أعرب الصحفيون، بمن في ذلك بعض موظفي شبكة CBS، عن قلقهم بعد تقارير أفادت بأن شركة باراماونت غلوبال، المالكة لشبكة CBS، تسعى لتسوية دعوى قضائية مشكوك في صحتها رفعها الرئيس دونالد ترامب في الخريف الماضي.
رفع ترامب دعوى قضائية ضد CBS بعد بث مقابلة في برنامج «60 دقيقة» مع نائبة الرئيس السابقة كامالا هاريس –منافسة ترامب في الحملة الرئاسية الأخيرة – تضمنت تعديلاً قال ترامب إنه كان منحازاً بشكل غير عادل لصالح هاريس، وعلى الرغم من تأكيدات الخبراء القانونيين بأن حرية التحرير في CBS محمية بموجب التعديل الأول للدستور، أفادت صحيفة نيويورك تايمز مساء الخميس بأن تسوية كانت قيد الإعداد.
وأثارت أنباء التسوية موجة من الاستياء في غرفة أخبار CBS، وقال أحد مراسلي CBS الذي طلب عدم الكشف عن هويته: «دعوى ترامب كانت مزحة، ولكن إذا تم التوصل إلى تسوية، سنصبح موضع سخرية».
وكانت CBS قد وصفت الدعوى في أكتوبر بأنها غير ذات أساس، وأكدت حينها أنها «ستدافع عنها بقوة»، بينما رفض متحدث باسم باراماونت التعليق يوم الجمعة، ولم يرد محامي ترامب، إدوارد بالتيك، على الفور على طلب للتعليق، لكنه قال لصحيفة «نيويورك تايمز» إن «المسؤولية الحقيقية لـCBS وباراماونت ستضمن تعويض الرئيس عن الأضرار التي لحقت به».
وأشارت «نيويورك تايمز» إلى أن «التسوية ستكون تنازلاً غير عادي من شركة إعلامية أميركية كبرى لرئيس دولة حالي، خاصة في قضية لا يوجد فيها دليل على أن الشبكة أخطأت في نقل الحقائق، أو أضرت بسمعة المدعي».
في الواقع، قد تبدو التسوية من باراماونت كأنها رشوة، حيث يمكن أن تكون شيكاً ضخماً لترامب أو لمكتب رئاسته المستقبلية، على غرار ما فعلته ABC وMeta مقابل موافقة تنظيمية على صفقة باراماونت مع سكاي دانس ميديا.
وعلَّق ريتشارد بينتر، المحامي الأخلاقي السابق في البيت الأبيض خلال فترة الرئيس جورج بوش، على منصة «X» قائلاً: «هذه تُسمى رشوة».
هل هذا ثمن التعامل في عصر ترامب؟ يبدو أن بعض رجال الأعمال يعتقدون ذلك، لكن التسوية مع ترامب ستكلف CBS أيضاً جزءاً من مصداقيتها التي كسبتها بصعوبة.
المقابلة التي تسببت في الدعوى ضد CBS
نشأت الدعوى من مقابلة أجراها مراسل «60 دقيقة» بيل ويتاكر مع هاريس في أكتوبر الماضي، ولاحظ المراقبون أن CBS بثت إجابتين مختلفتين من هاريس على السؤال نفسه حول سبب «عدم استماع» رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للولايات المتحدة، وكانت الإجابة التي قدمتها هاريس في مقتطف معاينة مختلفة عن تلك التي قدمتها في البث الفعلي للبرنامج.
ادَّعى ترامب وحلفاؤه أن CBS قامت بتعديل المقابلة لجعل نائبة الرئيس تظهر بشكل أفضل، ومع تصاعد الانتقادات وتهديد ترامب برفع دعوى قضائية، قالت CBS إنه لا يوجد شيء غير قانوني في التحرير؛ «لم يتم تعديل المقابلة»، ولم «تخفي المجلة الإخبارية أي جزء من إجابة نائبة الرئيس على السؤال المطروح»، كما قالت جيل سبرول، نائبة رئيس قسم الشؤون القانونية في CBS News.
كما استشهدت سبرول بالقانون القضائي الذي يدافع عن التحري والتعديلات التحريرية، مشيرة إلى أن «التحرير هو ضرورة لجميع المذيعين لتمكينهم من تقديم الأخبار في الوقت المتاح، وهذا ما فعلته (60 دقيقة) هنا، كما تفعل مع تقاريرها الأخرى».
ورغم ذلك، رفع ترامب الدعوى، حيث قدم محاموه شكوى في المحكمة الفيدرالية في المنطقة الشمالية من ولاية تكساس، مدعين أن CBS انتهكت قانون الممارسات التجارية الخادعة في تكساس، وهو قانون لحماية المستهلك.
وقال الخبراء القانونيون الذين تواصلت معهم شبكة CNN في ذلك الوقت إن الدعوى كانت «تافهة»، و«قضية سخيفة»، و«مضحكة من البداية».
السعي للحصول على موافقة ترامب
ولكن بعد أيام من رفع الدعوى، فاز ترامب بالانتخابات، وفجأة، أصبحت الدعوى تشكل تهديداً حقيقياً لشركة باراماونت غلوبال المالكة لـCBS، حسب ما قال شخص مطلع على الأمر.
وذلك لأن الصفقة تتطلب موافقة إدارة ترامب جزئياً، لأن CBS تمتلك محطات محلية مرخصة من قبل لجنة الاتصالات الفيدرالية (FCC).
وتوقع محللون خارجيون، مشيرين إلى طبيعة ترامب المعاملاتية، أن باراماونت قد تواجه صعوبة في الحصول على الموافقات الفيدرالية اللازمة، وقد أعاد بريندان كار الذي عيّنه ترامب رئيساً لـFCC، تقديم شكوى عن مقابلة «60 دقيقة» التي تمت في نوفمبر، وقال حينها إن الشكوى من المحتمل أن تؤثر في مراجعة الصفقة بين باراماونت وسكاي دانس.
لقد أثار احتمال استسلام باراماونت لترامب إدانة واسعة، بعد أن أفادت صحيفة «وول ستريت جورنال» قبل أسبوعين بأن المفاوضات للتوصل إلى تسوية كانت ممكنة، وحث السيناتور بيرني ساندرز CBS على «الوقوف بشموخ».
كتب ساندرز على منصة «X»: «قد تكون CBS بصدد التوصل إلى تسوية قانونية مع ترامب لأنه لم يعجب بكيفية تعديل مقابلة الحملة مع كامالا. حقاً؟ إذا استسلمت CBS، فإن الإيمان بأن لدينا إعلاماً مستقلاً محمياً بالتعديل الأول سيتعرض للتقويض».
يشير سجل ترامب في التنمر على شركات الإعلام إلى أن دفع باراماونت لن يوقف حملاته للضغط.
في الأسابيع التي سبقت تنصيبه، وافقت ABC على التبرع بمبلغ 15 مليون دولار لمكتبة ترامب الرئاسية المستقبلية لتسوية دعوى تشهير ضد الشبكة، وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، وافقت ميتا على دفع 22 مليون دولار لتسوية دعوى أخرى ضد ترامب.