في خطوة نادرة، أطلقت الحكومة اليابانية تحذيرات صريحة بشأن التقلبات في سوق السندات الحكومية، بالتزامن مع تراجع تدريجي لدور بنك اليابان في شراء هذه السندات. يعكس التحذير الذي ورد ضمن الخطوط العريضة للسياسة الاقتصادية والمالية التي أُقرّت يوم الجمعة، قلقاً متنامياً من أن يؤدي الخلل بين العرض والطلب إلى ارتفاع حاد في أسعار الفائدة على الأجل الطويل، خاصة في ظل التحولات العميقة في هيكل ملكية الدين العام الياباني.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
أكدت الوثيقة التي تُعد أساساً لرسم ملامح الموازنة المقبلة، ضرورة تعزيز ملكية السندات من قبل جهات محلية مستقرة، بهدف احتواء المخاطر المحتملة على الاستقرار المالي.
يأتي التحذير في أعقاب اضطرابات شهدتها السوق مؤخراً، دفعت بعوائد السندات «الفائقة الطول» التي تتجاوز آجالها 30 عاماً، إلى مستويات قياسية، وسط موجة بيع شديدة.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
الضغوط التي تتعرض لها سوق الدين اليابانية تنبع من ثلاثة عوامل متزامنة، وهي: تقليص تدريجي في مشتريات بنك اليابان الذي لا يزال يمتلك 46 في المئة من السندات الحكومية اليابانية، وتراجع شهية شركات التأمين على الحياة بفعل قيود رأس المال، إلى جانب تنامي القلق العام حيال استدامة المالية العامة للدولة المثقلة بالديون.
ومع أن بنك اليابان لا يعتزم إجراء تغييرات جوهرية في خطة التقليص الحالية في اجتماعه المرتقب الأسبوع المقبل، فإنه من المرجح أن يدرس تخفيف وتيرة الخفض بدءاً من السنة المالية القادمة، بما يشير إلى حرصه على تجنب صدمات عنيفة في السوق.
هذه التطورات ترفع من أهمية عودة البنوك المحلية التي كانت أكبر حملة السندات تاريخياً، للعب دور أكبر في السوق، رغم القيود المفروضة عليها بموجب قواعد بازل التي تحد من تعرضها لمخاطر الفائدة.
وتحذر بعض الأصوات في السوق من أن تزايد اعتماد السوق على المستثمرين الأجانب الذين بلغت حصتهم نحو 12 في المئة من إجمالي السندات يضيف عنصراً من عدم الاستقرار.
فهؤلاء المستثمرون يميلون إلى المدى القصير في استثماراتهم، على عكس شركات التأمين التي تستثمر على المدى الطويل، ما يجعل السوق أشبه بـ«بركان كامِن» يمكن أن يثور في أي لحظة، حسب وصف كويتشي سوغيساكي، الخبير الاستراتيجي في «مورغان ستانلي MUFG».
وفي مواجهة هذه الديناميكيات، تخطط الحكومة لإصدار سندات حكومية جديدة ذات معدل فائدة متغير مرتبط بأسعار الفائدة قصيرة الأجل، بهدف تقليل حساسية السوق تجاه ارتفاع العوائد.
كما ستوسّع نطاق الجهات المؤهلة لشراء السندات المُصمّمة للمستثمرين الأفراد، لتشمل المؤسسات غير الربحية والشركات غير المدرجة، في محاولة لتحفيز الطلب المحلي المستقر.
وعلى صعيد العرض، تدرس وزارة المالية اليابانية سحب بعض الإصدارات السابقة من السندات «فائقة الطول» التي تم إصدارها بفوائد منخفضة، سعياً لإعادة التوازن بين العرض والطلب، إلى جانب خطة مرتقبة لخفض إصدار هذا النوع من السندات مستقبلاً.
التحديات التي تواجه السوق تتعقّد أكثر بفعل الضغوط السياسية المتزايدة نحو تبني حزم تحفيزية جديدة وتخفيضات ضريبية لدعم الأسر المتضررة من التضخم.
وفي هذا السياق، أعلن رئيس الوزراء شيروغو إيشيبا أنه لن يستجيب للدعوات المطالبة بتخفيضات ضريبية، بل طلب من حزبه الحاكم أن يضمّن في حملته الانتخابية المقبلة تعهدات بتقديم مساعدات مالية مباشرة للأسر، بما لا يستدعي إصدار سندات عجز جديدة.
لكن في المقابل، أظهر التوجّه الحكومي نوعاً من التراخي على صعيد الانضباط المالي، إذ تم تأجيل الهدف السابق بتحقيق فائض أولي في الموازنة من السنة المالية 2025 إلى «أقرب وقت ممكن بين عامي 2025 و2026»، ما يعكس مرونة، وربما هشاشة، في مواجهة الضغوط السياسية والاقتصادية المتصاعدة.
ومن الجدير بالذكر أن لطالما شكّلت السندات الحكومية اليابانية أداة رئيسية في السياسة النقدية اليابانية منذ الأزمة المالية العالمية، إذ ضخّ بنك اليابان تريليونات الين في السوق ضمن برنامج التيسير الكمي.
لكن مع تضاؤل الفاعلية وتراكم الديون، بدأت طوكيو تتلمّس طريق الخروج تدريجياً من هذه السياسة، وسط تعقيدات هيكلية في السوق وتحديات سياسية واجتماعية متزايدة.