حتى الآن لم يكن عام 2025 عاماً جيداً بالنسبة لأوروبا، فخطر اندلاع الحرب في القارة يتزايد، وينمو الاقتصاد الأوروبي بمعدلات أقل بكثير من نظيره الأميركي.
ومع تزايد احتمالات الارتفاع المتسارع في الإنفاق العسكري في مختلف أنحاء أوروبا، تتزايد التساؤلات حول قدرة الإنفاق الدفاعي على جعل القارة أكثر أمناً وثراءً.
إجابة هذه التساؤلات مرتبطة بمصدر الأموال (الضرائب أم الاقتراض)، ووجهة الإنفاق (على الأسلحة المستوردة أم المُنتجة محلياً).
وقال معهد كيل، وهو مركز متخصص في إعداد الأبحاث الاقتصادية في ألمانيا: «إن زيادة الإنفاق الدفاعي من الممكن أن تعزّز بشكلٍ كبير النمو الاقتصادي والقاعدة الصناعية في أوروبا، إذا تركّز الإنفاق على الأسلحة عالية التقنية المصنّعة إقليمياً».
وتواجه الدول الأوروبية احتمالاً غير مسبوق للدفاع عن نفسها في صراع مستقبلي دون مساعدة الولايات المتحدة.
في الشهر الماضي، حث وزير الدفاع الأميركي، بيت هيجسيث، أوروبا على تحمل «المسؤولية» عن أمنها، وقال إن الولايات المتحدة «لن تتسامح بعد الآن مع علاقة غير متوازنة تشجع على التبعية»، وعقدت إدارة ترامب محادثات مع موسكو لاستكشاف فرص إنهاء الحرب في أوكرانيا، دون دعوة مسؤولين من الاتحاد الأوروبي أو أوكرانيا نفسها.
وفي ما يخص النمو الاقتصادي في العام الماضي، لم ينمُ اقتصاد الاتحاد الأوروبي القوي المكون من 27 دولة، سوى بنسبة 0.9 في المئة مقارنة بارتفاع بنسبة 2.8 في المئة في الجانب الأخر من المحيط الأطلسي، وفقاً لأرقام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وأنفقت دول الاتحاد الأوروبي نحو 1.9 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي المشترك على الدفاع العام الماضي، ولكن هناك دعوات حديثة من داخل أوروبا والولايات المتحدة لإنفاق المزيد.
الواقع أن الأسلحة المحلية والتكنولوجيات العسكرية المتقدمة هي إحدى سُبل تحويل الإنفاق الحكومي إلى رافعة اقتصادية، كما يقول الخبراء، لأن طلب الأسلحة من الشركات المحلية بدلاً من استيرادها من شأنه أن يزيد الناتج المحلي ويخلق فرص عمل ويزيد الدخول، كما أن تصميم المعدات العسكرية المتطورة محلياً يولد ما يسمّى بالتأثيرات التكنولوجية غير المباشرة عبر الاقتصاد.
كتب ماريو دراغي، الذي شغل سابقاً منصبي رئيس البنك المركزي الأوروبي ورئيس الوزراء الإيطالي، في تقرير عن القدرة التنافسية الأوروبية صدر في سبتمبر أيلول «تاريخياً، كان قطاع الدفاع هو أصل الابتكار المتنوع الذي أصبح الآن سائداً في الاقتصاد المدني».
وأشار دراغي إلى أمثلة عديدة، بما في ذلك الإنترنت، ونظام تحديد المواقع العالمي GPS، والتصوير عبر الأقمار الصناعية، والنمو المبكر في الخمسينيات والستينيات لما أصبح يعرف باسم وادي السيليكون، بدعم من الاستثمار الحكومي في الدفاع.
ولكن بناء قدرات صناعة الدفاع سوف يستغرق وقتاً طويلاً، وبالتالي فإن أوروبا سوف تستمر على الأرجح في الاعتماد على الواردات لتلبية الجزء الأكبر من احتياجاتها العسكرية في الأمد القريب.
قال فرانك جيل، محلل الائتمان السيادي في ستاندرد آند بورز غلوبال، لشبكة سي إن إن، إن هذه الفترة الأولية سوف تستمر نحو خمس سنوات، مع الحاجة إلى خمس سنوات أخرى على الأقل لتحقيق الاكتفاء الذاتي.
لكن الواردات «ليست بالضرورة منعدمة التأثير الاقتصادي»، كما جادل إيثان إلزيتسكي، أستاذ الاقتصاد في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، الذي كتب تقريراً لمعهد كيل حول الآثار الاقتصادية للصناعات الدفاعية، نُشر الشهر الماضي.
وقال إلزيتسكي إن بولندا، على سبيل المثال، استوردت الكثير من الطائرات العسكرية منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية «ما أدى إلى بناء المطارات، ما خلق فرص كثيرة للعمل ودعم النشاط الاقتصادي».
وهناك طريقة أخرى لضمان أن يؤدي الإنفاق الدفاعي الأعلى إلى دعم النمو الاقتصادي، وهي التعاقد مع شركات محلية تصنع منتجات يمكن استخدامها للأغراض العسكرية والمدنية على حد سواء بدلاً من اختيار الموردين المتخصصين في الدفاع.
قال معهد كيل، في بيان صحفي عن دراسة إلزيتسكي، إن التقدم التكنولوجي الذي أحرزته شركات المقاولات الدفاعية مزدوجة القطاع (دفاعي ومدني) يؤثّر بشكل أعمق في الاقتصاد الخاص.
تختلف صناعة الدفاع في أوروبا أيضاً عن نظيرتها في الولايات المتحدة في مدى تفتتها وانقسامها.
وأشار روبرتو سينجولاني، الرئيس التنفيذي لشركة ليوناردو، وهي شركة دفاع أوروبية كبرى، لشبكة سي إن إن، إلى أن جميع الدول الكبرى في أوروبا تميل إلى تطوير طائراتها العسكرية الخاصة، ودباباتها الخاصة، وسفنها الحربية الخاصة. وهذا يُبطئ عمليات تصميم وتصنيع المعدات العسكرية الجديدة، مقارنةً بالولايات المتحدة التي تعمل ككيان واحد.
وقد قدر إلزيتسكي أن رفع الإنفاق الدفاعي من 2 في المئة إلى 3.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي والتحول إلى الأسلحة المصممة والمصنوعة محلياً يمكن أن يترجم إلى زيادة في الناتج الاقتصادي الأوروبي بنحو 1 في المئة.
لن تتحقق هذه الفوائد إذا تم تمويل الإنفاق الأعلى بزيادات ضريبية بدلاً من الاقتراض الحكومي، كما كتب إلزيتسكي في تقريره.
ويتفق معه جاك ألين رينولدز، كبير خبراء الاقتصاد الأوروبي في كابيتال إيكونوميكس، وكتب في مذكرة الشهر الماضي «إذا خفّضت الحكومات الإنفاق في مجالات أخرى أو رفعت الضرائب، فقد لا يكون هناك الكثير من التحفيز المالي على المستوى الإجمالي».
ويبدو أن المزيد من الاقتراض أمر وارد، ففي يوم الثلاثاء، كشفت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، عن خطة لتمكين الحكومات من الاقتراض بشكلٍ أكبر لزيادة إنفاقها الدفاعي، كما وافقت الأحزاب التي من المتوقع أن تشكل الحكومة المقبلة في ألمانيا على إصلاح قواعد الاقتراض لضخ المزيد من الأموال في الجيش.