نوكيا.. من الورق إلى الهواتف الذكية.. ثم إلى الانهيار ومحاولة العودة

نوكيا.. من الورق إلى الهواتف الذكية.. ثم إلى الانهيار ومحاولة العودة

من الغابات الفنلندية إلى الصناعة.. كيف بدأت إمبراطورية نوكيا من طاحونة ورق صغيرة؟

بدأت قصة نوكيا في عام 1865، في قرية صغيرة على ضفاف نهر نوكيانفيرتا في فنلندا، حيث أسس المهندس الفنلندي فريدريك إدفارد طاحونة لصناعة الورق، كانت هذه المنطقة الريفية، التي تحمل اسم "نوكيا"، نقطة الانطلاق لما سيصبح لاحقاً واحدة من أكبر الشركات التكنولوجية في العالم.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

في عام 1871، حوّل الصناعي ليو ميخائيل هيلسينجيوس طاحونة الورق إلى شركة أكثر تنظيماً، وأطلق عليها اسم "نوكيا أب" (Nokia Ab)، توسعت الشركة في صناعة الورق خلال العقود الأولى من وجودها، مستفيدة من الغابات الشاسعة في فنلندا كمصدر للمواد الخام.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

مع بداية القرن العشرين، بدأت نوكيا في تنويع أنشطتها، وفي عام 1898، تأسست شركة "الكابلات المطاطية الفنلندية"  وفي عام 1912 تأسست شركة "الكابلات الفنلندية".

خلال الحربين العالميتين، لعبت نوكيا دوراً مهماً في الاقتصاد الفنلندي، حيث أنتجت معدات عسكرية ومدنية متنوعة، وبعد الحرب العالمية الثانية، اشترت شركة "الكابلات الفنلندية" حصة كبيرة في كل من شركة نوكيا الأصلية وشركة المطاط الفنلندية.

وأخيراً، في عام 1967، اندمجت الشركات الثلاث لتشكيل شركة واحدة تحت اسم "مجموعة نوكيا" (Nokia Group)، في ذلك الوقت كانت الشركة تنتج مجموعة متنوعة من المنتجات، من الورق والإطارات المطاطية إلى الأحذية والكابلات الكهربائية، لتصبح واحدة من أكبر الشركات الصناعية في شمال أوروبا.

 كيف تحولت نوكيا من شركة صناعية إلى رائدة في الاتصالات 

بعد اندماج الشركات الثلاث في عام 1967، بدأت نوكيا مرحلة جديدة من التطور تحت قيادة الرئيس التنفيذي كاري كايراموا، كانت الشركة في البداية تعمل في خمسة قطاعات رئيسية: الورق، الإلكترونيات، المطاط، الكابلات، والطاقة.

في السبعينيات، بدأت نوكيا تدخل بشكل متزايد في مجال الإلكترونيات والاتصالات، وفي عام 1979، تعاونت مع شركة سالورا الفنلندية لتصنيع أجهزة الراديو والتلفزيون، وأنشأت شركة موبيرا (Mobira) للاتصالات المتنقلة، كان هذا التعاون نقطة تحول كبيرة في تاريخ الشركة.

في عام 1981، أطلقت موبيرا أول شبكة هاتف محمول في العالم، وهي الشبكة الهاتفية للدول الاسكندنافية وفي عام 1982، أنتجت نوكيا أول هاتف محمول حقيقي، وهو نوكيا موبيرا سينيتور، الذي كان يزن 9.8 كيلوغرام.

عام 1984 شهد إطلاق نوكيا موبيرا تالكمان، وهو هاتف محمول أخف وزناً يمكن حمله باليد، وإن كان ما يزال ضخماً مقارنة بمعايير اليوم، حيث بلغ وزنه نحو 5 كيلوغرامات وسعره 4000 دولار أميركي.

