على الرغم من الانتقادات المستمرة تواصل الشركات الأميركية الاعتماد على أعضاء مجلس إدارة مُحددين لسنوات طويلة وربما عقود.
إن وضع حد زمني للمدة التي يمكن لأعضاء مجلس الإدارة أن يخدموا فيها شركاتهم من شأنه أن يحقق العديد من الفوائد، من أهمها تجديد الأفكار ومنع الركود والمحسوبية، ولكن مجالس إدارات الشركات الأميركية تُقدر قيماً أخرى مثل الخبرة والاستمرارية والمعرفة التاريخية بالسوق.
على الجانب الآخر يركز المساهمون في انتقاداتهم على مهاجمة الجمود الفكري للشركات، وقد استهدفت ثلثا حملات المستثمرين النشطين بين عامي 2021 وأواخر عام 2024 شركات تضم ثلاثة مديرين على الأقل في مناصبهم لمدة عقد أو أكثر، وفقاً لبيانات بنك الاستثمار، إيفركور.
وتعد شركة صناعة النعوش، ماثيوز الدولية، من أحدث الشركات التي تتعرض لحملات هجوم بسبب طول مدة عمل مجلس إدارتها.
في ماثيوز انخفض سعر السهم بنحو النصف منذ منتصف عام 2023، ما دعا صندوق الاستثمار صاحب الحصة في الشركة، بارينغتون كابيتال، إلى انتقاد تجاوز متوسط فترة عمل أعضاء مجلس الإدارة 11 عاماً، أي أطول بنسبة 60 في المئة من الشركة النموذجية في مؤشر راسل 3000 الذي يقيس أداء أكبر ثلاثة آلاف شركة في الولايات المتحدة.
دافع المجلس عن تكوينه، مشيراً إلى إضافة عضوين مستقلين جديدين على مدار العامين الماضيين، ومع ذلك أوصت شركتا الاستشارات، جلاس لويس وإيجان جونز، المستثمرين بدعم وجهة نظر بارينغتون كابيتال في اجتماع المساهمين هذا الأسبوع.
غالباً ما تقاوم الشركات التغيير، والدليل أن أقل من 10 في المئة من الشركات المُدرجة في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 تفرض حداً أقصى على مدة عمل المديرين، وحتى هذه النسبة الضئيلة تضع عادةً حداً أقصى يصل إلى 15 عاماً أو أكثر، وفقاً لشركة أبحاث حوكمة الشركات، إسجاوج.
على سبيل المثال، حظي جون ثورنتون، بعضوية مجلس إدارة شركة صناعة السيارات، فورد موتورز، لمدة ثلاثة عقود تقريباً، وقد أمضى توني جيمس 36 عاماً كمدير في شركة كوستكو العملاقة للتجزئة، أكثر من سبع سنوات منها كرئيس تنفيذي، ولكن المصرفي مارك شابيرو يحمل الرقم القياسي في بيانات إسجاوج، مع 50 عاماً من عضوية مجلس إدارة شركة التأمين، دبليو آر بيركلي.
على مستوى الاقتصاد الكلي تحتل الولايات المتحدة المرتبة الثانية من حيث طول مدة خدمة المديرين غير التنفيذيين من بين 17 دولة تم تحليلها من قبل شركة الاستشارات، سبنسر ستيوارت.
ويبلغ متوسط مدة عضوية مجلس الإدارة في الولايات المتحدة ما يقرب من ثمانِ سنوات، أقل فقط من المكسيك، وهو ضعف متوسط مدة الخدمة في بريطانيا.
وتعتبر قواعد الحوكمة استقلال المدير «ضعيفاً» بعد تسع سنوات من عضوية مجلس الإدارة، وأصدرت بورصة هونغ كونغ بالفعل مؤخراً قواعد تحظر على المجالس أن يكون لديها مديرون مستقلون غير تنفيذيين في الخدمة لأكثر من تسع سنوات.
لماذا لا؟
وفقاً لدراسة شاملة نشرتها جامعة سنغافورة للإدارة في عام 2018، تحقق الشركات أفضل عوائدها عندما يكون متوسط مدة عمل المديرين الخارجيين من ثمانِ إلى عشر سنوات، قبل أن يبدأ الأداء في الانخفاض، وخلص الباحثون إلى أن مجالس الإدارة ذات مدة الخدمة الأقصر تتخذ قرارات استثمارية أفضل تؤدي إلى تقييمات أعلى، في حين أن المجالس ذات مدة الخدمة الأطول «أكثر عُرضة للانخراط في عمليات استحواذ مُدمرة للقيمة».
إحدى المشكلات هي أنه بسبب الطبيعة الجماعية لمجالس الإدارة، غالباً ما يتردد المديرون في طرد زملائهم خشية طردهم هم أنفسهم بعد ذلك، لكن، في السر، كان المديرون أقل سعادةً بزمالة أقرانهم.
استناداً إلى أحدث مسح سنوي أجرته شركة الاستشارات، برايس ووترهاوس كوبرز، قال نصف المستجيبين من أعضاء مجالس الإدارات إنه يجب استبدال عضو واحد على الأقل، ويعتقد ربعهم أنه حان الوقت لطرد اثنين على الأقل.
فرض التدوير الإلزامي لأعضاء مجالس الإدارات سيبعد المزيد من المديرين الذين عفا عليهم الزمن، ولكن من شأنه أيضاً أن يحد من مساهمات بعض المديرين المفيدين، وللأسف هناك محدودية في الكفاءات الاستثمارية.
ويمكن للأداء الجيد أن يساعد في عزل الشركات عن موجات الانتقادات الخارجية، والمثال على ذلك شركة بناء المستودعات، برولوجيس، والتي فرضت حداً أقصى لمدة عضوية مجالس الإدارات، وهو 15 عاماً في عام 2023، ثم ضغط المستثمرون لإلغائه بعد عامٍ واحد.
وتفرض الشركة التي تبلغ قيمتها 110 مليارات دولار حداً أقصى لعمر عضو مجلس الإدارة يبلغ 75 عاماً، كما تفعل بعض مجالس الإدارات الأخرى، ولكن خمسة من مديريها البالغ عددهم 11، بما في ذلك المدير المستقل الرئيسي، خدموا لمدة تسع سنوات على الأقل، ولكن مع تحقيق عائد إجمالي للمساهمين بلغ 175 في المئة تقريباً على كل سهم في العقد الماضي، وهو ما يفوق معايير صناديق الاستثمار العقاري الكبرى، يمكن لشركة برولوجيس أن تزعم أن مدد عمل أعضاء مجالس إدارتها الممتدة لا تضر بالمساهمين.
لا تتبنى البورصات الأميركية معايير محددة لمدد عمل مجالس إدارات الشركات، ولا يُتوقع أن يتغير الأمر في المستقبل القريب، ما يجعل المعايير كلها في يد الشركات نفسها، وإذا لم تقتنع بفوائد تبني وجهات نظر جديدة تدعم وجهات النظر الراسخة، أو ترضخ للدراسات القائلة إن مجالس الإدارات الأطول عمراً مرتبطة بأداء مالي أضعف، فلن تغير استراتيجياتها العتيقة، ولكن العامل المُرجح لقرار تحديد الحد الأقصى للخدمة عند عقد من الزمان مثلاً، هو أن الشركات الكبرى تستطيع بهذا القرار تحييد سلاح قوي في ترسانات هجوم المستثمرين وأصحاب المصالح المتربصين بها.