العصر الذهبي للاحتيال وأسطورة «فاوست».. كيف تخدعك الشركات؟

أحد مشاهد فاوست (رويترز)
العصر الذهبي للاحتيال وأسطورة «فاوست».. كيف تخدعك الشركات؟
أحد مشاهد فاوست (رويترز)

نعيش اليوم في «العصر الذهبي للاحتيال»، فلا يكاد يمر يوم دون أن نتلقى رسالة نصية مشبوهة تطالبنا بدفع رسوم لم يتم سدادها، أو مكالمة من رقم مجهول بصوت يشبه البشر إلى درجة مرعبة، لكن يقف خلفه ذكاء اصطناعي.

وقد يبدو هذا الكمّ من محاولات الاحتيال كأنه جزء من صفقة «فاوستية» أبرمناها دون أن ندري: فمقابل الوصول غير المسبوق إلى كل معارف العالم وأفراده عبر هواتفنا الذكية، صار بمقدور الجميع الوصول إلينا أيضاً –بمن فيهم المحتالون والنصابون- بل إن عدد هؤلاء أصبح يفوق أي وقت مضى.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

(صفقة «فاوستية» نسبة إلى أسطورة «فاوست» (Faust)، وهي شخصية خيالية ألمانية اشتهرت في الأدب، أبرزها في مسرحية غوته، فاوست كان عالِماً أبرم اتفاقاً مع الشيطان (مفيستوفيليس) ليمنحه قوى خارقة ومعرفة غير محدودة، مقابل أن يستحوذ الشيطان على روحه بعد موته).

ورغم هذا الزخم، لم يفقد الجمهور شهيته لقصص الخداع والاحتيال، بل أصبحت هذه القصص مادة دسمة للكتب، والبودكاست، والوثائقيات، وسلاسل البث، فمن قصة إليزابيث هولمز وشركتها المحتالة «ثيرانوس»، إلى مهرجانات «فاير» الفاشلة، مروراً بطوائف القيامة الوهمية، كل تلك القصص تجد لها جمهوراً متعطشاً.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

أحد أبرز من يتناولون هذه الظاهرة بأسلوب جديد ومختلف هو الكوميدي الأميركي المقيم في لوس أنجلوس، أليكس فالكوني، عبر قناته على تيك توك، يقدم فالكوني مقاطع قصيرة لا تتجاوز الدقيقتين، يفضح فيها حيل المحتالين، سواء الكبار في عالم التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، أو حتى أولئك الذين يبيعون «الشوكولاتة البيضاء».

ورغم أنه لا يُعرّف نفسه كصحفي، فإن فالكوني يظهر شغفاً واضحاً بكشف ما وراء الستار، كما يقول: «أنا لا أحب أن أفسد يوم أحد، لكني أريد أن أوضح لهم كيف يتم خداعهم بطريقة لا تحبطهم كلياً».

على تيك توك، اجتذبت سلسلته الشهيرة «هل هو احتيال؟ نعم» أكثر من نصف مليون متابع، وهو يستخدم أسلوباً سريعاً ساخراً مليئاً بالمعلومات، يكشف من خلاله كيف تبيع الشركات والجماعات أفكاراً أو منتجات مضللة للجمهور.

«ولدت في بيئة تحب الخدع»

في مقابلة عبر «زووم»، كشف فالكوني أنه نشأ في بيئة مألوفة تماماً لفن الخداع، فجده كان يعمل بائعاً متجولاً في عروض السيرك، يروج لأدوات المطبخ والحيل السحرية، بينما كان والده يساعده في الترويج من بين الجمهور. ويقول: «كنت دوماً مفتوناً بكيفية حدوث تلك الحيل، أريد أن أعرف كيف يتم خداعي».

ويضيف: «بدأت بسلسلة معلومات تسمى 'حقائق غير ممتعة'، وهي عكس الحيل الحزبية، شيء يُفسد الحفلة، لكنها تتقاطع مع اهتمامي بالمواضيع التي تنطوي على قدر من الجريمة أو الخداع».

لماذا يحب الناس هذا النوع من المحتوى؟

يعتقد فالكوني أن الناس باتوا أكثر وعياً بأنهم يعيشون في «كرنفال مليء بالخدع»، حيث يحاول الجميع الاستفادة منهم. ويشرح: «في الكرنفالات، نعرف أن سلة كرة السلة مرتفعة وصغيرة الحجم عمداً، ورغم ذلك يظل من الممتع اكتشاف كيف يتم خداعك».

لكن، هل يشعر فالكوني بالإرهاق من كثرة الحديث عن الاحتيالات؟ يرد قائلاً: «أنا أعيد تعريف كلمة (احتيال) لتبقى المواضيع متنوعة، فحين أتعب من الحديث عن الذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة، أخصص حلقة عن الشوكولاتة البيضاء».

«الشوكولاتة البيضاء؟ إنها خدعة!»

يقول فالكوني ساخراً: «الشوكولاتة البيضاء تم اختراعها في الأصل كطلاء طبي للحبوب، ثم قرروا بيعها كمادة غذائية لأن لديهم فائضاً من زبدة الكاكاو، خلطوها بزيت النخيل الذي دمّروا الغابات من أجله، والنتيجة؟ شيء بطعم قيء القطط»، ويضيف ضاحكاً: «لكني أستخدم هذا النوع من المحتوى كمنفذ للتنفيس».

كيف يختار مواضيع الحلقات؟

لدى فالكوني أرشيف ضخم من المواضيع التي يصفها بـ«الاحتيالات الحقيقية»، لكنه يعتمد أيضاً على اقتراحات المتابعين. ويقول: «أتلقى يومياً ما بين 100 و150 رسالة على مختلف المنصات من أشخاص يسألون: هل يمكنك التحقق من هذه الشركة أو تلك الخدمة؟».

ويضيف مثالاً طريفاً: «أحدهم أرسل لي معلومة عن أن جائزة الأوسكار تم إنشاؤها لمنع الممثلين من تشكيل نقابة، وفعلاً هذا صحيح، فقد أنشأها لويس ب. ماير من MGM لهذا الغرض».

«لا تدمّر كوستكو من فضلك!»

يقول فالكوني إنه يتلقى أحياناً نداءات استغاثة من متابعيه تطلب عدم فضح شركات محبوبة مثل كوستكو، ويعلّق: «كوستكو ليست خدعة، لكنها بلا شك خطة ذكية، تدفع لتدخل المتجر، ثم تشتري البضائع بأسعار مدروسة، هذا نموذج غريب، لكنه لا يرقى للاحتيال».

كيف يتعامل مع الإرهاق النفسي؟

يشير فالكوني إلى أنه يتعامل مع زخم المحتوى السلبي عن طريق خلق حسابات مختلفة على تيك توك، مخصصة لمحتوى ترفيهي بحت، مثل مقاطع الأرانب، «هكذا أستطيع تعديل مزاجي بحسب ما أريده من المنصة»، يقول.

وفي النهاية، فإن فالكوني –مثل كثيرين غيره– يرى أن العالم الرقمي مليء بالخدع، لكنه لا يريد أن يُغرق الجمهور في السوداوية، بل يقدم لهم الحقيقة، لكن بأسلوب خفيف وذكي، وربما هذا هو سر نجاحه.