لماذا لم يفزع «الذهب» من قصف «فوردو» أو «ديمونا»؟

لماذا لم يفزع «الذهب» من قصف «فوردو» أو «ديمونا»؟
لماذا لم يفزع «الذهب» من قصف «فوردو» أو «ديمونا»؟
لماذا لم يفزع «الذهب» من قصف «فوردو» أو «ديمونا»؟

راوحت أسعار الذهب قرب قمتها التاريخية دون 3500 دولاراً للأوقية، ولم يعر المعدن النفيس حرب إسرائيل وإيران الأخيرة اهتماماً.

ورغم الدراما الجيوسياسية الطاغية التي فجّرها الهجوم الإسرائيلي والأميركي الأخير على منشآت إيران النووية فضلاً عن الضربة الأميركية لمنشأة فوردو الأخطر، وتواتر أنباء عن ضرب إيران لمواقع قرب مفاعل ديمونا أو ربما إصابته، فلا أحد على وجه الدقة ساق حتى اليوم الكثير من الحقائق في ظل تعتيم إعلامي يشوبه الكثير من الأكاذيب والنفي.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

ولم تحقق أسعار الذهب القفزة المتوقعة، كما كان يُنتظر من المعدن النفيس أن يقفز كما فعل في أزمات سابقة مثل حرب روسيا وأوكرانيا أو أزمة كورونا أو حتى أزمة الرسوم الجمركية الراهنة التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على معظم دول العالم.

جاءت ردود فعل الذهب أكثر هدوءاً من المتوقع، فما الذي حدث؟ ولماذا تكاسل الذهب عن الانفجار؟

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

في البداية فإنه مع بدء الحرب بتاريخ 13 يونيو 2025، بإعلان تل أبيب تنفيذ ضربات دقيقة استهدفت منشآت نووية ومواقع عسكرية إيرانية، لم يتحرك الذهب بعنف بل قرأ المشهد بثقل كبير.. فقد تحرك مع التصعيد من 3250 بقفزة أعلاها مستويات 3450 دولاراً للأوقية.

أولاً: ضربة ردع.. لا صافرة حرب كبرى

رغم جسامة ما جرى من استهداف مباشر لفوردو إحدى أكثر المنشآت النووية الإيرانية تحصيناً، أو أنباء اقتراب الصواريخ الإيرانية من مفاعل ديمونا الإسرائيلي، فإن هذه العمليات العسكرية سرعان ما انطفأت بقناعة أميركية بأن ما تحقق كان كافياً.

الأسواق قرأت هذا السيناريو على أنه ردع متبادل أكثر من كونه انطلاقة لحرب شاملة، ولم تترجمه إلى تهديد وجودي للاقتصاد العالمي، وبالتالي، لم يتحفز الذهب كثيراً كملاذ تقليدي، واختار المستثمرون خيارات أخرى أسرع وأكثر سيولة.

ثانياً: النفط يخطف الأضواء

في خضم الحرب، انصب تركيز المستثمرين على النفط أولاً ليخطف الأضواء منفرداً، ثم على ملاذات أكثر سيولة مثل الدولار، والفرنك السويسري، والين الياباني، ففي الحروب يتفوق الأصل الأكثر قدرة على التسييل من الأصول المجمدة كالسبائك، فكان الذهب «ملاذ ساكن» لا يدرّ عائداً، ويواجه منافسة شرسة من أدوات استثمارية تمنح فائدة في بيئة نقدية مشددة.

ثالثاً: السوق باع الحدث مسبقاً

كان الذهب قد بدأ ارتفاعه تدريجياً في الأسابيع التي سبقت الضربة، متأثراً بالتصريحات النارية والتصعيد السياسي والإعلامي بين إيران وإسرائيل. ولذلك، حين وقعت الضربة، لم يكن هناك عنصر مفاجأة كافٍ لتفجير موجة شراء جديدة.

النتيجة؟ كانت الضربة بمثابة «حدثٍ مبيعٍ مسبقاً» (Sell the news)، أي أن السوق استوعبها قبل أن تحدث.

فالذهب يبدو أنه بالغ في الهلع الشرائي مع تقديرات وقوع الحرب التجارية على خلفية الرسوم الجمركية الأميركية، واستبق الصعود إلى مستويات مبالغ فيها ففقد بريق الصعود المنطقي في زمن الحرب، ووجد في الحرب فرصة لكبح لجام الشراء.

رابعاً: تأثير السياسة النقدية الأميركية أقوى من الصواريخ

تأثر الذهب بتنفيذ الرسوم الجمركية الأميركية، ما بدد آمال خفض الفائدة القريب، لاسيما وأن أزمة الرسوم أصابت الداخل الأميركي بتضخم ملحوظ.

فبيئة الفائدة المرتفعة تجعل الاستثمار في الذهب أقل جاذبية، لأنه لا يدرّ عائداً ثابتاً، مقارنة بالسندات الأميركية أو أدوات الدين ذات العائد المرتفع.

خامساً: الأزمات الكبرى و«الهلع» العالمي

حين ننظر إلى تاريخ الذهب، نجد أن قفزاته الكبرى لم تحدث لمجرد وجود حرب أو قصف، بل حين اجتاح الهلع المالي العالم:

• في أزمة كورونا 2020، كانت الأسواق في حالة شلل اقتصادي شامل.

• في الأزمة المالية 2008، انهارت بنوك وانهارت الثقة في النظام المالي.

• في غزو روسيا لأوكرانيا 2022، ارتفع الذهب بقوة بسبب تداعيات العقوبات الاقتصادية على الطاقة العالمية والذعر في أوروبا من الصقيع لانقطاع إمدادات الغاز الروسية وتوقف خطوط أنابيب نورد ستريم.

أما في الضربة الأخيرة، فقد كانت ذات نطاق إقليمي محدود، ولم تؤثر بشكل مباشر على إمدادات النفط العالمية أو سلاسل التوريد، ما جعل الأسواق تعتبرها حدثاً جيوسياسياً «خاضعاً للسيطرة».

سادساً: «التنسيق الأميركي» خفف من رعب السوق

كثرة الحديث عن وجود قنوات تنسيق غير معلنة بين الأطراف، جعل الرأي العام العالمي والمستثمرين يعتقدون أن الحرب في طريقها للاحتواء قريباً، ولن تتحول إلى صراع مفتوح على غرار الحروب العالمية أو الإقليمية الكبرى.

هذا الانطباع منع الذهب من الانطلاق كعادته، لأنه ببساطة لم يكن هناك هلع كافٍ على مستوى عالمي.

متى قد ينفجر الذهب؟

رغم ذلك، فإن سيناريو الانفجار الصعودي فيحدث في حال:

• إغلاق مضيق هرمز أو تهديد الملاحة في الخليج العربي.

• اندلاع مواجهة مباشرة بين أميركا وإيران وتدخل أميركي أعنف ورد إيراني أوسع على قواعد عسكرية يمكن أن يطالها النار الإيراني.

حينها فقط، قد يُمنح الذهب «المجال الكافي للطيران».

الذهب لا يستجيب فقط للدخان والصواريخ، بل لقوة الهلع وانتشاره عبر العالم. 

طالما أن الضربة الإسرائيلية لفوردو لم تتحول إلى حرب مفتوحة، وطالما أن الاقتصاد العالمي ما زال يتحرك، فإن المعدن الأصفر سيبقى هادئاً.. ينتظر شرارة أكبر ليقفز كما قفز في الأزمات الكبرى.