مع انهيار الاتحاد السوفيتي في أواخر الثمانينيات، واجهت نوكيا أزمة كبيرة، حيث كان السوق السوفيتي يمثل نحو 20% من مبيعاتها، وفي عام 1991، قررت الشركة تحت قيادة رئيسها التنفيذي الجديد، يورما أوللا، التركيز بشكل أساسي على قطاع الاتصالات، وبدأت في التخلص تدريجياً من أقسامها الصناعية الأخرى.

في عام 1992، أطلق يورما أوللا شعاره الشهير "التركيز على الاتصالات"، وبدأت نوكيا في استثمار مكثف في تطوير الهواتف المحمولة والتكنولوجيا المرتبطة بها، وفي عام 1994، أطلقت نوكيا أول هاتف محمول يعمل بتقنية الجيل الثاني (GSM)، وهو نوكيا 2100، الذي حقق نجاحاً فاق كل التوقعات، حيث باعت الشركة 20 مليون وحدة منه، عشرة أضعاف الهدف الأصلي.

عصر الهيمنة.. نوكيا 8110 ولعبة الثعبان! 

مع دخول عصر الاتصالات المحمولة الرقمية، بدأت نوكيا في التألق حقاً، ففي عام 1994، أصبحت نوكيا أول شركة هواتف محمولة في العالم تطلق نغمة رنين قابلة للتخصيص، وهي ميزة بسيطة لكنها كانت ثورية في وقتها.

في عام 1996، أطلقت نوكيا هاتفها الأيقوني "نوكيا 8110"، الذي اشتهر لاحقاً بظهوره في فيلم "ماتريكس" عام 1999، بتصميمه المنحني وغطاء الانزلاق، مثّل هذا الهاتف قفزة كبيرة في تصميم الهواتف المحمولة.

في عام 1997، أطلقت نوكيا لعبة "الثعبان" (Snake) على هواتفها، وهي اللعبة التي أصبحت ظاهرة عالمية وأدخلت مفهوم الألعاب المحمولة إلى الجماهير، وفي العام نفسه، تجاوزت نوكيا موتورولا لتصبح أكبر مُصنِّع للهواتف المحمولة في العالم.

عام 1998 شهد إطلاق نوكيا 5110، الذي كان أول هاتف موجه بشكل خاص للمستهلكين العاديين، مع تركيزه على الأغطية القابلة للتغيير والتصميم الشبابي، وفي عام 1999، أطلقت نوكيا 3210، الذي باع أكثر من 160 مليون وحدة ليصبح واحداً من أكثر الهواتف المحمولة مبيعاً في التاريخ.

مع بداية الألفية الجديدة، كانت نوكيا في أوج قوتها؛ ففي عام 2000، أطلقت نوكيا 3310، الذي اشتهر بمتانته الأسطورية وعمر بطاريته الطويل، وباع أكثر من 126 مليون وحدة، وفي عام 2002، أطلقت نوكيا 7650، أول هاتف ذكي من نوكيا يعمل بنظام التشغيل سيمبيان.

في عام 2003، أطلقت نوكيا الهاتف N-Gage، الذي جمع بين الهاتف المحمول وجهاز ألعاب الفيديو، في محاولة مبكرة لدخول سوق الألعاب المحمولة، وفي عام 2005، باعت نوكيا هاتفها المحمول رقم مليار، وهو نوكيا 1100، الذي أصبح أكثر منتج إلكتروني مبيعاً في العالم.

بحلول عام 2007، كانت نوكيا تسيطر على ما يقرب من 40% من سوق الهواتف المحمولة العالمي، مع أرباح هائلة ومكانة لا تُضاهى، لكن في يناير من العام نفسه، أعلن ستيف جوبز عن جهاز آيفون الأول، الذي سيغير قواعد اللعبة في صناعة الهواتف المحمولة إلى الأبد.

الانهيار الدرامي.. كيف فقدت نوكيا عرشها في عصر الهواتف الذكية؟

في 9 يناير 2007، قدم ستيف جوبز هاتف آيفون الأول للعالم، مدشناً عصراً جديداً في صناعة الهواتف المحمولة، في نوكيا لم يكن هناك قلق كبير في البداية، فقد كان الاعتقاد السائد أن آيفون سيكون منتجاً مختصاً بالسوق الأميركية، ولن يهدد هيمنة نوكيا العالمية.

