ارتفاع مبيعات السمك المعلب في أميركا.. رفاهية الفقراء أم مؤشر ركود؟

سمك معلب
ارتفاع مبيعات السمك المعلب في أميركا.. رفاهية الفقراء أم مؤشر ركود؟
سمك معلب

لم تعد الأسماك المعلبة في أميركا تعني علبة تونة حزينة ومنسية يتراكم عليها الغبار في خزانة المطبخ، بل أصبحت خياراً شائعاً لمن يسعون لتوفير المال في ظل رياح اقتصادية معاكسة، ما أدى إلى ازدهار شعبيتها بشكل غير مسبوق.

على وسائل التواصل الاجتماعي، يتباهى المستخدمون بنشر صور لأطباق فاخرة من المأكولات البحرية المعلبة، قادمة من سواحل دول مثل إسبانيا وإيطاليا، مع عبوات ملونة توحي بعطلة متوسطية، ويقترحون وصفات مثل سمك الماكريل بالليمون والكابر فوق بيض مسلوق وتوست، أو السردين الحار على البروشيتا مع الخل البلسمي، حتى سلسلة متاجر «تريدر جو» الأميركية الشهيرة تقدم كاليماري معلباً بنكهة مميزة.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

تتزايد الدعوات إلى حفلات مخصصة لتناول الأسماك المعلبة، بينما يفضل آخرون قضاء أمسيات هادئة في إعداد أطباق “Seacuterie” –وهي نسخة بحرية من ألواح المقبلات المعروفة بـ«Charcuterie»– أو تحضير أطباق باستا فاخرة باستخدام علبة سردين لا يتجاوز سعرها 4.99 دولار.

على عكس منتجات مثل ورق المرحاض أو قهوة «دالغونا» التي اشتهرت لفترة قصيرة خلال الجائحة، تحتفظ الأسماك المعلبة بمكانة مستقرة في الذاكرة الأميركية، وقد تزايد الحديث عنها بشكل لافت في الأشهر الأخيرة، متزامناً مع تصاعد القلق الاقتصادي وتراجع ثقة المستهلك في ظل الحرب التجارية الفوضوية التي شهدتها فترة إدارة ترامب.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

وبحسب مؤشر ثقة المستهلك الصادر عن جامعة ميشيغان، فإن التفاؤل الاقتصادي في الولايات المتحدة بلغ أحد أدنى مستوياته على الإطلاق هذا الشهر، ما دفع البعض إلى اعتبار الأسماك المعلبة مؤشراً محتملاً على الركود، وفقاً لتعليقات خبراء ومراقبين على وسائل التواصل.

عمليات البحث على «غوغل» عن «الأسماك المعلبة» بلغت ذروتها خلال موسم العطلات أواخر عام 2024، واستمرت في الارتفاع، فخلال 90 يوماً فقط قفزت عمليات البحث عن سردين «نوري» البرتغالي بزيت الزيتون الحار بنسبة 2750%، وسردين «برونزويك» بزيت الزيتون بنسبة 4000%.

طعام فاخر بسعر معقول

قال كريس شيرمان، الرئيس التنفيذي لشركة Island Creek Oysters في نيو إنجلاند، لشبكة CNN: «عندما يريد الناس أن يشعروا بالرفاهية، تعتبر الأسماك المعلبة حلاً وسطاً بين علبة تونة رخيصة وزيارة قسم الأسماك الطازجة».

ويضيف روس شتاينمان، أستاذ علم النفس الاستهلاكي في جامعة ويدنر، أن المستهلكين يبحثون عن «ترف بأسعار معقولة»، خصوصاً مع انخفاض معدلات السفر هذا الصيف، لذا بدلاً من حجز رحلة إلى مايوركا، يختار الأميركيون تجربة الأسماك المعلبة المستوردة من إسبانيا، المغلفة بعبوات تحمل ألوان البحر الأبيض المتوسط.

لكن أميليا فيناريت، خبيرة الاقتصاد الغذائي وأخصائية تغذية، ترى أن الصورة أكثر تعقيداً، فلو كانت الشعبية مقتصرة على التونة الرخيصة، لكان ذلك مؤشراً مقلقاً، أما انتشار الأنواع الفاخرة أيضاً فقد يعكس تنوع خيارات المستهلكين نحو مصادر بروتين صحية.

ومع ذلك، تؤكد أن القلق الاقتصادي يدفع الناس نحو نوعين من الأطعمة: تلك التي تدوم طويلاً، وتلك السهلة التحضير –وهما سمتان تنطبقان على الأسماك المعلبة- وتقول: «إذا كانت الراحة هي ما يبحث عنه الناس، فربما يكون هذا مؤشراً على الضغوط الاقتصادية، مقارنةً بإعداد وجبة من السمك الطازج».

