة فريفيطة، شابة تونسية تبلغ من العمر 32 عاماً، أطلقت في عام 2023 أول وحدة لبسترة
حليب الإبل في تونس، تحت اسم «شامليه»، بدعم من «معهد المناطق القاحلة»، ويهدف المشروع إلى تثمين هذا المورد الطبيعي المهمل، وتحويله إلى منتج صحي ذي قيمة تجارية عالية.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
بصمة نسائية وبحث علمي
فريفيطة التي تحمل شهادة ماجستير في تقنيات الأغذية، استندت في مشروعها إلى أبحاث الدكتورة آمال السبوعي، الباحثة في الكيمياء الحيوية بمعهد المناطق القاحلة، والتي نجحت في تطوير تقنية بسترة خاصة تحافظ على الخصائص الغذائية والعلاجية لحليب الإبل.
وبحسب الفريق البحثي، الذي يتكون معظمه من نساء، فإن حليب الإبل يحتوي على نسبة حديد أعلى بخمس مرات من حليب الأبقار، ولا يسبب الحساسية، كما يتمتع بخصائص مضادة للبكتيريا والالتهابات، وقد أظهرت التجارب السريرية التي أجريت في مستشفى مدنين أن تناوله قد يساعد مرضى السكري على تقليل جرعات الأدوية إلى النصف أحياناً.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
من مقاومة المربين إلى شراكات موثوقة
لم يكن الطريق سهلاً، فريفيطة واجهت في البداية صعوبة في إقناع مربي الإبل ببيع الحليب، إذ اعتاد الكثيرون منهم على استهلاكه شخصياً أو توزيعه مجاناً، فيما يفضل معظمهم تجارة اللحوم، لكنها تمكنت مع مرور الوقت من بناء علاقات ثقة وقعت على إثرها اتفاقيات لتزويد الوحدة بالحليب.
تنتج «شامليه» حالياً نحو 500 لتر أسبوعياً، وتوزع منتجاتها عبر الطلب المباشر وعبر شبكة من 12 متجراً، بسعر يعادل نحو 4 دولارات للتر الواحد. وتطمح الشركة إلى مضاعفة الإنتاج خلال العامين المقبلين، وفق وكالة الأنباء الفرنسية.
تدريب وإدماج المجتمعات المحلية
بجانب الإنتاج، تعمل المحطة التابعة للمعهد في منطقة شانشو على تدريب المزارعين على تقنيات الحلب الآلي، الذي يرفع إنتاج الحليب إلى 6 أو 7 لترات يومياً لكل ناقة، مقارنة بلترين فقط باستخدام الطريقة التقليدية.
وتمثل هذه الخطوة جزءاً من خطة أوسع لإدماج المجتمعات المحلية في سلسلة القيمة، ما يسهم في خلق فرص عمل جديدة وتقليص الفجوة التنموية في المنطقة.
مستقبل واعد لمنتج مهمش
إلى جانب منتجات الحليب الطازج، تدرس السبوعي تطوير أشكال أخرى من منتجات حليب الإبل، مثل المساحيق المجففة بالتجميد، لاستخدامها كمكملات غذائية أو أدوية مستقبلية، ما يتطلب براءات اختراع جديدة وأبحاثاً إضافية.
وتعتبر إدارة المعهد أن تجربة فريفيطة تجسد النموذج الذي يسعون إليه: تحويل البحث العلمي إلى مشاريع اقتصادية تحدث فرقاً في المجتمعات الصحراوية، فمحافظة مدنين تعاني من معدلات بطالة وفقر تفوق المعدلات الوطنية، ما يدفع الآلاف من شبابها إلى الهجرة.
ويقول معز الوحيشي، مسؤول الابتكار في المعهد، إنهم ساعدوا منذ 2010 في إطلاق 80 مشروعاً، وفرت ما بين 600 وألف فرصة عمل، مضيفاً أن مركزاً لتجميع حليب الإبل سيتم تدشينه نهاية 2025، ما سيضاعف القيمة الاقتصادية للمنتج الذي لطالما اعتبر مهمشاً، وقد يتحول إلى «الذهب الأبيض» الجديد في الجنوب التونسي.