كان هذا خطأً استراتيجياً فادحاً، فقد أدرك المستهلكون بسرعة قيمة شاشة اللمس الكاملة وتجربة المستخدم الثورية التي قدمها آيفون، وفي العام التالي، أطلقت غوغل نظام التشغيل أندرويد، ما فتح الباب أمام شركات مثل سامسونغ وHTC للدخول بقوة إلى سوق الهواتف الذكية.

في محاولة للرد، أطلقت نوكيا هاتف 5800 XpressMusic في أواخر 2008، وهو أول هاتف يعمل باللمس من نوكيا، لكن رغم المبيعات الجيدة نسبياً، كانت تجربة المستخدم أقل بكثير مما قدمته أجهزة المنافسين.

المشكلة الأساسية كانت نظام التشغيل سيمبيان الذي اعتمدت عليه نوكيا، والذي لم يكن مصمماً أصلاً للهواتف التي تعمل باللمس، حاولت نوكيا تحديث سيمبيان، لكنها كانت تبني على أساس قديم، في حين كانت أنظمة iOS وأندرويد مصممة من الأساس للعصر الجديد.

الشراكة مع مايكروسوفت والبيع النهائي

في فبراير 2011، أعلن المدير التنفيذي الجديد لنوكيا، ستيفن إلوب (وهو مدير سابق في مايكروسوفت)، عن شراكة استراتيجية مع مايكروسوفت لاعتماد نظام Windows Phone كنظام التشغيل الرئيسي للهواتف الذكية من نوكيا.

أطلقت نوكيا سلسلة هواتف Lumia التي تعمل بنظام Windows Phone، وعلى الرغم من التصميم المميز والكاميرات ذات الجودة العالية، لم تستطع هذه الهواتف منافسة آيفون وهواتف أندرويد:

  • نقص التطبيقات مقارنة بمتاجر أبل وغوغل.
  • تأخر مايكروسوفت في تطوير ميزات مهمة في نظام التشغيل.
  • صعوبة إقناع المستخدمين بالتحول إلى نظام تشغيل جديد.

في سبتمبر 2013، أعلنت مايكروسوفت عن استحواذها على قسم الأجهزة والخدمات في نوكيا مقابل 7.2 مليار دولار، ما وضع نهاية فعلية لعلامة نوكيا في سوق الهواتف الذكية.

محاولات العودة.. المنافسة لا ترحم

بعد انتهاء فترة القيود التي فرضتها صفقة مايكروسوفت، منحت نوكيا ترخيصاً لشركة HMD Global (شركة فنلندية أسسها مديرون سابقون في نوكيا) لإنتاج هواتف تحمل علامة نوكيا التجارية بدءاً من عام 2016.

1. منافسة شرسة: أصبحت سوق الهواتف الذكية مكتظة بالمنافسين الأقوياء، خاصة الشركات الصينية مثل شاومي وهواوي وأوبو التي تقدم هواتف بمواصفات عالية وأسعار منافسة.

2. قيود الابتكار: صعوبة تقديم ميزات مبتكرة تميز هواتف نوكيا عن المنافسين، خاصة مع محدودية الموارد المالية والبحثية.

3. تغير عادات المستهلكين: أصبح المستهلكون أكثر ولاءً للأنظمة البيئية المتكاملة (مثل نظام أبل) أو للعلامات التجارية الأخرى.

4. ضعف التسويق: لم تستطع HMD Global مواكبة حملات التسويق الضخمة للشركات المنافسة.

5. تأخر في مواكبة التقنيات الجديدة: تأخرت في تقديم هواتف تدعم شبكات الجيل الخامس وأحدث المعالجات.

بحلول عام 2023، انخفضت حصة نوكيا في سوق الهواتف الذكية عالمياً إلى أقل من 1%، ما يعني تقنياً خروجها من السوق، بعد أن تجاوزت حصتها السوقية في الماضي الجميل 40% من كل الهواتف المحمولة في العالم.