من خزائن المطابخ إلى واجهات الموضة

اتجهت العلامات التجارية إلى تبني هذه الموضة، ففي نيويورك زينت متاجر «أنثروبولوجي» واجهاتها بزينة عملاقة على شكل علب سردين، وأطلقت مجموعة جديدة تضم تصاميم مستوحاة من الأسماك المعلبة على الأكواب والمناشف وحتى الشموع –ومنها شمعة «تيند فيش» الأصلية بسعر 26 دولاراً، تأتي في علبة وتفوح منها روائح زيت الزيتون وملح البحر- كما أطلقت علامة «ستود» حقيبة خرز باسم «Staudines» نالت إعجاب عشاق الموضة الغريبة.

يعلق شتاينمان أن هذا يشبه اقتناء علامة فاخرة، لكنه يضيف: «في حين تشير العلامات الفاخرة إلى الثراء، فإن حمل حقيبة سردين يوحي بأنك مواكب لما يحدث في العالم».

صناعة متنامية وسط اضطرابات تجارية

بدأت شركة Island Creek Oysters بيع منتجاتها عبر الإنترنت عام 2019، ومنذ ذلك الحين وهي في نمو مستمر، ويقول شيرمان إن الأسماك المعلبة وفرت وسيلة لتقديم أطعمة بجودة المطاعم داخل المنازل، كما أن مدة صلاحيتها الطويلة أثارت اهتمام فئة من الناس خلال فترة الجائحة.

ويصف دان ويبر، الشريك في متجر «Rainbow Tomatoes Garden»، صناعة الأسماك المعلبة بأنها لا تزال في مرحلة «الغرب الأميركي القديم»، حيث يمكن لمباراة كرة قدم ناجحة أو منشور مؤثر على وسائل التواصل أن يؤثر في المبيعات بشكل فوري.

أما نياه باتكوناس، التي بدأت مراجعة الأسماك المعلبة على إنستغرام منذ 2021، فتقول إنها عُرفت بلقب «فتاة الأسماك المعلبة»، وكان أصدقاؤها يرون ذلك غريباً، لكنها اليوم تعتبر هذه المنتجات مصدراً سهلاً ورخيصاً للبروتين، رغم أنها ترى بعض الأنواع الأوروبية الفاخرة كمنتج مستورد فاخر.

التعرفة الجمركية تربك السوق

تشتهر إسبانيا والبرتغال بصادرات الأسماك المعلبة، كما أن لبلدان مثل اليابان وكوريا والصين تاريخاً طويلاً في هذا المجال، ونظراً لاعتماد السوق الأميركية بشكل كبير على الاستيراد، فإن الرسوم الجمركية المتقلبة تجعل من الصعب على الشركات التخطيط المستقبلي.

يقول ويبر: «كل ما يمكننا فعله هو التكيف»، مشيراً إلى أن ارتفاع أسعار الاستيراد ينعكس مباشرة على أسعار البيع، ومع ذلك يتيح تنوع الأسعار للمستهلكين شراء علبة سردين بـ6 دولارات بدلاً من علبة بـ10 دولارات.

صناعة أميركية تنمو محلياً

القليل من مصانع التعليب في الولايات المتحدة تشهد ازدهاراً بفضل هذا التوجه الجديد. أنشأت جدة ماثيو سكاليتا مصنع «Wildfish Cannery» عام 1987 في جنوب شرق ألاسكا، وكان في البداية يستقبل صيد البحارة لتدخينه وتعليبه خلال موسم الصيف فقط.

وفي العقد الماضي، عاد سكاليتا إلى ألاسكا ليطور المصنع، ويحول منتجاته إلى أطعمة راقية، وعندما فرض أول إغلاق خلال الجائحة، «بعنا مخزوناً كان يُفترض أن يكفينا لأشهر في أسبوع واحد فقط».

ويتوقع أنه خلال خمس سنوات، سيُنظر إلى الأسماك المعلبة في السوق الأميركية باعتبارها فئة غذائية مستقرة، لا مجرد موضة عابرة، لكنه لا يخفي دهشته من أن الطعام الذي اعتاد أكله مع الأرز والصلصة الحارة بات رائجاً بهذا الشكل.

ويختم قائلاً: «أنا هنا أبيع علب سمك بسعر 10 دولارات –وهذا أمر فاخر جداً- لذا لست متأكداً إن كان مؤشراً حقيقياً على الركود».

(راميشاه ماروف - CNN)