شهد عالم العملات المشفّرة تغيّرات كبيرة خلال العام ونصف العام الماضيين، وهو ما قد يدفع المزيد من المستثمرين إلى إعادة النظر في موقفهم من هذه الفئة من الأصول، لا سيما من عملة «بتكوين» التي تُعدّ –رغم حداثتها– بمثابة «الجد الكبير» للعملات الرقمية.
ما يُعزّز هذا التوجّه هو أن العملات المشفّرة باتت تحظى بقبول أوسع من الجهات التنظيمية والمؤسسات المالية الكبرى، بعد أن ترسّخت مكانتها كأصل مالي يبدو أنه باقٍ، فعلى سبيل المثال باتت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية (SEC) تنظّم صناديق المؤشرات المتداولة (ETFs) الخاصة بالبيتكوين والإيثيريوم، بينما أُدرجت منصة «كوين بيس» لتداول العملات المشفّرة في مؤشر «S&P 500»، في حين طرحت شركة «سيركل» المزوّدة للعملات المستقرّة أسهمها للاكتتاب العام.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
وعلى الصعيد السياسي، يُظهر فريق دونالد ترامب دعماً واضحاً للعملات المشفّرة، إذ قامت وزارة العمل الأميركية مؤخراً بإلغاء توجيه أصدرته عام 2022 كان يُحذّر أمناء صناديق التقاعد 401(k) من إدراج العملات الرقمية ضمن خيارات الاستثمار المتاحة للمشاركين في الخطط التقاعدية.
ومع تداول البيتكوين حالياً بأكثر من 100,000 دولار، والعمل الجاد من قبل المشرّعين الأميركيين لصياغة قوانين تنظيمية واضحة لهذا القطاع، يُصبح من الضروري إعادة طرح السؤال: هل يجب أن تكون لديك حصة من العملات الرقمية في محفظتك الاستثمارية؟
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
الإجابة عن هذا السؤال تبقى شخصية، وتعتمد على مدى تقبّلك للمخاطر، والأفق الزمني لاستثماراتك، ومدى فهمك طبيعة هذا السوق.
ورغم دعمه العملات المشفّرة، يُحذّر تايرون روس، مؤسّس شركة «401 Financial» للتخطيط المالي، من الاندفاع غير المحسوب، قائلاً:
«لا يزال أمامنا طريق طويل قبل أن تبدأ في الاستثمار بالعملات الرقمية وكأنك تقول YOLO (لنعش مرة واحدة)».
لماذا قد يكون الاستثمار فكرة جيدة؟
لطالما أبدى المستشارون الماليون تحفظاً في السابق إزاء التوصية بالاستثمار في البيتكوين أو العملات الرقمية الأخرى، نظراً لغياب التنظيم، والتقلبات الحادة في الأسعار، وصعوبة فهم أسس التقييم بالنسبة لهم ولعملائهم، وعلى عكس الأسهم التي يمكن تقييمها بناءً على أداء الشركات، فإن البيتكوين يُنظر إليها على أنها «مخزن للقيمة» ويُحدد سعرها بناءً على العرض والطلب فقط.
لكن هذا الحذر كان مبرراً، كما يقول ريك إيدلمان، مؤسّس «Edelman Financial Engines»، ومؤسّس «مجلس الأصول الرقمية للمهنيين الماليين» الذي يُقدّم برامج تعليمية حول تقنية البلوكتشين.
ورغم ذلك، يرى إيدلمان اليوم أن المستشارين الذين يؤمنون بأهمية تنويع المحفظة الاستثمارية –سواء من حيث فئات الأصول أو القطاعات– عليهم أن يُفكّروا جديّاً بإضافة نسبة صغيرة من الأصول الرقمية.
ويُضيف: «يجب أن يكونوا حذرين، لكن الحذر لا يعني الامتناع تماماً، لقد رأينا البيتكوين تصل إلى مستويات قياسية، ورأينا المؤسسات الكبرى تدخل السوق لأول مرة».
في السابق، أوصى إيدلمان بنسبة 1% فقط من المحفظة للاستثمار في العملات المشفّرة، وهي نسبة صغيرة كفاية بحيث لا تؤثّر كثيراً في حال خسارتها بالكامل.
وفي مارس الماضي، أجرى مقارنة بين محفظة تقليدية (60% أسهم/ 40% سندات) تحقق عائداً سنوياً 7% على مدى 10 سنوات، وبين محفظة يتم فيها تقليص نسبة الأسهم إلى 59% لصالح 1% بتكوين.
