«العشاء الأخير».. حين يستدرج صانع السوق الثيران والدببة إلى وليمة فاخرة

«العشاء الأخير».. حين يستدرج صانع السوق الثيران والدببة إلى وليمة فاخرة

في أسواق المال، أكثر الأخطاء كلفة هي الجري خلف سهم صاعد دون وعي، حين ترى الأسعار تتسارع للأعلى وتضج وسائل التواصل بالأحاديث عن «فرصة العمر»، يكون كثير من المتداولين قد نسوا أبسط القواعد: ما ارتفع بسرعة، قد يسقط بسرعة أكبر.

تلك اللحظة التي يندفع فيها الجمهور المتأخر للشراء عند القمم —مدفوعين بالجشع أو الخوف من ضياع الفرصة— هي غالباً اللحظة التي كان ينتظرها صانع السوق لبدء التصريف.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

هذه هي «الوليمة الخادعة»، أو ما يمكن تسميته مجازاً بـالعشاء الأخير: حيث لا يُستدعى المتأخرون كضيوف، بل كضحايا يتم تقديمهم على المائدة.

ما المقصود بالشراء أو البيع المتأخر؟

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

الشراء المتأخر (Late Buying) أو البيع المتأخر (Late Selling) هو الدخول في السوق في نهاية موجة سعرية —سواء كانت صاعدة أو هابطة— بعد أن يكون الاتجاه قد استُهلك، والسيولة الذكية قد خرجت بالفعل، وغالباً ما يُغلف هذا الدخول بمشاعر الجشع (في الصعود) أو الخوف (في الهبوط)، بدلاً من المنطق والتحليل الفني.

في البورصة المصرية على سبيل المثال، يقول المضاربون السهم "صفر أب"، ومصطلح "صفارة أب" أو التصفير هو أن يبلغ سعر السهم الحد الأقصى للارتفاع البالغ 20 في المئة، وهنا تجد الكل ينتبه، ويلهث خلف الشراء بعد كل هذا الصعود، وهنا قد يكون هذا هو العشاء الأخير.

كيف يخدع صانع السوق المتأخرين؟

صانع السوق —أو ما يُعرف بـ«اليد الخفية»— لا يكشف نواياه بسهولة، بل يستخدم أدوات متعددة لاصطياد المتأخرين، أبرزها:

فنون التصريف

وهي استراتيجية يقوم فيها صانع السوق بتفريغ مراكزه تدريجياً على مراحل، عبر تحريك السعر لأعلى في موجات صغيرة تجذب المشترين، مع إيهام السوق بأن الاتجاه لا يزال صاعداً.

يتم ذلك غالباً على خلفية أخبار جيدة أو اختراقات فنية مدروسة، تكون مدعومة بحجم تداول منخفض أو متناقص — وهي إشارات تصريف كلاسيكية.

التلاعب النفسي

يتم ضخ أخبار إيجابية بعد موجة صعود طويلة لجذب انتباه «القادمين متأخراً»، أو الترويج لفكرة أن «السعر لن يعود لهذه المستويات مجدداً»، ما يخلق موجات من الفومو (FOMO).

التشبع الشرائي والبيعي

وهنا يمكن استخدام مؤشرات التشبع الشرائي والبيعي مثل مؤشر  RSI الشهير لكشف قرب بدء حفل العشاء الأخيروهو ما يعرف بمناطق (Overbought) أو (Oversold).

علامات اقتراب نهاية الموجة:

- تسارع غير طبيعي في السعر خلال فترة زمنية قصيرة

- ضعف في أحجام التداول رغم حركة السعر القوية

- دخول المؤشرات الفنية مناطق التشبع (RSI فوق 70 أو تحت 30)

- ظهور نماذج فنية انعكاسية مثل: Double Top / Head & Shoulders

- تكرار محاولات اختراق القمة أو القاع دون نجاح واضح (Divergence)

أمثلة من الواقع

في أسواق الأسهم، كثيراً ما يُلاحظ دخول المستثمرين الأفراد في القمة بعد إعلان أرباح جيدة، فقط ليبدأ بعدها تصحيح حاد، فيكون من اشترى متأخراً قد دخل في مرحلة تصريف من صانع السوق.

في العملات الرقمية، موجات الفومو تدفع المتأخرين للشراء قرب القمم التاريخية، قبل أن يتبخر نصف رأس المال خلال أيام أو حتى ساعات.

النصيحة الذهبية: لا تكن آخر من يدخل السوق

التحليل الفني الكلاسيكي والموجي يعلّمان أن الموجة الخامسة (في نماذج إليوت) أو ما يُعرف بـ«الذروة الختامية» تكون غالباً الأقل استدامة، وتسبق التصحيح أو الانعكاس.

من يشتري في هذه الموجة، غالباً يشتري من صانع السوق الذي كان قد جمع مراكزه بهدوء في الموجتين الثانية والثالثة.

وكذلك في الهبوط، من يبيع في القاع يبيع لمستثمر ذكي يعرف أن القاع قريب، ويبدأ في التجميع بأقل الأسعار.

في الأسواق، لا يُكافأ المتأخرون، الشراء أو البيع المتأخر هو فخ يتكرر على مر الزمن، فنون التصريف والتلاعب بالمؤشرات أدوات يستخدمها صناع السوق بذكاء، وأنت —كمتداول— إما أن تكون واعياً لها أو ضحية ضمن طاولة العشاء الأخير.