لم يكن قرار إيلون ماسك بدعم دونالد ترامب بشكل كامل مفهوماً من الأساس، لكن طريقة إنهائه لهذا التحالف بطريقة عدائية تجعله يبدو أكثر غرابة، وربما أكثر خطورة على أعماله.
فبينما يُعَد ماسك حليفاً مقرباً سابقاً من ترامب، فإن قراراته السياسية انعكست بشكل مباشر على شركة «تسلا»، جوهرة تاج إمبراطوريته التجارية، وصانعة واحدة من أكثر السلع الاستهلاكية لفتاً للأنظار وكلفة في الولايات المتحدة؛ السيارات الكهربائية.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
في البداية، خسر ماسك عملاء «تسلا» الأساسيين، وهم غالباً من الديمقراطيين المقيمين في السواحل الأميركية، حين ضخّ أموالاً واستخدم نفوذه لدعم عودة ترامب إلى البيت الأبيض، ثم صعّد الأمور بمهاجمة المؤسسات الفيدرالية.
وبعد أيام من مهاجمته سياسات ترامب ووصفها بأنها «مقززة وبشعة»، أكد ترامب أن العلاقة بينهما قد تدهورت، لتبدأ حرب كلامية علنية على وسائل التواصل الاجتماعي، هذا الخلاف العلني بين اثنين من أكثر الشخصيات نفوذاً في العالم بات الآن يهدد بانفصال ماسك عن قاعدة ترامب الجماهيرية، وهي الفئة نفسها التي كانت قد بدأت تنظر في شراء سيارات «تسلا».
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
ليس هذا فحسب، بل إن طموحات «تسلا» في إطلاق السيارات ذاتية القيادة تحتاج إلى موافقات حكومية، وهو أمر لم يعد مضموناً الآن وسط هذه العداوة المتفاقمة، كما أن شركات أخرى يمتلكها ماسك مثل «سبيس إكس» تعتمد بشكل كبير على العقود الفيدرالية، وهي عقود هدد ترامب بإلغائها صراحة يوم الخميس.
خطأ مدرسي في إدارة الأعمال
المشهد الحالي يُعد درساً نموذجياً لما لا يجب على أي رئيس تنفيذي لشركة استهلاكية القيام به، فقد تحوّل ماسك خلال عام واحد من كونه شريكاً لترامب إلى عدو لدود له، وهو ما اعتبره البعض تصرفاً يفتقر إلى البصيرة.
وقال دان آيفز، كبير محللي الأسهم في «ويدبوش» وأحد أبرز المدافعين عن «تسلا»، لشبكة CNN:
«من الغريب أن يتحول ماسك ضد ترامب بهذه السرعة والعنف، هذا مسار محفوف بالمخاطر».
ورغم أن المواجهة بين المليارديرين بدت حتمية للبعض، فإن ما حدث كان صادماً على نطاق واسع، فبعد أن هاجم ماسك خطة ترامب ووصفها بأنها «مقززة»، ردّ ترامب قائلاً إن ماسك يعاني من «متلازمة ترامب المرضية». ليُعيد ماسك الهجوم بالقول: «لولاي، لكان ترامب خسر الانتخابات».
وفي خضم هذه المعركة، تراجعت أسهم «تسلا» بنسبة 14% يوم الخميس، ما أدى إلى خسارة نحو 152 مليار دولار من القيمة السوقية للشركة، و34 مليار دولار من ثروة ماسك الشخصية، وفقاً لمؤشر بلومبيرغ للمليارديرات.
ورغم تعافٍ طفيف للأسهم صباح الجمعة، فإن الأضرار لا تزال قائمة.
وفي مقابلة مع CNN، قال ترامب: «لا أفكر في إيلون على الإطلاق.. المسكين لديه مشكلة».
خسارة العملاء والدعم الفيدرالي
تشير التقديرات إلى أن هذه المعركة قد تتسبب في فقدان «تسلا» شريحة واسعة من العملاء، خاصة من أنصار ترامب، وهو ما يزيد من عزلتها بعد فقدانها للديمقراطيين سابقاً.
ووفقاً لورقة بحثية أعدّها باحثون من جامعات كولومبيا ونورث إيسترن ونورثرن آيوا، فإن تأييد ماسك لترامب «سيّس شركة تسلا وأضرّ صورتها العامة، ما أدى إلى استقطاب سياسي في تصورات المستهلكين تجاه الشركة».
وأشار الباحثون إلى أن «انخراط القادة التنفيذيين في السياسة الحزبية يُعرّض صورة العلامة التجارية للخطر، وقد ينعكس ذلك على أرباح الشركة».
وتعتمد «تسلا» على الحكومة الفيدرالية للحصول على اعتمادات ضريبية، والموافقة على تقنيتها المثيرة للجدل للقيادة الذاتية الكاملة؛ وهي موافقات كان المستثمرون يأملون في الحصول عليها بعد الانتخابات، كما أن مشاريع ماسك الأخرى، مثل «نيورالينك»، تحتاج لموافقة إدارة الغذاء والدواء (FDA).
وفي ظل حكم ترامب، من المرجح أن تُعاد صياغة قواعد تنظيم الذكاء الاصطناعي والمركبات الذاتية، ما يجعل العلاقة بالإدارة أمراً مصيرياً لأي شركة تعمل في هذا القطاع.
وقال دان آيفز: «يجب أن تضمن أن ترامب معك في الفريق نفسه، لا تريده كعدو».
عقود فيدرالية بالمليارات على المحك
في منشور له على منصة «تروث سوشيال»، هدّد ترامب بقطع الدعم الفيدرالي عن شركات ماسك، قائلاً: «أسهل طريقة لتوفير المليارات في ميزانيتنا هي إنهاء عقود الدعم الحكومي التي يحصل عليها إيلون».
وتعتمد «سبيس إكس» الشركة الخاصة لإيلون ماسك، على عقود ضخمة من «ناسا»، وقد فازت مؤخراً بعقد من إدارة الطيران الفيدرالية (FAA) لتطوير شبكة الاتصالات الخاصة بإدارة المجال الجوي الأميركي.
وقال جيفري سوننفيلد، مؤسس معهد القيادة التنفيذية في جامعة «ييل»، إن هذه المعركة لا علاقة لها باتخاذ مواقف سياسية من قِبل الرؤساء التنفيذيين، بل تعكس صراعاً قوىاً بين «رؤساء مافيا» على حد وصفه.
وأنهى بيل جورج المدير التنفيذي السابق لشركة «ميدترونيك» وزميل كلية هارفارد للأعمال، بالقول: «الدرس الواضح هنا: يمكنك أن تعمل في الحكومة أو تدير عملك.. لكن لا يمكنك أن تفعل الأمرين معاً».