إذا انهارت قيمة البيتكوين تماماً، فإن العائد ينخفض إلى 6.9%.
وإذا وصلت إلى مليون دولار، فإن العائد يرتفع إلى 7.4%.
ومع تخصيص 3% من المحفظة للبتكوين، فإن العائد يتراوح بين 6.8% في أسوأ الحالات، و8.2% في أفضلها.
أما مع استثمار 5%، فقد يرتفع العائد إلى 9%، أو ينخفض إلى 6.7%.
ورغم ارتفاع سعر البيتكوين اليوم، مقارنةً بالانخفاض الحاد في شتاء 2022، يؤمن إيدلمان أن السعر لا يزال أمامه هامش كبير للصعود، نظراً لمحدودية عدد الوحدات المعروضة وارتفاع الطلب عليها.
صناديق البيتكوين المتداولة... الخيار الأكثر أماناً
بالنسبة للمبتدئين، يرى إيدلمان أن أفضل نقطة للانطلاق في عالم العملات الرقمية هي «البيتكوين»، قائلاً:
«هي أكبر أصل رقمي على الإطلاق، وتُعدّ الخيار المفضل لدى المؤسسات الاستثمارية».
ويضيف: «هي مختلفة تماماً عن بقية الأصول الرقمية، إذ تُستخدم كمخزن للقيمة وأداة لنقلها، في حين أن بقية العملات صُمّمت لأغراض تجارية محددة، ولا يُعرف أيّها سيصمد في المستقبل».
لكن الاستثمار المباشر في البيتكوين وتخزينها في محفظة شخصية قد يكون معقّداً وخطيراً إذا لم يكن لديك الخبرة الكافية.
يُحذّر روس قائلاً: «الاحتيال واسع الانتشار في هذا المجال».
لذلك، يُوصي هو وإيدلمان المبتدئين بالاستثمار من خلال صناديق البيتكوين المتداولة المُنظمة من قبل هيئة الأوراق المالية.
لماذا قد لا يكون الاستثمار مناسباً للجميع؟
ليس الجميع متفائلًا مثل إيدلمان، ففي مذكرة صدرت في مارس، قال نيلادري موكيرجي، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة «TIAA»: «رغم الحماس المتزايد تجاه العملات الرقمية وإطلاق صناديق البيتكوين، فإن العوامل المحرّكة للقيمة ما زالت قيد التطوّر، ويصعب على الكثير من المستثمرين فهمها بالكامل».
وأضاف أن القطاع لا يزال «غامضاً وغير منظم بدرجة كبيرة»، داعياً الأفراد إلى التحقق الدقيق قبل اتخاذ قراراتهم.
ويشدد إيدلمان على نقطة مهمة: «من لا يستطيع تحمّل التقلبات العنيفة نفسياً، لا يجب أن يستثمر في العملات الرقمية، لأنه من المرجّح أن يبيع عندما تهبط الأسعار».
ويضيف روس نصيحة عملية: جرّب استثمار مبلغ صغير يعادل تكلفة عشاء فاخر، وراقب الأداء لمدة عدة أشهر، تابع السوق واقرأ الأخبار، وراقب الصعود والهبوط لتفهم سلوك السوق قبل ضخ أي مبالغ حقيقية.
وإذا شعرت بالراحة لاحقاً، يمكنك تخصيص مبلغ صغير شهرياً، بشرط ألا يؤثّر على ميزانيتك.
وفي ما يتعلّق بتوزيع الأصول، تُوصي لازيتا ريني بروكستون، مؤسسة شركة «The Real Wealth Coterie»، بأن تكون النسبة صغيرة بما يكفي لتجنّب إلحاق ضرر كبير بالمحفظة في حال التراجع، وتضيف: «اختر شركات مرخّصة وموثوقة، تمتلك بنية تحتية قوية، وتوفّر معلومات شفافة للمستثمرين».
أما ترينت بورتر، المخطّط المالي والمحاسب القانوني المعتمد، فلا يزال متحفظاً رغم كل التطورات الإيجابية.
يقول: «نصيحتي لم تتغيّر: يجب أن يتوافق حجم الاستثمار في العملات الرقمية مع قدرة المستثمر على تحمّل المخاطر، وبالنسبة لمعظم الناس، لا ينبغي أن يتجاوز 5%، المخاطر التنظيمية ربما تراجعت، لكن مخاطر السوق لا تزال حقيقية، كما أن الأنظمة يمكن أن تتغيّر في أي لحظة».